أيار - حزيران May - June 2013

المهندس الأخ فاضل حناربما لم يخطر على بال أحدنا أن يتحذّر من الحياة عندما تبتسم، أو يُعدّ العدة لمواجهة النجاح – فنحن نتحذر من الحياة عندما تعبس وتُكشّر عن أنيابها، ونعمل لها ألف حساب حين تجتاحنا بتجاربها وضيقاتها.
وقد انشغل رجال الدين وعلماء النفس بالمتألمين الذين يواجهون الفشل واليأس... يقدمون لهم ما يعينهم على آلامهم وتجاربهم. وهذه خدمة لا يمكن أن ننكر فضلها أو نقلل من شأنها.
أما الناجحون الذين تبتسم الحياة في وجوههم فقد تركهم الجميع ينعمون بما أحرزوا ويتمتعون بما وصلوا إليه. وإن اتجهوا إليهم فإنما يتجهون مغبطين مهنئين، وإذ يشعر هؤلاء الناجحون بالطمأنينة، لا يظنون أنهم في حاجة إلى أية معونة. ماذا يعوزهم وقد بلغوا مقاصدهم وحققوا آمالهم؟!
ولكني أؤكد لكم أن من تبتسم لهم الحياة يحتاجون إلى العون لمواجهة النجاح بقدرٍ لا يقل عن حاجة الذين تعبس لهم الحياة حين يواجهون الفشل والضيق!
إن أخطر ما يهدد الإنسان هو البعد عن الله أو الاستقلال عنه. تأمله وقد ابتسمت له الحياة ابتسامة عريضة فأخصبت كورته حتى أنه لم يجد موضعًا يجمع فيه أثماره، ثم استعرض أفكاره ومشروعاته... يبني مخازن أعظم، ويجمع، ويأكل، ويشرب، ويفرح، ويستريح. أين مكانة الله في أفكاره؟
إنه لم يعد في حاجة إليه بعد، وفوق هذا كله، أصبح منشغلا بمشروعاته الناجحذة، لا يترك لنفسه فرصة أو وقتًا لمجرد التفكير في الله (لوقا 16:12-21).
ألم تعترك دهشة بالغة وأنت تقرأ عن المسيح الذي يتدفق قلبه حنانًا ومحبة نحو البشر... كيف صمت أمام امرأة ملهوفة على ابنتها المجنونة فلم يجبها بكلمة؟ وعندما أجابها - بناء على طلب تلاميذه الذين ضجروا من صياحها – كان حديثه معها يبدو جافًا بصورة لم نألفها في أحاديث المسيح.
ولعل هذا الحادث أعجب ما سجل الإنجيل عن المسيح. وهل كان هناك أي شك في أن المرأة ستترك المسيح توًا – وربما دون أن تشكره – لو كانت ابنتها قد شُفيت عند أول صرخة رفعتها؟
ولكنه أراد أن يوجه نظرها إلى العاطي، حتى لا تشغلها العطية عنه، تراه يستبقيها في حضرته أطول مدة ممكنة، ولو أدّى الأمر إلى هذه المعادلة المستغربة (متى 5:16-12).
وماذا عن الذين نجحوا فتجاوز بهم الأمر مجرد البعد عن الله، والاستقلال عنه أو مجرد عدم تقديم الشكر إليه، إلى الكبرياء والتعالي في محضره؟!
هوذا هيرودس الملك الذي ظن أنه أصبح إلهًا فلم يُعطِ المجد لله حين صرخ الشعب أمامه: "هذا صوت إله لا صوت إنسان"، فصار يأكله الدود ومات (أعمال 20:12-23). ومن قبله نبوخذنصر الملك الذي تكبّر، وتجبَّر، وزادت عظمته حتى بلغت السماء، وسلطانه إلى أقصى الأرض، فجعل يتأمل عظمة مُلكه قائلاً: "أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت المُلك بقوة اقتداري، ولجلال مجدي؟". وعندئذ أصبح كالحيوان يأكل العشب كالثيران، إلى أن أدرك أن العلي متسلط في مملكة الناس، فباركه وسبحه (دانيآل 30:4-37).
والأمر لا يتعلق بالله فحسب ولكنه يتعلق بالناس أيضًا. تأمل غنيًا آخر ابتسمت له الحياة، فكان يتنعم كل يوم مترفهًا... لماذا يتجاهل أخًا له في البشرية، لعازر المسكين الذي طُرح عند بابه مضروبًا بالقروح؟! كان في غناه وتنعمه لا يستطيع أن يشعر بالفقير المحروم المعذب (لوقا 19:16-31)! ولكن فوق هذا كله، هل يمكن أن يتمتع إنسان بما وهبته الحياة وهو متباعد عن الله؟ قطعًا لا. فقلق المستقبل، وشبح الماضي، والحسد الذي غالبًا ما يتسرب إليه لا يترك له فرصة للتمتع ولو بلغ أقصى درجات النجاح وربح العالم كله. لعل الرسول بولس كانت له تأملات مشابهة حين كتب بالروح القدس: "تدربت أن أشبع وأن أجوع" (فيلبي 12:4).
هل أدركنا – يا ترى – أننا نحتاج إلى التدريب على الشبع، تمامًا كما نحتاج إلى التدريب على الجوع؟ لذلك فالحكيم هو من يقابل ابتسام الحياة بالحذر، ومن يواجه الشبع والنجاح بالتفكير والتدبّر، وعندما يصل إلى القمة يذكر قول الكتاب المقدس: "من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1كورنثوس 12:10)، فمن يسقط من عليائه يكون سقوطه عظيمًا.

المجموعة: أيار - حزيران May - June 2013