نيسان April 2013

القس رسمي إسحق"وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ" (يوحنا 7:20).
وردت كلمة "منديل" في الكتاب المقدس أربع مرات، وكلها في العهد الجديد: ثلاثة بصيغة المفرد، ومرة واحدة بصيغة الجمع.
- المنديل الذي وضع فيه العبد الكسلان منا سيده.
- والمنديل الذي كان ملفوفًا به وجه لعازر.
- والمنديل الذي كان على  رأس الرب يسوع المسيح بعد موته.
- ثم المناديل التي كانوا يأتون بها من عند الرسول بولس ليضعونها على المرضى، فتزول عنهم الأمراض، وتخرج منهم الأرواح الشريرة.
إن أهم هذه المناديل جميعها هو المنديل الملفوف الذي تركه الرب يسوع المسيح في القبر عند قيامته. نقرأ في كلمة الله أن بطرس وتلميذًا آخر - اتفق جميع مفسري الكتاب ودارسيه على أنه يوحنا التلميذ الذي كان يتكئ على صدرالمسيح - بعد أن سمعا قول المجدلية: "أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه"، أخذا يركضان ذاهبَين إلى القبر، "فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر، وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه (المسيح) ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحده". يا له من أمر ملفت للنظر! حول هذا المنديل الملفوف سيدور حديثي إلى حضراتكم في كلمتين:
أولاً: المنديل الملفوف وما يؤكده من حقائق بيِّنات
ثانيًا: المنديل الملفوف وما يقدمه لنا من بركات

أولاً: المنديل الملفوف وما يؤكده من حقائق بينات

إن وجود المنديل ملفوفًا وحده يؤكد لنا على الأقل أربعة حقائق هامة، أوجزها فيما يلي:

1- الألم الشديد
هذا المنديل، كان موضوعًا على رأس المسيح له كل المجد. تلك الرأس، التي بدلاً من أن تُكرَّم بوضع تاج من الذهب عليها ابتُليت بأشد الآلام من جراء إكليل الشوك الذي وُضع بكل قسوة وعنف عليها، فانغرست الأشواك في جبينه الطاهر، وتلطخ وجهه بالدم؛ ذلك الوجه الذي ابتسم في وجوه المحتاجين، والمتضايقين، والمتعبين، والحزانى، والمرضى، وذوي العاهات، فرسم البسمة على وجوههم بعد أن خلصهم من الظروف التي كانت تؤلمهم وتكدر حياتهم. لم يكتفِ صالبوه بالألم الناتج عن وضع إكليل الشوك على رأسه لكنهم انهالوا على تلك الرأس بالضرب فسببت الأشواك ألمًا أشدّ وأقسى. وشرعوا يبصقون على  وجهه ويلطمونه، ويلكمونه.

2- الموت الأكيد
ادّعى شخص اسمه فينتوريني أن المسيح لم يمت، ولكن حدثت له إغماءة طويلة بسبب ألم الصلب، أفاق منها بعد دفنه بسبب برودة القبر، ورائحة الأطياب؛ ولكن هذا ادعاء باطل لأن هناك أدلة وبراهين مؤكدة على أن المسيح مات حقًا. أوّلها، أن الذين كانوا حول الصليب سمعوه يقول: "في يديك استودع روحي"، ورأوه أيضًا ينكّس رأسه. ثم إن العسكر بعدما كسروا سيقان اللصين المصلوبين معه، جاءوا ليكسروا ساقَي المسيح فوجدوه قد مات. وعندما تَجَاسَرَ يوسف الذي من الرامة ودَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ، تعجب بيلاطس من موت المسيح السريع؛ قد يجد البعض من تعجّب بيلاطس من سرعة موته حجة على أنه لم يمت بل كان مغميًّا عليه - هذا أمر مردود عليه - فالذي عجّل بموته هو الدماء الغزيرة التي سفكت منه بسبب إكليل الشوك، والجلدات الكثيرة القاسية، وتسمير يديه وقدميه. ثم إن عملية التكفين، ولف وجهه بالمنديل، ودفنه في القبر، كل هذه دلائل أكيدة على حقيقة موته، إذ لا يمكن أن يحدث ذلك لإنسان مغميّ عليه فقط إذ يؤكد تنفسه على أنه لم يمت.

3- الحدث المجيد
وأقصد به حدث القيامة من الموت. عندما تأكد الجميع من موت المسيح، لفّوه بالأكفان، ووضعوا المنديل على رأسه، ودفنوه في القبر الذي أغلقوه بحجر كبير. وأكثر من ذلك: أقام المسؤولون حراسًا على القبر للمحافظة عليه. وفي صباح الأحد، قام الرب يسوع من الموت، وحمل الحراس خبر قيامته الأكيدة لرؤساء الكهنة الذين تشاوروا معًا وأعطوا الحراس فضة كثيرة ليقولوا أن تلاميذه أتوا وسرقوه وهم نيام! يا له من كلام غير منطقي البتة! هل نام جميع الحراس وهم يعلمون أن عقوبتهم قد تكون الإعدام؟ وهل النائم يرى الأحداث حتى يقول إن تلاميذه قد جاءوا وسرقوه؟ ثم من يُسرق؟ هل يسرق السارق الجسد ويترك الأكفان في موضع والمنديل ليس معها بل ملفوفًا في موضع وحده؟ وهل النائم لا يستيقظ من صوت دحرجة الحجر الكبير؟ إن الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها هي أن المسيح - تبارك اسمه - قد قام حقًّا!

4- المجيء السعيد
يؤكد المنديل الملفوف مجيء المسيح الثاني. في تقليد يهودي قديم، عندما كان العبد يقدم طعامًا لسيده، يضع مع الطعام منديلاً ملفوفًا، لكي يستخدمه السيد في مسح يديه، ولحيته، وفمه بعد تناول الطعام، ويضعه جانبًا دون أن يلفه؛ لكن، إن قام لسبب معين وترك المنديل ملفوفًا، فهذا دليل على أنه سيعود ثانية. وتَرْكُ المسيح للمنديل ملفوفًا دليل أكيد على مجيئه ثانية، الأمر الذي تؤيده كلمة الله بعدة نصوص كتابية، قال المفسرون إنها تزيد عن 250 نصًا كتابيًا.
كان المجيء الثاني للمسيح هو موضوع انتظار الكنيسة. ففي العصور الأولى للكنيسة، كان المؤمنون يحيّون بعضهم بعضًا قائلين: "ماران أثا"، وتعني: "الرب آت".

ثانيا: المنديل الملفوف وما يقدمه من بركات

يقدم لنا المنديل الملفوف بركات كثيرة، أذكر منها بركتين:

1- التعزية القلبية
أقول لكل حزين: لماذا تبكي؟ ولماذا أنت مستمرّ في أحزانك؟ جفف دموعك، فالرب ترك لك منديلاً ملفوفًا لتمسح به دموعك. فتعزَّ وافرحْ، ولا يكن وجهك مكمدًّا بعد.
تحدث الكتاب عن هذه التعزيات القلبية بفم الرسول قائلاً: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزّينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزّى بها من الله. لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا".
ثم قال الوحي المقدس: "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم... وهكذا نكون كل حين مع الرب (المسيح المقام من الأموات). لذلك عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام". وبهذا الأمر سيتم قول الرب يسوع المسيح في عظته على الجبل، "طوبى للحزانى لأنهم يتعزَّوْن".
2- الراحة الحقيقية
أقول لكل متعب: قم وجفّف عرقك الناتج عن أتعابك وخدمتك، فالمسيح - له كل المجد – قد ترك لك منديلاً ملفوفًا لتجفّف به عرقك، فتشعر بالراحة التي لا يمكن أن تجدها إلا في الرب يسوع وحده. ألم يقل بفمه الطاهر: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم"؟ وما هذه الراحة التي يهبنا إياها الرب يسوع المسيح إلا عربونًا للراحة الأبدية التي تنتظرنا. فالكتاب يقول: "اذًا بقيت راحة لشعب الله"، وسنتمتع بهذه الراحة عندما نخلع خيمة الجسد الترابية التي نسكن فيها على الأرض. يقول الوحي المقدس أيضًا في سفر الرؤيا: "اكتب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح: لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم".
لقد تألم المسيح ليهبنا الراحة، ومات ليهبنا الحياة، وقام لكي يقيمنا معه؛ وسيأتي ليأخذنا إليه، فحيثما يكون هو سنكون نحن أيضًا معه، فهل نحن مستعدون ليوم مجيئه؟

المجموعة: نيسان April 2013