كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014

القس رسمي إسحقلا تسير الحياة على وتيرة واحدة من الظروف، فليست كل الحياة تجارب وآلامًا، ولا هي نعيمًا دائمًا، ولكنها مثل اليوم الواحد فيه ظلام الليل ونور النهار.
تواجهنا في حياتنا صدمات يعطينا الرب في مقابلها تعزيات.  ليس للصدمات  رصيد في القلب، ولكن للتعزيات رصيد دائم بدليل قول الوحي المقدس: "عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي" (مزمور 19:94). هذا في الحياة الدنيا. ولكن تنتظرنا بعد انتهاء حياتنا الأرضية بما فيها من آلام وضيقات وتجارب، الأمجاد العظيمة والفائقة. "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رومية 18:8).
يضع الروح القدس أمامنا اليوم داود الملك العظيم الذي مرّ في ضيقات شديدة واجتاز في آلام مريرة قابلتها في الجانب الإلهي تعزيات وافرة كانت له بمثابة أنوار مبهجة في أجواء مظلمة. وسأوضح هذا لحضراتكم في ثلاثة أمور:
أولاً: ظروف أليمة؛ ثانيًا: تعزيات عظيمة؛ ثالثًا: نصائح قويمة.

أولاً: ظروف أليمة

مرّ داود بظروف قاسية قبل أن يتوّج ملكًا على شعب الرب، وبظروف أصعب وهو ملك، ولن أتحدث عما قابله داود قبل المُلك، لكن سأتحدث عن بعض الآلام التي واجهها وهو ملك. أصعب هذه الظروف تلك التي اجتازها بسبب ابنه أبشالوم. غضب الملك على ابنه أبشالوم بسبب قتله لأخيه أمنون، وطلب أن لا يرى وجهه. وبعد محاولات من يوآب رضي داود على أبشالوم وقال ليوآب ردّ الفتى أبشالوم. التقى داود بعد فترة بابنه أبشالوم وقبّله قبلة الصفح الكامل. انظروا ماذا فعل أبشالوم بعد ذلك: كان يبكّر يوميًا ويقف بجانب طريق الباب، ويتحدث إلى كل صاحب دعوى، وبعد معرفة المشكلة، يقول له: أمورك صالحة ومستقيمة ولكن ليس من يسمع لك من قبل الملك. من يجعلني قاضيًا في الأرض فأنصف كل مظلوم. وبذلك استمال قلوب الكثيرين الذين كانوا قبل فترة يهتفون لداود فبدأوا الآن يهتفون لأبشالوم قائلين: يحيا الملك. وأخذ بعضهم يسبون الملك داود. حتى أخيتوفل مستشار داود انقلب ضده. يا لها من ظروف صعبة وقاسية!
ما أكثر صعوبات الحياة! "اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ، قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا" (أيوب 1:14). "الإنسان مولود للمشقة"؛ "لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ" (1بطرس 12:4). الأرض التي نحيا عليها تسمّى "وادي الدموع"، أرضنا معيبة.

ثانيا: التعزيات العظيمة

في وسط هذا الجو الحالك الظلام يظهر شخص اسمه إتّاي الجتي. يتضح من اسمه أنه من مدينة جتّ، المكان الذي خرج منه جليات. ومن يعلم فقد يكون أحد أقربائه. وجد داود تعزية عظيمة في اسم إتّاي الذي يعني "الرب معي". وهل يوجد ما يعزي القلب أكثر من أن يشعر الإنسان أن الرب معه؟ لقد وجد داود في وجود الرب معه أعظم تعزية. "إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (مزمور 4:23). ولم يجد تعزية في اسم إتاي الجتي فقط بل وجد تعزية في محبته الشديدة لداود، وظهرت هذه المحبة في ردّ إتاي على داود عندما قال له: "لماذا تذهب أنت أيضًا معنا؟ ارجع وأقم مع الملك (أبشالوم) لأنك غريب ومنفي أيضًا من وطنك. أَمْسًا جِئْتَ وَالْيَوْمَ أُتِيهُكَ بِالذَّهَابِ مَعَنَا... فَأَجَابَ إِتَّايُ الْمَلِكَ وَقَالَ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيٌّ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنَّهُ حَيْثُمَا كَانَ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنْ كَانَ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلْحَيَاةِ، فَهُنَاكَ يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا" (2صموئيل 19:15 و21). كانت هذه الكلمات كالبلسان الشافي لقلب داود. لم تكن كلمات إتّاي مثل كلمات بطرس ليسوع "أنا مستعد أن أموت معك". ولكن في وقت الأزمة أنكره ثلاث مرات أمام الجواري.
إن تعزيتنا ليست من إنسان أو في إنسان، ولكن من الله رأسًا. "أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا" (2كورنثوس 3:1-5).

ثالثًا: نصائح قويمة

1- لا تتذمر بل اشكر: يعلمنا الرسول بولس بالوحي المقدس، "اشكروا في كل شيء". عندما تواجهنا الآلام والضيقات علينا أن نشكر.
سرق أحد اللصوص بعض الأموال من مستر مودي، فسجد شاكرًا للرب مما أثار حفيظة زوجته، فقالت: تشكر من أجل سرقة أموالنا؟ فقال: هناك أمور كثيرة أشكر من أجلها. أشكر الله لأني أنا المسروق ولست أنا السارق. ثم أشكر الله لأن ما سرق هو بعض الأشياء ولم تسرق كل الأشياء، وأيضًا أشكر الله لأن اللص سرق الأشياء التي تُعوّض ولم يسرق مني اللص الأكبر (الشيطان) الأشياء التي لا تعوّض، وأشكر الله لأنه قد يكون السارق سرق المال من أجل حالة صحية حرجة لأحد أفراد أسرته، فأكون قد ساهمت في عمل خير دون أن أدري.
2- لا تقلق بل اصبر: الإنسان بطبيعته قلق. عندما تأتي التجربة يريد أن يُنقذ منها سريعًا. ولكني أقول له: اصبر فإن من يصبر إلى المنتهى فذاك يخلص. وبصبركم اقتنوا أنفسكم. إن الرب  في الوقت المعين سيتدخل "في وقته أسرع به".
3- انظر إلى الرب وحده: لا تنظر إلى تجاربك بل انظر إلى الرب، "نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل..." وأنت تمسك بكأس الألم. انظر إلى وجه سيدك فيهون عليك مرارة ما في الكأس.

المجموعة: كانون الثاني-شباط Jan-Feb 2014