كانون الأول December 2014

AdmaHabibi80x116هناك في العراء اعتدنا أن نقضي أوقاتنا، ونتقدّمَ أغنامنا، ونقودَ قطعاننا إلى حيث الكلأ والماء، مع طلوع كلِّ فجر وانبثاقِ خيوط الشمس وأشعتها الذهبية. وهناك بالقرب من بيت لحم وفي الكورة المحيطة بها، قبعنا في تلك الليلة بعد أن مال النهار وبعد أن شبعت أغنامنا، وتمددت لتخلدَ إلى الراحة، قبعنا نحن أيضا لنستريح. وعلى التلال المحيطة رحنا نتطلَّع ونتأمل بجمال السماء الصافية الأديم، وبألوانها المتلألئة التي تزدان لمعانًا كلما حلُك الليل واتَّجه نحو منتصفه. أما عيوننا فكانت ساهرة ومترقِّبة، لئلا يتعرَّض الخرفان إلى هجومٍ مريع، يودي بالحملان أو يؤذي القطعان. ورحنا نعبُّ من الشراب شيئًا فشيئًا لنبقى مستيقظين، وتناول واحدٌ منا نايَهُ وآخر رَبابته وبدآ يعزفان عليهما أنغام الليل، التي صدحت في كل الأجواء، ألحانًا عذبة شجية تتردّد أصداؤها عبر التلال والوديان.


ولكن، ما هي إلا سويعات، حتى أضاء السماءَ نورٌ ساطع، وتلألأت قبة الفضاء بلمعان بهيّ ليس له نظير. وسرعان ما ظهر ملاك في الوسط فارتعبنا جميعنا وسقطنا على وجوهنا صارخين من الخوف. لكن للحال سمعنا صوت الملاك يقول: "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمَّطًا مضجعًا في مذود" (لوقا 10:2-11). وعندما ذهب عنا الخوف وتملَّكتنا الجرأة حاولنا رفع رؤوسنا من جديد فإذا بمنظرٍ أعجب من الأول لا يمكن وصفُه بكلمات يرتسمُ أمام أعيننا. إذ بغتةً ظهر جمهورٌ من الجند السماوي مسبِّحين الله وقائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لوقا 14:2).
وللحيظاتٍ انشغلتْ أفكارنا نحن أصغر الناس وقبل أن يدركنا الصباح بهتافات البشرى، وبرسالة السماء إلينا، وصرنا نحلِّل الإعلان الصريح في عقولنا، محاولين فهمه وماذا يعني بالصحيح. فنحن لم نسمع مثل هذا الخبر من قبل. وما هي إلا دقائق معدودة حتى أفقنا من هول الرؤيا التي شاهدناها، وتطلَّع بعضنا إلى بعض، وقلنا بصوتٍ واحد: هلمَّ بنا إلى بيت لحم لنرى ونتحقَّق من هذا الأمر الغريب والعجيب الذي خصَّنا به الله العلي القدير.  ووافق أكثرنا على الذهاب للتأكد من العلامة التي منحنا إياها الملاك. أما البعض فبقي لكي يتابع السهر على القطعان والحفاظ عليهم بأمان ونصحونا بالاستعجال لكي يسمعوا هم منا الأخبار ويتأكدوا من صحة الأقوال فيهدأوا من كثرة الانفعال.   
وبينما نحن في طريقنا إلى بيت لحم إذا بأحد الرعاة يخبرنا بأنَّه سمع من والديه مرة بأن الرعية العارفة والمطَّلعة تنتظر مجيء المسيا وتحقُّق الوعد، وأن كل من قرأ النبوءات في كتب التوراة في القديم وكتب الأنبياء، يعلم أنه لابدَّ أن يأتي المسيا. وأضاف: ولسوف نرى الآن بأمِّ أعيننا العلامة التي منَّ علينا بها الملاك. وهكذا نتحقَّق من هذا الأمر العظيم. وكان أحد الرعاة قد حمل على منكبيه حمَلًا صغيرًا أراد أن يقدِّمه هدية للطفل المولود المسيا الموعود. وكنا كلَّما اقتربنا من المدينة الصغيرة كلَّما ازداد خفقان القلب لدينا، وازددنا بالتالي انفعالًا وتوقعًا. وظللنا على هذه الحال إلى حين وصلنا إلى الدار. وفوجئنا عندئذٍ أنَّ المولود لم يكن في الدار حيث الغرف العادية منتشرة حوله، بل قيلَ لنا إنه في الإصطبل مولود وفي مذود البقر والغنم موجود، وحيث تترجّع أصوات الخُوار والثُّغاء تنبعث في الأجواء فتبعث الدفء والأمان.
توجهنا للتوّ بكل شوق وشغَف إلى هناك، وما أن دخلنا حتى رأينا المنظر الذي وصفَه لنا الملاك بكل دقة. ليس هذا فحسب بل وجدنا الطفل الصغير ملفوفًا بأقمطة ومضجعًا في المذود. كان النور يشعُّ من وجهه ومنظره جميل أخَّاذ، أما أبواه فلقد استمعا بكلِّ انتباه إلى كلامنا وأصغيا بكل شوق حين أخبرناهم عن الملاك الذي ظهر لنا وعمّا بشرنا به عن المخلص المنتظر. وأنبأهم أيضًا عن جند الملائكة الذين ظهروا في السماء وكيف كانوا يترنمون بفرح ويقولون: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". نعم، بُحْنا لهم بكلِّ ما أعلمتْنا به الملائكة بالتفصيل. فعمَّ السرورُ قلبيهما، وارتسمتْ علاماتُ السَّعد على وجهيهما وتطلَّع كلٌّ منهما إلى الآخر لكن دون أن ينبُس أحدُهما ببنتِ شفَة. وبدا لنا أنَّ الكلام لم يكن غريبًا عنهما. أمَّا نحن الرعاة المتبدُّون فلقد أحسسنا بأننا لا ننوي ترك المكان والعودة إلى حملاننا وقطعاننا. فعلًا لقد شدَّنا هذا الطفل العجيب إليه، لأنه كان الطفل الموعود الذي حقَّق الوعود. وتبيّن لنا أنَّه هو الذي طالما انتظرتْه الأجيال وتاقت إليه القلوب. جاء ليخلص الناس من بؤرة الفساد ويُحِلَّ السلام في العباد.
تركنا الإصطبل أما قلوبنا فبقيت متعلِّقة بطفل الإصطبل الفريد والمميز. وقفلنا راجعين إلى كورتنا نحمل الأخبار وننشرها لكل من شاهدناه ورأيناه. وككل الأحداث، تقبَّل البعض وصدَّق، أما البعض الآخر فاندهش واستغرب لا بل تعجَّب. لكن هذا لم يُثْنِنا بالطبع عن عزمنا، بل انطلقنا نسبح الله ونشكره ونمجده على إعلاناته التي خصَّنا بها وعلى كل جوده وإحسانه من نحونا نحن رعاة الغنم. فيا لها من نعمة غنية هذه التي شملتنا نحن أيضًا. 

التوقيع:
الرعاة المتبدّون

بالحق لقد بزغ فجرٌ جديد هو عصرُ المسيا الذي جاء مخلّصًا للأنام، ومنقذًا ومحررًا، جاء ليُحلَّ على الأرض سلامًا لكل من سُرّ بهم الله.
فهل من طفل مولود بهذه الأوصاف في تاريخ البشرية؟
وهل من طفل جاء قبلًا رافقته كل هذه التصريحات والإعلانات مسبقًا؟
وهل هناك من طفل أنجبته فتاة عذراء بحلول الروح القدسيّ عليها، سوى يسوع المسيح الفريد؟!  
ليتنا نزف هذه البشرى السارة للملا كما زفَّتها الملائكة للرعاة، ويا حبَّذا لو نحملها كما فعل الرعاة بكل فخر واعتزاز، فنخبر كلَّ من رأيناه وشاهدناه بأنه هو حقا المسيا المنتظر ومخلص البشر ومانح السلام وواهب الحياة. وألف شكرٍ لله على "عطيته التي لا يعبّر عنها".

المجموعة: كانون الأول December 2014