تموز July 2013

"وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح"
(غلاطية 14:6).
يسألون عن معنى الصليب بالنسبة لي، هل هو رمز روحي أحترمه وأقدّره وأتعصب له إذا لزم الأمر؟ أم إنه قصة مثيرة للشجون يحلو لي أن أرددها كي أشعل المشاعر وأذرف الدموع؟ أم تراه موضوعًا للتأملات التقوية لا ينضب معينه؟ والحقيقة أن الصليب أكثر من هذا بكثير، إنه يتغلغل في أعماق الروح والنفس حتى يصبح نمط سلوك وطبيعة حياة.
لقد كان الصليب هو إجابة الله لكل سؤال في حياتي.
فعندما سألت يومًا عن الحب، وهل هو موجود في دنيانا، وكنت وقتها غضًا أخشى مواجهة صعوبات الحياة بدون حب يحتويني ويحميني، أخذني الله إلى الصليب، وهناك رأيت الحب الذي فاق حدود العقل والقدرة البشرية. وبينما يتوقف حب الأب، والأم، والأخ، والصديق في منتصف الطريق، يستمر هذا الحب العجيب إلى المنتهى، إلى موت الصليب، كي يعطيني حياة أبدية! لم يفشل أو ييأس أو يخر تحت ضغط الشر، ومقاومة الأعداء، وغدر الأصدقاء، وخيانة الأقرباء! ما هذا الحب؟ إنه بلا شك يكفيني ويزيد. وإذا كان هذا الإله يسير معي، فأنا لن أخاف من ضغط الشر، ومقاومة الأعداء، وغدر الأصدقاء، وخيانة الأقرباء، لأن الحب الذي انتصر عليهم جميعًا يسير معي ويحميني. نعم، لقد اطمأنت نفسي بالحب الذي في الصليب.
وهنا ثار بداخلي سؤال عن الخطية الساكنة فيّ، أنا أخجل – أمام هذا الحب – أن أستمر في الخطأ. لكن هل هناك سبيل للشفاء من داء الخطية الوبيل؟ ومرة أخرى قادني الروح إلى الصليب، وهناك رأيت الدم والماء الخارجين من جنب المصلوب، وعلمت أنهما للتكفير والتطهير من درن الخطية. وهناك ركعت عند أسفل الصليب كي أغتسل بهذا الينبوع الخارج من جنب الحبيب، وعندما نهضت كنت إنسانًا جديدًا لا يعاني بعد من ضمير خطايا. نعم، لقد تبررت نفسي بالدم الذي في الصليب.
وذات يوم واجهت سؤالاً عن قداسة الله: هل الخطية التي تملأ العالم تقول أن الله لا يبالي بالشر؟ إن الخطية في حياة رواد الكنائس بل حتى الخدام تثير بداخلي حيرة، هل محبة الله ونعمته تعني أنه يتساهل مع الشر؟ هل نبقى في الخطية كي تكثر النعمة؟ وهنا أخذني الله مرة أخرى إلى الصليب، وهناك رأيت الدموع والعرق والدماء تنزف بغزارة من جسد المصلوب، ثم رأيت الظلمة الكثيفة وهي تلفه حتى صرخ صرخة مزقت نياط قلبه، ثم نكس رأسه الكليل، وأسلم الروح. وعلمت وقتها أنه كان تحت وطأة قداسة الله! تعلمت كيف أبغض الخطية! وهناك أيضًا تعلمت كيف أموت عن العالم. نعم، لقد تقدست نفسي بالقداسة التي ظهرت في الصليب.
وبعد أن أبغضت الخطية أصبحت لا أطيقها في حياة النفوس المحيطة بي، وحاولت أن أقاومها لكنها كانت ذات سطوة على الناس، فثار في داخلي سؤال عن: كيف تتحرر النفوس؟ وعلمت عندئذ أن سلطانًا قاسيًا يسيطر على هذه النفوس ويحفظها داخل سجون مظلمة كي لا ترى النور، إنه إبليس رئيس هذا العالم. ومرة أخرى سألت عن: كيف يمكننا أن نهزم هذا السيد القاسي ونحرر هؤلاء الأسرى؟ وعندئذ قادني الروح إلى الصليب وفتح عيني فرأيت إبليس مهشم الرأس تحت الرب المسحوق. لقد انهزم إبليس في الصليب. وعلمت وقتها أنه إذا سكن الصليب داخلي فسيظل إبليس مهزومًا في حياتي. إذا تشبعت نفسي بالمحبة، والتبرير، والتقديس الذي في الصليب، فسيبقى إبليس مهزومًا في حياتي، وحياة من أتعامل معهم، وأستطيع عندئذ أن أحرر الأسرى من قبضته. وعندئذ فتحت قلبي أكثر لكل نصرة الله التي ظهرت في الصليب لكي أمتلئ بها حتى أخرج غالبًا ولكي أغلب. نعم، لقد انتصرت حياتي بالنصرة التي في الصليب.
وماذا أقول أيضًا، لأنه يعوزني الوقت لو تكلمت عن إنكار الذات، والاتضاع، والخضوع لمشيئة الله، والطاعة غير المشروطة، والغفران للأعداء، ومعاني أخرى كثيرة تعلمتها من الصليب. لقد أصبح الصليب موضوع حياتي ومحور اهتمامي وملخص معتقداتي، وهو دليل غربتي ونبراس ظلمتي وغاية رحلتي، بل كما قال بولس: إن الصليب فخري!

المجموعة: تموز July 2013