آب Agust 2013

جون وود الحياة النامية

كان "جون وود" أحد رجال الله الذين اشتهروا بكتاباتهم الروحية. وقد ذكر في أحد كتبه أنه سلّم حياته للرب في سن مبكر جدًا. ولكنه في سنيه الأولى في سيره مع الرب كان عرضة لشكوك كثيرة تملأ أفكاره فتزعجه وتجعله يظن أن تجديده ليس حقيقيًا، لأنه لا يشعر كبعض الأشخاص الذين يظهر فيهم تأثير التجديد عاطفيًا. وبعد تجارب كثيرة قاسية استطاع بمعونة الرب أن يتغلب على تلك الشكوك ويتمتع بنصرة كاملة لم يشكّ بعدها لحظة واحدة في حقيقة تجديده.


أثناء استعداده لخدمة الرب وجد أن أعظم معطل لنموه الروحي في الحياة كان طبيعته البشرية. وقد كتب يصف حالته آنذاك: طول هذه المدة كنت مبكتًا بسبب فساد قلبي. كنت أرغب في أن أكون مسيحيًا حقيقيًا وعضوًا نافعًا في كنيسة الله، ولكن كثيرًا ما كنت أشعر بميول داخلية بعيدة عن الطهارة والقداسة؛ وكانت هذه الميول التي تحاربني داخليًا أشد خطرًا من مهاجمة الأعداء الخارجية. وهذه الأعداء كانت تعمل لتسيطر عليّ سيطرة كاملة، فانتزعت سلامي، وحجبت الأمور الروحية عن بصيرتي، وأوقعتني في تجارب مؤلمة، وقطعت شركتي مع الله مرارًا... عطلت جهودي لعمل الصلاح، ووقفت بجانب الشيطان ضدي، واحتلت قسم الروح القدس في قلبي فحزن. بالاختصار، كانت هذه الميول الجسدية أكبر عائق لنموّي في النعمة، ونتيجة لذلك فترت خدمتي الروحية وظهر لي أن حاجتي للطهارة الداخلية كانت أشد من حاجتي السابقة للحصول على العفو والمسامحة. لقد أظهر لي الله أهمية حياة القداسة بوضوح، وكلما درست كلمة الله أرى نفسي متأخرًا عن مقياس القداسة.
مع أن "جون وود" كان مقتنعًا بحاجته للتكريس التام والامتلاء بالروح القدس، إلا أنه لم يكن يعرف المعنى الحقيقي لذلك، فكان يتضايق عندما يتأمل كلمات القداسة والكمال في الكتاب المقدس، وكان يتحامل على الأشخاص الذين يتكلمون عن اختبارهم لهذه الصفات ويقاوم كل ادعاء بأن القداسة هي غير التجديد. بعد مدة باشر بالخدمة الروحية في إحدى الكنائس فأظهر مقدرة عجيبة في الوعظ ودراية حكيمة في الرعاية، لكنه مع كل هذا كان يشعر بحاجة ملحّة للطهارة والقوة في حياته، خصوصًا عندما كان يحتكّ بأشخاص عندهم القوة والغنى الروحي العميق. وقد قال مرة عن نفسه أنه كان يعظ أشخاصًا يفوقون راعيهم في التقوى والحياة الروحية.

 

أولاً: اختبار التقديس


أما ما حصل له فيما بعد فنفهمه من شهادته التالية: قضيت صيف 1858 في طلب القداسة ولكنني لم أخبر أحدًا عن ذلك، وفي تلك المدة لم يكلمني أحد من الذين اختبروا حياة التقديس عن هذا الموضوع؛ ولكنني عرفت فيما بعد أنهم كانوا يصلون لأجلي نهارًا وليلاً. الله فقط يعلم كم تألمت وجاهدت في ذلك الصيف الطويل، وكم قضيت ساعات منطرحًا على الأرض طالبًا ومترجيًّا الرب يسوع ليطهّر قلبي، ومع كل هذا لم أخبر أحدًا ولم أطلب مساعدة من أحد. في اليوم الأول من شهر أيلول (سبتمبر)، عُقد مؤتمر في أحد المخيمات وكنت مشتركًا فيه مع عدد من أعضاء كنيستي، وأذكر أنه في اليوم الأخير من المؤتمر وقبل موعد الاجتماع بدقائق، جاء أحد أعضاء كنيستي وقال لي والدموع تنهمر من عينيه: "يا أخ وود، لم يبق أية فائدة من إخفاء هذا الأمر وأنت تعرف واجبك، يجب أن تفتتح الطريق بإعلان حاجتك للتقديس الكامل وسترى الكثيرين من أعضاء كنيستنا يتقدمون بنفس الطلب". لقد سحق الرب قلبي فأصبحت مستعدًا للتضحية بكل شيء في سبيل الحصول على القداسة. وبعد التفكير للحظات قليلة قلت سأدعو إلى اجتماع بعد انتهاء الوعظ للبحث في هذا الموضوع وسأطلب من أعضاء الكنيسة الصلاة لأجلي. لكن، مجدًا لله! في تلك اللحظة بالذات شعرت براحة عجيبة وفرح عظيم فلم أنتظر نهاية الوعظ بل قبلما ابتدأ الواعظ بالكلام، تقدمت إلى الأمام وأعلنت عن حاجتي أمام الجميع... عندها حصلت المعجزة! من المستحيل وصف ما حدث لي في تلك الساعة، ولا يمكن أن يفهم ذلك الشعور سوى الذين اختبروه، وأما الذين لم يختبروه فلا يمكن أن يفهموه مهما حاولت أن أصفه بالكلام. كان الفرح الذي حلّ فيّ عظيمًا وشعرت أنني أدخل من أبواب المدينة السماوية لألقي نفسي في أحضان الرب يسوع، وأشرب حتى أرتوي من نهر ماء الحياة.

ثانيًا: اختبارات متتابعة


لم يكن هذا الاختبار هو الأخير في حياته بل تبعه عدة اختبارات مجيدة جدًا وهو يقول عن ذلك: منذ تلك الساعة صارت شركتي مع الله عميقة ومتينة. أصبحت أشعر بالحضور الإلهي في كل أدوار حياتي، خصوصًا عندما كنت أتكلم عن موضوع القداسة. لقد طهّر الله نفسي وملأها بالمحبة النقية التي بقيت معي حتى الآن، وأنا أؤمن أنها ستبقى إلى الأبد. يا لعظم هذه البركة! أحيا وأنا عالم أن الله لي وأشعر أنه ساكن في قلبي، ومالك إرادتي وعواطفي وجميع رغباتي، وأن محبته لي هي أعظم من محبتي له بما لا يقاس.
ثم يتابع وصفه للتأثير الدائم في حياته بعد اختبار التقديس ويذكر بعض النتائج الثمينة ومنها:
1- اقتراب مقدس إلى الله: فالمسافة التي كانت بين الله وبيني قد اضمحلت، والحضور الإلهي بمجده كان واضحًا كشعاع من نور يحيط بي ويكتنفني ويدخل إلى أعماق نفسي.
2- الشعور بحلاوة المسيح الفائقة الوصف: فهو "نرجس شارون وسوسن الوادي وكله مشتهيات"، وقد ظهرت لي هذه الصفات وغيرها فجذبت قلبي نحوه وزادت محبتي له.
3- شعور عميق بفهم الأمور الروحية: فالحقائق الكتابية صارت أكيدة بالنسبة لي، وتعاليم الإنجيل أصبحت لنفسي حقائق واقعية وثابتة إلى الأبد.
4- غنى وكمال مدهش في معاني الآيات الكتابية، لم أكن أعرفه سابقًا: فكثير من الأمور المذكورة في الكتاب المقدس والتي لم أكن أفهمها صارت مفهومة وثمينة في نظري.
5- نصرة كاملة على التجارب: حينما يأتيني المجرب يجدني مسلّحًا وقويًا فيتراجع ولا يحظى بأي تجاوب يشجعه على الاستمرار.
6- زيادة عظيمة في القوة الروحية: لقد لمست ذلك في عبادتي وفي واجباتي كراعٍ، خصوصًا في كرازتي بالحقائق المباركة؛ تعلمت بالاختبار أن الله يسكب الروح على الإنسان بقدر ما يستطيع أن يأخذ وبقدر ما يستطيع أن يتحمّل. إن الزيادة في هذه القوة خلصتني من مشاكل عديدة، من خوف الإنسان ومن الشر، ومنحتني أيضًا زيادة في محبتي للمخلص ولإنجيله المبارك وجعلت كل خدماتي مفرحة.
7- شهادة واضحة جلية عن الطهارة بواسطة دم يسوع المسيح الكريم.
8- ميل ورغبة للشهادة عن المسيح وخلاصه العظيم. يا ليت لي ألف لسان لأذيع هذه الأخبار السارة للنفوس الهالكة! في هذا الحديث عن اختباري الروحي جربت أن أذكر الحقائق بكل بساطة، غير مهتم بما سيقوله عني أي إنسان لأن إنكاري هذه الحقائق هو إنكاري وجود الله؛ وأقول كما قال بطرس ويوحنا: "لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا".
لقد سُئل عن هذا الموضوع عدة أسئلة من معاصريه، وبما أن هذه الأسئلة تخطر على أفكار الكثيرين في هذه الأيام فسنذكر بعضها، وأجوبته عليها:
- سُئل عن المحبة الكاملة فقال: إنها المحبة الطاهرة التي تملأ القلب. إن كمالنا هو في المسيح يسوع ونستطيع الحصول على هذه النعمة باتحادنا معه وثباتنا فيه كاتحاد الغصن وثباته في الكرمة.
- هل الكمال المسيحي يوقف النمو في النعمة؟ فأجاب: كلا! إن أنقياء القلب ينمون بسرعة تفوق سرعة غيرهم. لا يوجد توقف في الحياة الروحية، فإما تقدّم ونجاح أو تقهقر وفشل. إن إمكانياتنا وقوتنا قابلة للامتداد والنمو، وهكذا يجب أن ننمو في القداسة دائمًا.
- وكيف يمكن أن تكون القداسة كاملة وأن تتزايد في نفس الوقت؟ فأجاب: الكمال في النوع لا يوقف الزيادة في الكمية.
- وسُئل أيضًا: ما هو أعظم سر في حياة القداسة؟ فأجاب: إنه الحصول على الروح القدس والاستنارة بواسطته والتمسك بحضوره الدائم.
حقًا، إن سر القوة في حياة رجل الله هذا، كان اعتماده على قوة الروح القدس وليس على قوته وقدرته الجسدية. كل ما كان يزعجه من تجارب مؤلمة تحوّل إلى اتكال كامل على الله. الضعف تحوّل إلى قوة، والنوح تحوّل إلى فرح، والسقوط إلى نصرة. كل هذا حصل لأنه تعلم كيف يفسح مجالاً للروح القدس كي يرشده ويقوده كل حين.
*  *  *  *  *
لا يوجد شك بأن كل مؤمن مخلص يرغب في الحصول على اختبار كهذا لكي تكون خدمته مثمرة، فلماذا لا تطلب الامتلاء بالروح؟ إن الله "يعطي الروح القدس للذين يسألونه"، فهل أنت مستعد لقبول هذه العطية؟ إسأل أن يريك الأسباب التي تعيق نموك الروحي واطلب منه المعونة للتخلص منها والتغلب عليها. إذا توقف النمو الجسدي في أحد أولادنا فإننا نسرع إلى الأطباء ونستعمل جميع الوسائط ونبذل كل ما لدينا من قوة ومال في سبيل إعادة النمو الطبيعي إلى جسده. فهل نرضى بأن يكون اهتمامنا بالنمو الروحي أقل من ذلك؟ إن الروح القدس يجب أن يكون المتسلط على إرادتك وأفكارك وأعمالك وكل أمور حياتك. فسلّم كل شيء له وأعطه مركزه الكامل فيملأك بالقوة لتمجّد الرب وتخدمه.
عن مجلة الغريب

المجموعة: آب August 2013