آب Agust 2013

القس رسمي إسحقضاق مكان إقامة بني الأنبياء، فاجتمعوا وتدارسوا الأمر وهو أن يقيموا مكانًا جديدًا لا يتسع لهم فقط بل لأضعاف أضعافهم. ولأنه كانت لهم رؤيا مستقبلية جيدة، اختاروا مكانًا فسيحًا جدًا، وقريبًا من مكان فيه أشجار كثيرة. فاختاروا الأردن لأنه المكان الذي تتوافر فيه كل ما يحتاجون إليه من مواد بناء، وعرضوا الأمر برمته على أليشع، وطلبوا منه أن يقبل ويذهب معهم، فوافق وذهبوا جميعًا وابتدأ العمل. ومضى بعض الوقت بلا مشاكل، وفجأة صدرت صرخة من أحدهم قائلاً:  "آه يا سيدي! لأنه عارية".
فتوقف العمل، واتجهت الأنظار لاكتشاف الأمر، فعرفوا أن واحدًا منهم فقد فأسًا كان قد استعاره من أحد أصدقائه. فسأله أليشع: "أين سقط؟ فأراه الموضع. فقطع أليشع عودًا من الخشب وألقاه في الموضع فطفا الحديد. وقال أليشع: ارفعه لنفسك. فمد يده وأخذه. ولما حدث هذا انفتحت أفواه بني الأنبياء، واتسعت حدقات عيونهم، لأنهم رأوا شيئًا غير عادي. فالحديد الثقيل لا يمكن أن يطفو، ولا يجذبه إلا الحديد. ولكن، أن يجذب الخشب حديدًا فهذا أمر غريب جدًا! ويخيل إليّ أنهم صرخوا جميعًا وقالوا: معجزة، معجزة! شكرًا للرب.
ولي في هذا الموضوع الهام ثلاث كلمات:
أولاً: الاحتياج الشديد، ثانيًا: سقوط الحديد، ثالثًا: العمل المجيد

أولاً: الاحتياج الشديد

قال بنو الأنبياء لأليشع: هوذا الموضع الذي نحن مقيمون فيه أمامك ضيق علينا.
لقد ازداد العدد زيادة كبيرة، فما الذي أدّى إلى هذه الزيادة؟ أرى أربعة أشياء جعلته يزداد:
1- تنقية عملية
نقرأ في نهاية 2ملوك 5 شيئًا مؤسفًا قد حدث مع جيحزي. عندما شُفي نعمان السرياني من برصه عرض على أليشع هدية كمكافأة له، ولكن أليشع الرجل العظيم رفض، وأبى بشدة أن يأخذ شيئًا. أما جيحزي فقال في نفسه: حي هو الرب، إني أجري وراءه وآخذ منه شيئًا. فلما رآه نعمان نزل عن مركبته وقال له: أسلام؟ فقال: سلام. سيدي أرسلني لأن غلامين من بني الأنبياء جاءا إليه، فأعطهما وزنة فضة وحلتي ثياب. فقال له: اقبل وخذ وزنتين وحلتي ثياب. فأخذها وذهب إلى بيته، وخبأها، ورجع، ووقف أمام سيده. ولما سأله أليشع: من أين يا جيحزي؟ فقال له: لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك. فقال له أليشع: ألم يذهب قلبي معك حين رجع الرجل من مركبته للقائك؟ أهو وقت لأخذ الفضة ولأخذ الثياب وزيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوارٍ؟ فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد". وهكذا تم عزل جيحزي وإبعاده، وهذا أدّى إلى النجاح وزيادة العدد.

2- الطاعة القلبية
من المؤكد أن بني الأنبياء كانوا خاضعين ومطيعين لأليشع نبي الله الذي كان دائمًا يتلقّى أوامره من الرب. فبإطاعة أليشع كانوا في نفس الوقت يطيعون الرب. ولكي تنمو حياتنا وتنمو كنيسة الرب ينبغي أن نحيا حياة الطاعة لله. يوجهنا الوحي المقدس بفم إشعياء النبي منذرًا ومحذّرًا: "إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيتم وتمرّدتم تؤكلون بالسيف، لأن فم الرب تكلم".
ويوصينا بلسان الرسول بطرس قائلاً: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس". إن إطاعة الله يجب أن تشمل الحياة بجملتها من جهة السلوك، والتصرفات، والأعمال، والأقوال، والأفكار، بالإجماع في حفظ جميع وصايا الرب حفظًا ليس عقليا فقط، ولكن عمليًا. وأريد أن أركز على أن طاعة الرب ينبغي أن تكون من كل القلب، وأن تكون كاملة وليست جزئية، وأن تكون سريعة وبلا تردد، كما أطاع إبراهيم الرب فحقق نجاحًا عظيمًا، ليس ماديًا فقط، ولكن روحيًا أيضًا.
إن إطاعة الرب كانت عاملاً قويًا في زيادة عدد بني الأنبياء حتى ضاق عليهم المكان.
3- أعظم معية
أقاموا مع أليشع نبي الرب، ويظهر هذا من قولهم: هوذا الموضع الذي نحن مقيمون فيه أمامك ضيق علينا. ولو ربطنا هذا الأمر بما كان يقوله أليشع: "حي هو الرب الذي أنا وقفت أمامه سنرى أن بني الأنبياء كانوا يقيمون لا أمام أليشع فقط بل أمام الرب أيضًا.
إن وجودنا أمام الرب هو سر التقدم والنمو في الحياة الروحية. إن الانتصار الذي حققه يوسف على الخطية كان بفضل وجوده أمام الرب، وهذا واضح من قوله: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟". ولو سألناه: أين هو الله؟ لأجابنا: إنه أمامي! إن ما يطمئن قلوبنا هو أن الله معنا دائمًا لأنه قال: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"، وهذا هو سر كل تقدم ونجاح.
4- شعور بالمسؤولية
لا شك أن بني الأنبياء شعروا بمسؤوليتهم تجاه عمل الرب، وقاموا بواجبهم على الوجه الأكمل، وعملوا بنشاط  كبير، وتحدّثوا مع كثيرين عن شريعة الله وخدمته، فازداد العدد زيادة كبيرة حتى ضاق عليهم المكان. وحيث يوجد النشاط والجهاد في خدمة الرب سيتحقق نجاح العمل الروحي ويتقدم.
لقد شعر بولس بالمسؤولية فقال: "الضرورة موضوعة عليّ فويل لي إن كنت لا أبشّر".
لماذا عدد أعضاء الكنائس لا يزداد، وبالعكس يتناقص؟ أنا أرى أسبابًا كثيرة، أهمها: قلة نشاط الرعاة والأعضاء، هذا إن لم يكن معدومًا.
قال الرب للرجل الذي أخرج منه اللجئون: "اذهب إلى أهلك وإلى بيتك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك". فابتدأ يخبر لا بيته وأهله فقط ولكن امتدت رسالته إلى العشر المدن.

ثانيًا: سقوط الحديد

بدأ العمل بكل همة ونشاط، ولكن حدث أن صرخ أحدهم صرخة مدوية قائلاً: آه، يا سيدي لأنه عارية. فالتفت بنو الأنبياء إلى المكان الذي صدرت منه الصرخة وعرفوا أن فأسًا قد استعارها أحدهم سقطت منه في النهر.
أتخيل أن الشخص الذي سقطت الفأس من يده بدأ يتذكر الشروط والتوصيات التي وضعها صاحب الفأس عندما ذهب ليستعيرها منه: "انتبه من فقدانها، ومن أن تتبدّل بأخرى". فالآن، ماذا أقول لصاحبها؟ كيف لي أن أشتري غيرها وأنا لا أملك ثمنها؟ وحتى لو كنت أملك ثمنها، فكيف لي أن أشتري أخرى مثلها تمامًا؟ ولم يقطع استرساله في هذه الأفكار سوى سؤال أليشع: أين سقط؟ فأراه الموضع. وأريد أن أبحث معكم "لماذا سقط الحديد؟"

1- العمل  بدون جدية
تخيلت أن كل واحد ركز على عدة أمور أهمها: أن تكون الفأس مثبتة في يدها الخشبية جيدًا، وحادة لتقطع الخشب بسرعة، ويعرف كيف يستخدمها. لكن صاحبنا هذا لم يفعل شيئًا من هذه، بل بدأ يعمل باستهتار وخمول. ربما كان أقرب للنوم من اليقظة، وبدأ يعمل ولا ندري كم مرة رفع الفأس ليهوي بها على الخشب. هل من أول مرة؟ أم بعد عدة مرات؟ المهم أنه فجأة وجد يده ممسكة باليد الخشبية بدون الرأس الحديدية. عندما نعمل بخمول وبلا جدية لا بد أن نسقط في بحر العالم.

2- طبيعة الحديد الذاتية
الحديد ثقيل. ولكي لا يسقط الحديد لا بد أن تكون هناك قوة أعظم منه تمسك به. إن طبيعة الإنسان الفاسدة تسهل سقوطه في بحر العالم. تقول كلمة الرب عن الإنسان: "بالإثم صُوِّرت وبالخطية حبلت بي أمي". "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه". ويقول الرسول بولس: "الخطية الساكنة فيّ". هذه الطبيعة الفاسدة جعلت داود يستمر ناظرًا إلى امرأة أوريا حتى سقط سقطته الشنيعة.
هنالك عدة أسماء للطبيعة الفاسدة: الإنسان العتيق، الجسد، أصل المرارة. ولولا أن يد الرب هي التي تمسكنا لسقطنا في بحر العالم.

3- الجاذبية الأرضية
إن الجاذبية الأرضية هي التي عجلت بسقوط الفأس الحديدية في النهر. ولو حاولنا تطبيق ذلك روحيًا سنجد أن جاذبية العالم، والجسد، والخطية مجتمعة معًا تشدّ البشر نحوها فتعجل بسقوطهم في بحر العالم.
عندما سقطت الفأس في النهر تعطل العمل.

ثالثًا: العمل المجيد

صرخة مدوية وصلت إلى أذنَي أليشع، فماذا حدث بعد هذه الصرخة؟

1- سؤال نافع
أين سقط؟ سؤال غاية في الأهمية لا بد لهذا الشخص أن يجيب عنه إجابة سريعة وواضحة وصادقة. وفعلاً حدث هذا، وأراه الموضع الذي سقط فيه الحديد، وكان هذا بمثابة اعتراف منه بسقوط حديده. لكي تُرفع نفوسنا من مكان سقوطها لا بد أن نعترف أولاً بسقوطنا. والكتاب يعلمنا أن نتذكر موضع سقوطنا كما نتعلم من رسالة الرب إلى ملاك كنيسة أفسس عندما قال له: "اذكر من أين سقطت وتب". يقول الوحي المقدس بلسان يوحنا الحبيب: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم". ويقول أيضًا في العهد القديم: "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقرّ بها ويتركها يُرحم".

2- عمل رائع
بعد أن عرف أليشع مكان سقوط الحديد قطع عودًا من شجرة ما، وألقاه في الموضع الذي سقط فيه الحديد، وإذا بالحديد الثقيل يطفو على الماء! كيف أن عود الخشب يجعل الحديد يطفو؟ حقًا، إنها معجزة بكل المقاييس.
العود الخشبي يرمز إلى الرب يسوع وإلى الصليب. قال الرب يسوع: إن كانوا قد فعلوا ذلك بالعود الرطب، فماذا يكون باليابس؟ ويقصد بالعود الرطب نفسه، وباليابس أتباعه. والعود أيضًا يرمز إلى الصليب. ومن الرمزين نؤكد أن كل ساقط في بحر الخطية لا يمكن أن يرفعه إلا من صُلب على الصليب. ويؤكد هذه الحقيقة الرسول بولس في رسالة غلاطية بالقول: "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة. أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله للخلاص".

يحق لكل من كان ساقطًا في بحر الخطية، ونجاه الرب، أن يقول: "أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم".

المجموعة: آب August 2013