تشرين الأول October 2013

أمامنا قصة أول مولود في التاريخ البشري، بل وأول متديِّن حاول الاقتراب إلى الله بطريقته الخاصة، وليس بالطريقة التي حدَّدها الله.  وهو أيضًا أول قاتل تائه وهارب في الأرض.
إنه قايين، الابن الأول لآدم وحواء، الذي أسمته أمه بهذا الاسم قائلةً: "اقتنيت رجلاً".
إني أدعو كل قارئ أن يقف لحظات أمام قصة هذا الرجل المتدين والقاتل! هذا الذي عاش تائهًا ومات هالكًا؛ حتى لا تسير في طريقه لأنه مكتوب: "ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين".

أولاً: كان قايين من الشرير

إذا أردت تلخيصًا لحياة قايين وسر قتله لأخيه، وسبب رفضه لصوت الله، ستجد الإجابة: "أنه كان من الشرير"، أي مِن إبليس. وقال الرب يسوع مرة لليهود الرافضين شخصه: "أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يوحنا 8: 44). ولقد ظهرت صفات إبليس الشرير في قايين بصورة واضحة من رفض لصوت الله المحب، وحسد وكراهية لأخيه هابيل، ثم قتله بوحشية وهو الذي لم يرتكب ذنبًا في حقه.
وفي المقابل، ما أروع ما يصف به الكتاب كل من يسكن فيه شخص المسيح "أيها الأحباء... نحن من الله" (1يوحنا 6:4)؛ فهل أنت من الله أم من الشرير؟

ثانيًا :كانت أعماله شريرة

يظن البعض أن قتله لأخيه هي الأعمال الشريرة، لكن الحقيقة عكس ذلك؛ فأولاً كانت أعماله شريرة، ثم قتل أخاه ثانيًا.  أي أن قلبه كان ممتلَكًا من الشرير، وأعماله شريرة، ثم برهن على ذلك بقتل أخيه. وما هي الأعمال الشريرة؟ ببساطة نقول: كل ما يفعله الإنسان بدون الله، حتى العبادة والصلاة دون سكنى المسيح في القلب وتطهيره بالدم، هي في نظر الله "مكرهة" له، بل يسميها كاتب العبرانيين "أعمال ميتة".
ونلاحظ أن من يسلك في الأعمال الشريرة لا يطيق البار الذي يعيش حياة البر والنقاوة. قال المسيح عن العالم: "يبغضني أنا لأني أشهد عليه أن أعماله شريرة" (يوحنا 7:7). وهذا ما فعله قايين إذ قتل أخاه؛ لأن أعمال أخيه بارة وأعماله كانت شريرة.
إن دم المسيح يطهر القلب من الأعمال الشريرة فنصير "مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها" (أفسس 2: 10).

ثالثًا: طريق قايين

ما هو الطريق الذي سلكه قايين وقاده للهلاك الأبدي؟
أراد قايين الاقتراب إلى الله والتكفير عن خطاياه بطريقته الخاصة بتقديمه من زرع الأرض، وليس بالطريقة التي يريدها الله أي الذبيحة.  ونلاحظ عدة أمور في طريق قايين:
العصيان وليس الإيمان: فأخوه هابيل قدَّم بالإيمان ذبيحة لله، لكنه هو لم يصدِّق فكر الله، أي الفداء بموت الذبيحة، وتمرّد عليه "والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنا 3: 36).
رفض الحل الإلهي: إن خلاص الله مقدَّم في الذبيحة، ففي الذبيحة نرى بديلاً جعله الله يموت بدل الأثيم، وهي صورة للمسيح المجروح لأجل معاصينا، "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفارة بالإيمان بدمه" (رومية 3: 24).
رفض النداء الإلهي: ما أطيب قلب الرب الذي ينصح قايين المغتاظ لأن الله لم يقبل تقدمته الباطلة، فيقول له الرب: "لماذا اغتظت؟ إن أحسنت أفلا رفع؟"، أي أن الله ينصحه أن يحسن اختيار الذبيحة، فيقبله الله ويرفع آثامه في الحال. لكن، للأسف، ضرب بكلام الله عرض الحائط وخرج لينفذ جريمته الشنعاء.
عزيزي، يقول الرسول يهوذا: "ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين". أصلي أن تسلك طريق الإيمان بعمل ذبيحة المسيح، غير متكل على أعمالك؛ فتنال البر الإلهي ولا تهلك.

رابعًا: القضاء الإلهي

ما أرعب نتائج الخطية التي لا بد أن يحصدها كل من يفعلها إن آجلاً أم عاجلاً:
اللعنة "ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك".
عدم البركة "متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها".
الرعب وعدم السلام "تائهًا وهاربًا تكون في الأرض".
الانفصال الأبدي عن الله "فخرج قايين من لَدُن الرب".
هل تُقبل إلى المسيح الذي حمل عنك كل نتائج الخطية؟ "والرب وضع عليه إثم جميعنا" (إشعياء 53: 6)، فبدلاً منها يباركك بكل بركة روحية في المسيح فتعيش سالمًا سالمًا.

خامسًا: الاستغناء عن اللـه

وبدلاً من أن ينوح قايين ويصرخ أمام الرب بسبب شروره وقضاء الله عليه، نجده في استهتار ولا مبالاة كاملة يبني مدينة، ومع أفراد عائلته يخترعون آلات الموسيقى الصاخبة التي تلهيه عن مصيره الهالك، وينشغلون بالتجارة والمكاسب، بل ويتعدّون ترتيب الله للزواج، ويعيشون في عربدة وصفها أيوب قائلاً: "يحملون الدف والعود، ويطربون بصوت المزمار... فيقولون لله: ابعدْ عنا وبمعرفة طرقك لا نُسَرُّ" (أيوب 21: 12-14). لكن هناك مصير مرعب يصفه أيضًا أيوب قائلاً: "في لحظة يهبطون إلى الهاوية"؛ فيا للدمار!
ما أروع ما قاله آساف: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسنٌ لي، جعلت بالسيد الرب ملجإي" (مزمور 73: 28).
عزيزي، إن الله المحب يناديك قائلاً: "إن أحسنت أفلا رفع؟" فهل تحسن الاختيار؟!
كلُّ مَنْ يتخذُ المسيح     ملجأً له فيستريح
أتريد حرية من سيادة الشرير؟ أتريد تغييرًا لقلبك وأعمالك الشريرة؟ فالله لا يريدك متدينًا بل مخلَّصًا مطهَّرًا بدم الحمل... اصرخ إلى المسيح تائبًا الآن، واحتمِ بالإيمان في دمه فتطهر من خطاياك، وتنجو من الغضب الآتي على جميع فجور الناس وأثمهم.
أرجوك، لا تسلك في طريق قايين، طريق التدين الكاذب، طريق الكراهية والبغضة... طريق المسرات والشهوات العالمية، بل وطريق الهلاك الأبدي. "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره، وليتُب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا لأنه يُكثِرُ الغفران" (إشعياء 55: 7).

المجموعة: تشرين الأول October 2013