نيسان April 2013

الدكتور القس لبيب ميخائيلرسالة هذا العدد هي "روشته" روحية كتبها بطرس الرسول لعلاج المثقلين بالهموم، وهذه كلماتها: "ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم" (1بطرس 7:5).
ويسترعي انتباهنا في هذه الآية حرفان هما: "كل" و "هو". وإذا ألقى المؤمن "كل همه" على "هو" الذي هو الرب، فسيعيش مغردًا كالعصفور، ممتلئًا بالفرح والبهجة وراحة القلب، لأن الرب يعتني به.
والآن، ما هي قائمة همومنا؟
وما مدى قدرة وعظمة إلهنا الذي يعتني بنا؟
الهموم التي يحملها المؤمن كثيرة، تشغل ثلاث دوائر:
دائرة الحياة الشخصية، ودائرة الحياة العملية، ودائرة الحياة المستقبلية.

أولاً: دائرة الحياة الشخصية

الهموم الشخصية نفسية داخلية، قال عنها كاتب المزمور: "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي" (مزمور 19:94).
وعبّر عنها في مزمور آخر قائلاً: "يا إلهي، نفسي منحنية فيّ" (مزمور 6:42).
والنفس المنحنية تئن داخل الإنسان كما يقول كاتب المزمور: "لماذا أنتِ منحنية يا نفسي؟ ولماذا تئنين في؟ ترجي الله، لأني بعد أحمده، خلاص وجهي وإلهي" (مزمور 11:42).
والهموم النفسية الداخلية لا يعرفها أحد سوى من يحملها. "القلب يعرف مرارة نفسه، وبفرحه لا يشاركه غريب" (أمثال 10:14).
ومن الصعب احتمال الهموم الداخلية بأي وسيلة بشرية لأن "روح الإنسان تحتمل مرضه، أما الروح المكسورة فمن يحملها؟" (أمثال 14:18).
هذه الهموم الداخلية تملأ حياة من يحملها بالكآبة، واليأس، والحزن.

ثانيًا: دائرة الحياة العملية

نحن نعيش في عالم انقلبت فيه الموازين... فلا ميزان للحياة الأخلاقية، ولا ميزان وسط فوضى التعاليم غير الكتابية، ولا ميزان للعلاقات الإنسانية... صرنا نعيش في غابة سابت فيها الوحوش، وصار الإنسان لا يخاف مخلوقًا غير الإنسان.
أضف إلى هذا هموم المعيشة، ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ وماذا نلبس؟ وعن هذه الهموم قال المسيح لتلاميذه: "لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس. انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟" (متى 25:6-26).
وقال لمرثا حين جاءت تستعين به قائلة: "يا رب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني! فأجاب يسوع وقال لها: مرثا، مرثا، أنتِ تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها" (لوقا 40:10-42).
ومن الهموم العملية، هم المواقف التي يتعرّض لها المؤمن بسبب إيمانه بالمسيح المصلوب. وعن هذه المواقف قال المسيح لتلاميذه: "ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون، لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه" (لوقا 11:12-12).

ثالثًا: دائرة الحياة المستقبلية

نصيحتي لك: "لا تعبر الكباري قبل أن تصل إليها". وهذه نصيحة عملية، لأن كثيرًا من همومنا نابعة من مجرد الخوف من المستقبل. وعن هذا الهم قال الرب يسوع: "فلا تهتموا للغد. لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى 34:6).
ومن قائمة هموم الغد، همّ التفكير في مستقبل بناتنا، من سيتزوج ابنتي؟ وهل سيكون زوجًا مسيحيًا بالحق يعتني بها ويكرمها ويرعاها، أم سيكون زوجًا قاسيًا يؤلم نفسها ويحزن قلبها؟ ومع همّ التفكير في مستقبل البنات، يأتي همّ التفكير في مستقبل الأولاد وهل سيكون زواجهم سعيدًا. ناهيك عن التفكير في المستقبل العلمي لأولادنا.
هذا يأتي بنا إلى القسم الثاني من رسالتنا، وهو القسم الذي يتحدث عن "هو".

ملقين كل همكم عليه لأنه "هو" يعتني بكم

والحرف "هو" في هذه الآية يتضمن الكنوز التي يصعب التعبير عن عظمتها... لأنها تتحدث عن صفات الله... عن فرادته، عن مطلق معرفته، عن سيادته، عن عدم تغيّره، عن قداسته، عن قوته، عن أمانته، عن إحساناته، عن صبره، عن نعمته، عن رحمته، عن محبته، عن غضبه، عن مطلق وجوده.
لكنني سأكتفي في هذه الرسالة عن الرب بالحديث عن بعض الدوائر التي تتحدث عنه:

الرب المعتني بي هو صانع السماوات والأرض
يقول كاتب المزمور: "أرفع عينيّ إلى الجبال، من حيث يأتي عوني! معونتي من عند الرب، صانع السماوات والأرض". (مزمور 1:121-2)
"الرب... صانع السماوات والأرض، لا ينعس ولا ينام"، ولذا فعنايته بنا دائمة... "الرب حافظك... لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر في الليل".. وقد اكتشف العلماء أن ضربة القمر أشد من ضربة الشمس لأنها تصيب من تضربه بالجنون... "الرب يحفظك من كل شر... يحفظ خروجك ودخولك".. الله القدير يعتني بأولاده وبناته في كل هذه الأمور. فماذا تريد أكثر من ذلك؟

الرب المعتني بي هو إله العمر كله

يتحدث في نعمته للمؤمنين قائلاً: "الْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ الْبَطْنِ، الْمَحْمُولِينَ مِنَ الرَّحِمِ. وَإِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ، وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي. بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟" (إشعياء 3:46-5).
من الطفولة الباكرة، إلى الشيخوخة المتأخرة الرب يحمل المؤمنين ويعتني بهم. هو إله العمر كله من المهد إلى اللحد، وأفضل أن أقول إلى المجد.

الرب المعتني بي أحصى شعر رأسي

في حديث المسيح للرسل الذين اختارهم قال لهم: "وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" (متى 30:10).
والذي أحصى شعر رأس المؤمن، ألا يهتم بحاجاته الجسدية، والنفسية والروحية؟
إذا جرّبك الشيطان لتحمل همومك... فاذهب إلى المرآة، وانظر إلى رأسك، ثم قل للشيطان: الذي أحصى شعر رأسي لا شك أنه يعتني بجميع أموري.... فاذهب عني!

الرب المعتني بي لا ينسى العصفور الخامس

ذكر المسيح العصافير في موضعين:
في إنجيل متى قال: "أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم... فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة" (متى 29:10 و31).
وفي إنجيل لوقا قال: "أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟" (لوقا 6:12).
بالحساب نرى أن العصفور الخامس كان البائع يعطيه للشاري مجانًا إذا دفع فلسين... هذا العصفور الخامس الذي كان يُعطى مجانًا من البائع ليس منسيًا أمام الله "فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة!" (لوقا 7:12).
أذكر باختصار ما عمله الرب الذي قيل عنه في آية رسالتنا: "لأنه هو يعتني بكم".
هذا الإله العظيم أطعم شعبه في البرية لمدة أربعين سنة وسقاهم ماء من صخرة الصوان (تثنية 2:8-4 و15).
هذا الإله العظيم هو الذي أمر الغربان أن تطعم إيليا النبي في زمن الجوع، فكانت الغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحًا وبخبز ولحم مساء (1ملوك 3:17-6).
هذا الإله العظيم هو الذي تخضع له الخلائق كلها "وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له: ماذا تفعل؟" (دانيآل 35:4).
هذا الإله العظيم هو الذي أرسل ريحًا شديدة إلى البحر ليدفع الملاحين إلى إيقاظ يونان النبي الهارب النائم، وهو الذي أعد حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان، وهو الذي أمر الحوت فقذف يونان إلى البر، وهو الذي أعدّ يقطينة فارتفعت فوق يونان ليخلصه من غمّه، وهو الذي أعدّ دودة فضربت اليقطينة فيبست (يونان 4:1 و17؛ 10:2؛ 6:4-7).
هذا الإله العظيم هو الذي "انتهر الريح، وقال للبحر: اسكت! ابكم! فسكنت الريح وصار هدوء عظيم" (مرقس 39:4).
هذا الإله العظيم هو الذي أطعم خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد حتى شبعوا من خمسة أرغفة وسمكتين (متى 14:14-21).
فيا أخي المؤمن بالمسيح المصلوب المُقام، ويا أختي المؤمنة...
"ألقِ على الرب همك فهو يعولك. لا يدع الصديق يتزعزع إلى الأبد" (مزمور 22:55).
"لتكن سيرتكم خالية من محبة المال. كونوا مكتفين بما عندكم، لأنه قال: لا أهملك ولا أتركك، حتى إننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي إنسان؟". (عبرانيين 5:13-6)
"أيضًا كنت فتى وقد شخت، ولم أر صديقًا تُخلّي عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزًا. اليوم كله يترأّف ويقرض، ونسله للبركة".
(مزمور 25:37-26)
"لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (فيلبي 6:4-7).
وأمام عظمة الرب وقدرته وأمانته اسجد شاكرًا ورنم مع من قال:
إن يُنسى من أم ولد
يبقى له الرب سند
محصي لشعري بالعدد
هيهات ينساني

المجموعة: نيسان April 2013