نيسان April 2013

الدكتور عصام رعدسأل شاب الرب يسوع سؤالاً مهمًا: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" يبدو أن هذا السؤال وجيه من حيث الشكل، ولكن من حيث الجوهر لم يكن هذا الشاب يريد أن يستغني عن أي شيء من أجل الحياة الأبدية. واذا تأملنا في مواصفات هذا الشاب نجده أولاً شابًا متدينًا ثريًا، وذا مركز مرموق. فقد كان يجمع كل يتمناه الإنسان من مال وجمال وتعظم الأحوال.
تجاهل الحقيقة أن الميراث لا يرثه العبيد والغرباء الذين يعملون ويجاهدون بل الأولاد كما هو مكتوب في رومية 17:8 "فإن كنا أولادًا فإننا ورثة أيضًا، ورثة الله ووارثون مع المسيح"، وأيضًا في يوحنا 12:1 "أما كل الذين قبلوهُ (أي قبلوا المسيح مخلصًا وسيدًا) أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمهِ".
لقد ظن أنه بقيامه ببعض الأعمال والطقوس يمكن أن يربح الحياة الأبدية. ثم أجابه المسيح: "ولماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله". أي لا يوجد إنسان صالح كما هو مكتوب في رومية 12:3 "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس مِن يعمل صلاحًا ليس ولا واحد". ثم سأله عن الوصايا فقال للمسيح: "هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي". كان ذلك الشاب يعتقد أن نوال الحياة الأبدية يكون بالسلوك الجيد، وحفظ الفرائض، والعبادة... ولم يدرك أنها نتيجة عمل الله داخل قلب الإنسان، الذي به يتغير ويسير مع الله. فالحياة الأبدية ليست بالطقوس وإنما بالإيمان التائب والولادة الثانية مِن روح الله.
ثم أوضح المسيح الحقائق التالية عن الحياة الأبدية:

أولاً: ارفض ديانة الرياء


كان ذلك الشاب يظن أنه بالاخلاق الطيبة، والأعمال الصالحة التي يعيشها، ويقوم بها أمام الناس، هي التي تقوده للحياة الأبدية بينما قلبه مبتعد عن الله. لكن المسيح أراد أن يقول له بأن الحياة الأبدية ليست بالتدين الخارجي أو بالمحاولات الإنسانية، بل بعملٍ داخلي يغير قلبه، إنه يحتاج إلى الولادة الثانية. لا يمكن أن تتبرر بأعمالك مهما كانت صالحة. يقول الكتاب: "بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد".
(أفسس 8:2-٩)
قارئي العزيز: كيف ترى نفسك اليوم؟ هل أنت مع الرب من كل قلبك وفكرك وعقلك؟ أم أنك متدين فقط؟ إذا كنت متدينًا، تعال إلى لمسيح فيغير قلبكَ، وإذا كنت مؤمنًا واختبرت الخلاص، دع الرب يملأكَ كل يوم، ولا تدع إبليس يخدعك ويقنعك بصلاحك الذاتي لكي لا تفقد البركة الإلهية، وتكون مثل الابن الأكبر الذي عاشَ في بيت أبيه وظن أنه صالح. فلا يخدعنّك إبليس بل اجعل الرب يملك على حياتك كل يوم. لا تستخف بالمال وبمحبة المال. كان ذلكَ الشاب مستعبدًا للمال! فالمال هو إله قوي في هذا العالم. ولو نظرنا إلى الناس الذين حولنا نجدهم أنهم يتكالبن على المال من شدة خوفهم من الغد. إنهم يركضون سعيًا وراء المال، فلا تركض مثلهم. كان المال بالنسبة لهذا الشاب أهم من حياته الأبدية، فعندما طلب إليه المسيح أن يبيع كل ماله ويعطيه للفقراء مضي حزينًا لأنه "كان ذا أموال كثيرة"، فكانت الحياة الفانية بالنسبة له أهم من الحياة الأبدية! لقد بدأ بداية جيدة، جثا عند أقدام الرب لكنه لم يدرك معنى ذلك. عندما كنت في بلد ما في أسيا، ذهبنا لزيارة قبر ملك تلك البلد، وقد كان شخصية طيبة. لقد كان ذلك الملك يحب قيادة كل أنواع السيارات مثل الرولز رويس وغيرها... وعند قبره وضعوا كل السيارات التي قادها، والطائرات التي كان يطير فيها، ولكن آخر ما وضعوه إلى جواره كانت السيارة التي حملت نعشهُ. يقول الكتاب في متى 26:16 "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟".
فمحبة المال مدمرة وهي أصل لكل الشرور، والعديد من الناس يخسرون حياتهم الأبدية بسببه.
وضع شخص إعلانًا في جريدة يقول: "كيف تصبح مليونيرًا؟" وجمع مبالغ طائلة، وسألوه: ما السر في ذلك؟ قال: كتبت إعلانًا في الجريدة "كيف تصبح مليونيرًا؟ فإذا كنت تريد ذلك، اتصل بي وسأطلعك كيف تحصل على ذلك، مقابل دولار واحد فقط ترسله إليَّ؛ فاتصل به الملايين، ودفع كل واحد منهم دولارًا... ثم أخبرَ صاحب الإعلان كل شخص بعث إليه بالدولار، وقال له: إذا كنتَ تريد أن تكون مليونيرًا افعل كما فعلت أنا، وسيرسل الناس لكَ الدولارات!
فلو وضعنا إعلانًا في جريدة ما: "كيف تحصل على الحياة الأبدية مجانًا؟" - لأنها لا تكلف الإنسان شيئًا لكنها كلّفت الله كثيرًا - ترى، كم شخصًا سيتجاوب مع هذا الإعلان؟ بل على العكس، إنهم سيستخفون بمجانية الحياة الأبدية... والرب اكتشف ذلك في هذا الشاب.
إن الشخص الذي يستغني عن الرب بمالهِ، أو أعمالهِ، أو أي شيء آخر هو مثل ملاك كنيسة لاودكية الذي قال له الرب: "لأنك تقول: إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولستَ تعلم أنكَ أنتَ الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان" (رؤيا 17:3).
هل تفضل المال على الرب؟ أنا أرى أن الله قد أوصى شعبه في العهد القديم أن يقدموا العشور لكي ينتصروا على الطمع وحب المال الذي بداخلهم. فالطمع يحجب البركة والرب أعطاك ٩٠% من دخلك، فلماذا تطمع بالـ ١٠% التي للرب؟ الرب لا يريد أموالك، لكنه يريد أن يعطيك بركة لكي تنتصر على الطمع.
ماذا انتفع الناس الذين سعوا وراء المال؟ قال بيلي جراهام: "المشكلة ليست في أن تمتلك المال بل أن يمتلكك المال".  تحرر من حب المال واقترب من الرب بقلبك لا بالشعائر، ولا بالطقوس، ولا بالإعمال الصالحة بل فقط بقلبك وعقلك ومشاعرك.

ثانياً: اطلب كنز السماء


اطلب الرب وكرس حياتك له، لأن هذا هو الكنز الحقيقي الذي لا يفنى ولا يضيع. يستحق المسيح أن تترك كل شيء من أجله. فالرب في كولوسي 3:2 هو "المذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم". يجب أن نعطيه كل شيء ليس لأنه بحاجة لأموالنا. فما لدينا ليس له قيمة أمام ملكوت المسيح. إتبع المسيح من قلب طاهر، أُرفض ديانة الرياء واطلب كنز السماء الذي هو المسيح يسوع. هل تعرف كم عدد الفقراء في العالم؟ إنه عدد ضخم. لو منعوا لعب القِمار في أمريكا فقط، لوفروا من جراء ذلك 50 مليار دولار وهذا مبلغ كبير وكافٍ لأن يحل مشكلة الجوع في أفريقيا. إذا استغنينا عن أشياء لسنا بحاجة إليها يمكن أن تسدد احتياجات الآخرين. ولو كان المؤمنون في أمريكا يدفعون عشورهم لوصلت كلمة الله إلى كل إنسان.
أخي، أختي، هناك العديد من الناس الذين يتضورون جوعًا إلى كلمة الله. هناك جياع روحيًا وهم بحاجة إلى المسيح الذي هو خبز الحياة. لا تكنز لك كنوزًا على الأرض، بل استثمر ما تملك من مال أو مواهب في حياة الناس. قدم لهم كلمة الله ليقبلوها، فتتغير حياتهم.
كان "اليرب ماكماكس" مزارعًا بسيطًا. وفي عام ١٩٢٩، حدثت في أمريكا الأزمة التي يسمونها "The Great Depression" وكانت أيامها صعبة لدرجة كان المرء بالكاد يستطيع أن يقتات لنفسه وعائلته. كان اليرب لديه سيارة ينقل الناس بها ليذهبوا إلى الكنيسة. فقالت له زوجته: أنت بالكاد تذهب إلى العمل بسيارتك، فكيف تأخذ معكَ أشخاصًا آخرين؟ قال: إن هذا أهم عمل أقوم به أن أُحضر الناس إلى الكنيسة والرب يدبر احتياجاتنا. وكان هناك شاب يقيم فى مكان بعيد اعتاد أن يحضره معه إلى الكنيسة. كان ذلك الشاب مرتبطًا بالعالم. فقال له ماكماكس: تعال اسمع كلمة الرب، وقُدْ أنت السيارة. وذهبا إلى الاجتماع، وقاد الشاب السيارة، ومن ثم طلب هذا الشاب الرب بدموع، وتغيرت حياته. ثم استخدم الرب هذا الشاب استخدامًا عظيمًا وربح الملايين للمسيح. وأعتقد أنه خلال الثلاثمائة عام الأخيرة لم يكلم أحد الناس عن المسيح مثلما فعل هذا الشاب الذي يُدعى بيلى جراهام.
هذا هو كنز السماء، اطلبه من الرب وقدمهُ للآخرين. هناك مجالات عديدة لتخدم بها الرب.
ثالثاً: إتبع رب الفداء
قال السيد المسيح لهذا الشاب: "اتبعني حاملاً الصليب".
عندما كنا أطفالاً  فى لبنان، كانوا يبيعون الحليب ويحذروننا أن لا نشتريه لأنه مغشوش بالماء، والبعض الآن يغشون كلمة الله... فهناك برامج دينية تلفزيونية تقدم إنجيل النعمة الرخيصة. لكن كلمة الله تخبرنا ان اتّباع المسيح يعني التضحية بنفسي من أجل المسيح. هذا هو معنى حمل الصليب! لقد فهمت الكنيسة الأولى أن اتّباع  المسيح هو التضحية بكل شيء لأجله. فمثلما عاش المسيح لأجلكَ ينبغي عليك أن تعيش مِن أجلهِ. ومثلما مات لأجلكَ عليك أن تضحّي لأجلهِ. وكما أعطاكَ حياتهِ، يجب عليك أن تقدم لهُ حياتكَ أيضًا. هكذا فهمت الكنيسة الأولى الإنجيل وتبعية المسيح. لكن الجيل الحالي هو جيل الشوكولاته، وجيل التهريج، لأنهم يريدون إنجيل التهريج والمرح، لا إنجيل نكران النفس والتضحية والصليب.
فهل أنتَ مستعد أن تترك كل شيء وتتبع المسيح؟
عندما كنا بالأردن زرت قبر د. إلينور سالتو التي قضت في الأردن نحو 40 عامًا وهي من عائلة ثرية، لكنها عاشت مع البدو هناك لتخدمهم وقد ماتت محروقة!
مارثا مايورز، ذهبت إلى اليمن حيث قضت 27 عامًا. ثم أقدم شخص على إطلاق النار عليها فماتت ودُفنت هناك في اليمن.
وهناك العديد من قصص رجال ونساء الله الصالحين الذين عاشوا إنجيل التضحية من أجل المسيح، فأين نحن من هؤلاء؟ هل نحن على استعداد للتضحية من أجل المسيح؟
جاء شخص إلى المسيح قائلاً: "يا سيد، أتبعك أينما تمضي... ولكن ائذن لي أولاً أن أودّع الذين في بيتي". أجابه المسيح: يجب أن أكون أنا أولاً قبل الذين في بيتكَ. لقد أعطيتك الأولوية الأولى، وأنت أيضًا عليك أن تعطيني أولويتك الأولى. لا أريدك أن تضعني في الدرجة  الثانية أو الثالثة، فلا أحد يتبعني وينظر إلى الوراء.
الله يدعوك أن تكرس له حياتك كاملاً. فما هو الذي يأخذ المكانة الأولى في حياتك؟ المال، أو الجنس، أو السلطة، أو الكبرياء، أو الأسرة، أو الشهوات؟... إن أي شيء يأخذ الأولوية في حياتك سيدمرك. أعط المسيح الأولوية الأولى. إتبع تعاليمه الراقية السامية التي تحولك إلى إنسان آخر. قل له: يا رب، أنتَ أعطيتني كل شيء وتريد أن تعطيني أكثر وأكثر... أنت تريد أن تعطيني كنزَ شخصك! وأنا يا رب أُعطيكَ كل ما عندي وأضعهُ عندَ قدميك!
هذا هو الكنز الحقيقي السماوي الذي فيه الحياة الأبدية الذي يجعلك من أغنى الأغنياء وأقوى الأقوياء... إنه المسيح رب الفداء... فتعالَ إليه.

المجموعة: نيسان April 2013