أذار March 2014

الدكتور عصام رعديصف لنا إنجيل يوحنا 1:3-8 مقابلة فردية تاريخية بين الرب يسوع المسيح ورئيس ديني رفيع الشأن اسمه نيقوديموس. في هذه المقابلة الفردية شدد الرب على أنه لا يمكن لأي إنسان أن يرى أو يأمل بالحصول على ملكوت الله أو الحياة الأبدية بدون الولادة الروحية.
ماذا جرى في هذه المقابلة؟ ومن هو نيقوديموس؟ هذا ما سنراه أدناه:

مقابلة فردية

نيقوديموس، يقول عنه الكتاب أنه فريسي من الطبقة الحاكمة المتدينة الملتزمة التزامًا كليًا في شريعة العهد القديم، كان يصفه البعض بالإنجليزي  He has the four R’s, religious, rich, ruler and respected
عنده كل الصفات التي يشتهيها الإنسان خاصة في ذلك الزمان والمكان. هذا أتى ليلاً إلى السيد المسيح يسأله سؤالاً عن ملكوت الله، والحياة الأبدية، والحياة الهنية. هنا تقدم منه الرب وقال له: "الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3:3). أي، يجب أن تولد من فوق ولادة روحية سماوية، وهذه الولادة الروحية هي من فوق وليست من الجسد.
فيجيب هذا الرئيس والشيخ الوقور ويقول: ماذا ينبغي أن أفعل؟ هل عليّ أن أولد وأرجع إلى بطن أمي وأتكوَّن من جديد، وأولد ولادة ثانية جسدية؟
قال له المسيح: لا، أنت تتكلم عن الجسد! فكما أن كل واحد منا وُلد ولادة جسدية مرة واحدة ليحيا حياة جسدية هنا على الأرض، كذلك كل واحد إذا أراد الحياة الأبدية عليه أن يولد ولادة روحية من فوق من روح الله فيحيا حياة أبدية روحية.
المطلوب إذًا ولادة روحية. "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يوحنا 6:3). "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يوحنا 5:3).
لذلك هنا في الأصحاح الثالث من إنجيل يوحنا يتكلم الكتاب عن هذه المقابلة الفردية جرت مع شيخ محترم هو رئيس مجمع ديني، وفي الأصحاح الرابع من إنجيل يوحنا هناك مقابلة فردية أخرى جرت مع المرأة السامرية، ويا للمفارقة بين الاثنين! لاحظ، هذا الشيخ متدين وله مقام عظيم، وتلك المرأة كانت زانية ومتغربة عن كل دين. لكن الإنسان المتدين كالإنسان الزاني يحتاج إلى غفران الله، ونعمته، وخلاصه الذي هو لكل إنسان، لأن الله يبحث عن الإنسان.
هذا هو الفرق بين ما علمه المسيح وكل أديان البشر. كل دين يدعوك أن تأتي إلى إله بعيد، ولكن هنا ترى الله يبحث عن الإنسان لكي يخلصه، وكأنه يقول لهذا الشيخ المتدين: أنت بحاجة إلى الخلاص والولادة الروحية لأنك إن لم تولد ثانية لا تقدر حتى أن ترى ملكوت الله .
آه! دعني أقول لك: في مجتمعاتنا تديُّن كثير، ولكن لا توجد نعمة، أليس هذا صحيحًا؟ ربما وُلدتَ في بيت متدين، وتذهب من صغرك إلى الكنيسة أو إلى مكان العبادة. قد تكون من أصل متدين، ولكن الدين لا يعطيك حياة... الذي يعطيك الحياة هو فقط روح المسيح بالنعمة التي تأتي من فوق.
تعال معي لكي ننظر ونتصفح التاريخ الجلي... لقد كان فيه تدين كثير ولكن بدون نعمة، ترى فيه ظلمًا، وظلامًا، وقتلاً، وتمييزًا، واضطهادًا... لأن التدين بدون نعمة المسيح فيه ظلم، وقتل، وتمييز، ولكن التدين الحقيقي هو تغيير القلب. أليس هذا هو وعد العهد القديم الذي تحقق في شخص المسيح؟ "لأني أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (حزقيال 26:36).
يقول الإنسان: "عندي قلب لحم"، ولكن الرب يقول: "لا عندك قلب حجر قاس". يتكلم السيد المسيح عن القلب المتحجر الذي فيك، والطبيعة التي فيَّ وفيك، حتى من ناحية التمسك بالتعاليم الأخلاقية من جهة الشهوة الداخلية. فالتدين بدون نعمة المسيح لا قيمة له على الاطلاق. وكأنه يقول لنا اليوم كما قال في متى: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تشبهون قبورًا مبيَّضة تظهر من الخارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا: من خارج تظهرون للناس أبرارًا، ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا" (متى 27:23-28).  
يا لها من كلمات وصف بها الرب هذا التدين الخارجي الذي نراه اليوم في هذه الأيام الأخيرة! ولكن يقول لنيقوديموس المتدين: عليك أن تولد ولادة روحية. قال له نيقوديموس: ما هذه الولادة الروحية؟ قال: عليك أن تولد من الماء والروح.
ماذا يرمز إليه الماء؟!
يظن البعض أنها المعمودية. المعمودية هي إيضاح مثل الخاتم الذي يضعه الإنسان في يده ليعلم  الناس أنه متزوج... هو إيضاح للمعنى الحقيقي.
قال الرب بأنه هو ينبوع الماء الحي. وقال أيضًا أن الماء هو كلمة الله والمسيح هو الكلمة. ويقول عن الكنيسة بأنه يقدسها "بغسل الماء بالكلمة" (أفسس 26:5). إذًا الماء هو كلمة الله؛ أي المسيح، وأيضًا كلمة المسيح أي الكتاب المقدس. الماء (كلمة الله) والروح (الروح القدس)، حين يجتمع هذان الاثنان معًا يحصل الخلاص.
حين يأتي الإنسان وتلمسه كلمة الله، ويبكته الروح القدس، ويتوب توبة صادقة أمام الرب ويقول: يا رب غيرني، وغير قلبي، أعطني قلبًا جديدًا. أريد أن أولد من روحك وأكون ملكًا لك. أنا أقبل صليبك وموتك لأجلي على الصليب. عندئذ يولد الإنسان ولادة روحية من الروح القدس بتأثير كلمة الله فيولد ولادة ثانية من الماء والروح.

المسيحية الحقيقية

هذه هي المسيحية الحقيقية. هناك مسيحية حقيقية ومسيحية اسمية. المسيحية الحقيقية ليست عبادات خارجية طقسية. المسيحية الحقيقية هي سكنى روح المسيح (الروح القدس) في الإنسان. والروح القدس يصفه الكتاب بأنه روح المسيح وهو طبيعة المسيح. ففي اللحظة التي آتي فيها للرب، أولد ولادة ثانية بواسطة روح المسيح. آتي بتوبة صادقة فيطهرني ويسكن فيّ روح المسيح وأولد من جديد.
لاحظ بأن الرب أعطى كل تلاميذه أسماء جديدة، ويا ليتنا نعطي اليوم المؤمنين أسماء جديدة. سمعان أعطاه اسم بطرس. وشاول، هذا الرجل الشرير، المتعصب، القاتل، والإرهابي قد تحوّل إلى بولس رجل الله.
انظر الأسماء الجديدة التي أُعطيت، والرب يريد أن يعطيك قلبًا جديدًا وروحًا جديدة. هذه هي المسيحية الحقيقية، وهذه قائمة على كلمة الله وروح الله كما قال الرب عن الروح: "من آمن بي... تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن  قد أُعطي بعد" (يوحنا 38:7-39).
هذه الولادة هي من روح المسيح، من الروح القدس، وهي أيضًا ولادة من الماء (كلمة الله). لاحظ حين يتكلم عنها يقول: "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يعقوب 18:1). فالذي يولد ولادة روحية من فوق يرغب أن يطيع كلمة الإنجيل فيعيش كما يحق لإنجيل المسيح. ثم نقرأ أيضًا في 1بطرس 23:1 "مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد". هنا إشارة أخرى بأن الولادة من الماء ترمز إلى غسل الماء بالكلمة أي كلمة الله.
يقول في 1كورنثوس 16:3 "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم"؟ هذه هي المسيحية الحقيقية: سكنى الروح القدس، أو سكنى روح المسيح فينا.

الولادة الروحية

لماذا تكلم الرب عن التشابه بين الولادة الروحية والولادة الجسدية؟
لأن في كليهما تشابه هائل، والرب هو خالق الجسد والروح. وأوجه التشابه كثيرة وهي كالتالي:
أولاً: يتكون الجنين خلال تسعة أشهر في الرحم حيث الظلمة ثم تأتي الولادة فيولد المولود الجديد إلى النور. كذلك نحن، كنا في ظلمة وعتمة روحية ونأتي إلى نور المسيح بعد أن نولد ولادة جديدة من الروح.
ثانيًا: يتكوّن الجنين في منطقة ضيقة وهي الرحم، ثم يولد وينتقل إلى الوسع والرحب والحرية. كذلك نحن أيضًا، كنا في سجن قد يكون سجن التدين أو سجن الشهوات والخطية، لكننا أتينا إلى المسيح حيث الحرية "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يوحنا 36:8).
ثالثًا: لا يولد الجنين بجهده الذاتي – "المولود لا يجاهد" – والولادة لا تتم نتيجة إبداعه ولا أعماله وأفعاله، بل نتيجة اتحاد الأبوين. كذلك أيضًا الولادة الروحية، تأتي نتيجة اتحاد الإيمان بالنعمة "بالنعمة أنتم مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس 8:2-9).)
حين يلتقي إيماننا بنعمة المسيح على الصليب أي بموته البديلي لأجلنا تحصل الولادة الثانية.
رابعًا: دعني أقول لك بأن هذه الولادة تحصل في لحظة بعد تكوين الجنين لفترة 9 أشهر أو 7 أشهر في بعض الأحيان. التكوين يأخذ وقتًا طويلاً، ولكن الولادة تأتي في لحظة. كذلك أيضًا، الله يحضّر الإنسان ويتعامل معه لفترة طويلة، ولكن الولادة الروحية تحصل في لحظة بالتوبة وقبول المسيح ربًا ومخلصًا.
في أول شبابي، كثيرًا ما كنت أسمع كلمة الله وأرفض وأقول: نحن متدينون ومسيحيون... ولكن، في لحظة حين سلمت قلبي في 14 نيسان (ابريل) 1974، تغيرت حياتي في تلك اللحظة إذ ولدت ولادة ثانية!
خامسًا: الولادة تتم في ألم، والألم ليس للمولود الجديد بل للشخص الذي يولد منه أي الأم، وكذلك نحن أيضًا، ولدنا في الألم ولكن ليس ألمنا نحن إنما في ألم الذي ولدنا منه، أي المسيح الذي صُلب من أجلنا على الصليب. هناك من جرح وتألم لأجلك لكي تولد أنت!
سادسًا: ولكي تكون الولادة طبيعية، يجب أن يكون الرأس إلى تحت؛ كذلك أيضًا، الذي يريد أن يولد من فوق ولادة روحية يجب أن يحني رأسه ويتواضع. "فإذا تواضع شعبي الذي دُعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الرديئة فإني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأُبرئ أرضهم" (2أخبار 14:7).
سابعًا: بعد أن يولد الطفل يطعمونه الحليب (أي اللبن الطبيعي) من ثدي الأم لكي ينمو ويحيا. كذلك نحن حين نولد ولادة روحية، نحتاج إلى كلمة الله لكي ننمو روحيًا ونحيا بالروح.
هذا ما تقوله كلمة الله في (1بطرس 25:1) "أما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد. وهذه هي الكلمة التي بُشّرتم بها". ثم نقرأ في (1بطرس 2:2) "وكأطفال مولودين الآن، اشتهوا اللبن العقلي (أي كلمة الله) العديم الغش لكي تنمو به".
أخي القارئ، يا لها من نعمة، ويا له من امتياز أن نولد ولادة ثانية روحية ونختبر الحياة الجديدة والأبدية في المسيح!
تعال إلى الرب وقل له:
"اغفر لي يا سيدي فأنا أتوب عن خطاياي وأرجع إليك. طهرني وحررني وغيرني واجعلني أولد ولادة ثانية روحية إذ أقبلك يا سيدي المسيح كمخلصي وربي وسيدي. تربع على عرش حياتي واجعلني ذلك الإنسان الجديد الذي تريدني أن أكونه لكي أنال هبة الحياة الأبدية وأصير بالفعل واحدًا من أولادك في المسيح يسوع".
إذا كنت تريد أن تظل مكابرًا كل حياتك بأنك لست بحاجة للخلاص، ولا للولادة الثانية، وأنت لم تعمل شيئًا قبيحًا أو أي خطيئة فإنك لن تولد ثانية، ولن ترى ملكوت الله، ولن ترى نعمة الحياة الأبدية.

المجموعة: أذار March 2014