نيسان April 2013

Jacob_Ammariالجهل بالعقائد المسيحية بين أبناء الشرق من غير المسيحيين ظاهرة متفشية على نطاقٍ واسع. ونحن إذ نقول بهذا لا نلوم الغير على ما يجهلونه من معتقداتنا، ولكن جهل الغير بما نحن عليه يولِّد لديهم من الظنون والأوهام حول ما ليس فينا وما لا نرغب فيه. فنحن نرغب لمواطنينا ممن نتقاسم معهم لقمة العيش أن يعرفونا كما نحن، لا كما يُشاع عّنا، سيما وأن أوساطًا مغرضة تروج عنا ما ليس فينا، مستغّلة غياب الإعلام المسيحي الصريح (محليًا) لتنشر عنا ما لا علاقة لنا به.


فالكثيرون من غير المسيحيين من يظنون أن في المسيحية ثلاثة آلهة، فيكون المسيحيون بهذا كفرة مشركين. ونحن نسمع هذا في الشارع وفي الأماكن العامة، بل وحتى في بعض وسائل الإعلام الرسمية لبعض الدول دون رادع. والميدان مفتوح أمام المغْرضين للترويج والتشكيك بالمعتقدات المسيحية. والرد عليها في الإعلام المحلي مقيّد وغير متوافر لأسباب كثيرة.
التقيت بأحدهم يومًا وكان يروج لمثل هذه الأمور بحدة، فقلت له: "ما لك وما للغير في ما يعتقدون به، فالمعتقد الديني قضية بين الإنسان وربه، وهناك يوم للحساب، فلماذا تستبق الأمور وتنصّب نفسك مكان الخالق وتتدخل في قضايا شخصية بين الإنسان وخالقه؟ اعبد ربك كما تشاء واترك لغيرك أن يعبد ربه كما يشاء."
والحقيقة هي أننا نحن المسيحيون شركاء في الذنب في ما يجهله الغير فينا. فنحن أهملنا كتابنا، ولم نعد نعتدّ به، وغرور العالم أنسانا مصدر عقيدتنا، وقلَّة منا تمارس مطالعة الكتاب المقدس، فضأُلت لدينا المعلومة الروحية، وضعفت الحجة التي نبني عليها عقيدتنا، وتناسينا منبع الحق الذي استقى منه أجدادنا الرواد عقائدهم، وصِرنا بعدهم نستقي المعلومة العقائدية من الشارع، ومن الأقوال الشعبية وأحيانًا قليلة من رجل الدين، وفي الحالين أغفلنا الرجوع إلى مصدر العقيدة الأثبت - الكتاب المقدس - بصفته الغذاء الروحي الدائم.
ولأن الإنسان لا يعيش من دون شيءٍ يربطه بدينه، فالكثيرون منَّا ممن استخفوا بكلمة الله وأهملوها، عوَّضوا عنها بممارسة مظاهر العبادة التقليدية كترديد بعض الصلوات المحفوظة في الصدور في كلّ مناسبة، وتبعتهم في ذلك أجيال وأجيال، ورحنا نردد رموز عقائدنا الرئيسية بألسنتنا (في قانون الإيمان على سبيل المثال) من غير أن نفهم معناها، وإن سئِلْنا عنها نخفق في الإجابة عنها ونتهرب من الحوار، وفاقد الشيء لا يعطيه.
صحيح أن هناك جهاتٍ معنية بالتثقيف الديني والتربوي، ومنها العائلة ممثَّلة بالوالدين. وهنا نذكِّر بدور الأب والأم، في تنشئة الأبناء والبنات على الفضائل المسيحية. وهذا لا يتم بدون الوعي الديني لدى الوالدين!
يقول الله في سفر المزامير: "طوبى للرجل المتقي الرب المسرور جدًا بوصاياه. نسله يكون قويًا في الأرض. جيل المستقيمين يبارك" (مزمور 1:11٢-2). و"طوبى لكلّ من يتَّقي الرب ويسلك  في طرقه لأنك تأكل تعب يديك. طوباك وخير لك. امرأتك مثل كرمةٍ مثمرةٍ في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك. هكذا يبا رك الرجل المتقي الرب" (مزمور 1:128-4). ويقول: "هوذا البنون ميراث من عند الرب. كسهامٍ بيد جبار هكذا أبنا ء الشبيبة، طوبى للذي ملأ جعبته منهم، لا يخزون بل يكلمون الأعداء في الباب" (مزمور 3:127-5).
ويقول: "بنونا مثل الغروس النامية في شبيبتها، بناتنا كأعمدة الزوايا منحوتاتٍ حسب بناء هيكل... طوبى للشعب الذي له كهذا. طوبى للشعب الذي الرب إلهه" (مزمور 12:144 و15).
إن أفضل حصانة لأبنائنا وبناتنا ضد أي انحرافٍ يتعرضون له هو في قربهم من كلمة الله.
والكنيسة أيضا لها دور فاعل في إيصال المعلومة الروحية المبنية على قول الحق في إنجيل الحق، لكي نحصَنهم بالعلم، والمعرفة، والاختبار الروحي. مسؤولية الكنيسة أعم وأشمل من مسؤولية العائلة. فالعائلة قد تنحرف، لكن الكنيسة هي وسيلة التصحيح، لأنها المؤسسة الربانية المؤتمنة على الرعية. فالآباء قد يغفلون عن المسؤولية لأسبابٍ وأعذارٍ، نرى صورًا منها كثيرة، وتبقى المؤسسة الكنسية هي العين الساهرة والمؤتمنة على فتح الكتاب المقدس أمام رعاياها وشرح ما يعلِّمه، ويؤكِّد عليه بالرجوع إلى النصوص الكتابية. قال يسوع: "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي" (يوحنا 39:5).
ويقول الرسول بطرس في رسالته الأولى 15:3-18: "قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوف، ولكم ضمير صالح لكي يكون الذين يشتمون سيرتكم الصالحة في المسيح يخزون في ما يفترون عليكم كفاعلي شر."
ونحن اليوم لو عبرنا بأكثر صراحة لقلنا إن البعض (نعم أقول "البعض") من قادتنا الروحيين تتسم معلوماتهم الكتابية بالضآلة، لأن الاطلاع عليه ليس مدرجًا في حساباتهم. وهنا يقع البلاء، فما بالك بالشعب؟!

المجموعة: نيسان April 2013