نيسان April 2014

Cup of Salvation

لقراءة الكتاب بشكل فلاش، انقر على الصورة

ولتتصفّحه، لطفًا انقر على زوايا الكتاب

تقديم الكتاب

الخلاص هو الموضوع الرئيسي في كل الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى الرؤيا.
ففي العهد القديم تنبأ عن يسوع المسيح المخلص الآتي الذي سيفدي البشر بموته على الصليب. وقد لخص النبي إشعياء في نبوته عن المسيح الفدائي بالكلمات التالية: "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا" (إشعياء 53). وفي العهد الجديد نرى المخلص الذي أتى في ملء الزمان وتمت فيه نبوءات أنبياء العهد القديم كما قال فيلبس لنثنائيل: "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يوحنا 45:1).


وفي سفر أعمال الرسل نجد الرسل يبشرون بموت المسيح، وقيامته، وصعوده إلى السماء مؤكدين أنه المسيا الذي تمت فيه النبوءات والذي أتم بموته عمل الفداء كما قال بطرس الرسول: "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 43:10). وكتب الرسل في رسائلهم ليعرِّفوا المؤمنين بحقيقة المسيح، وعمق غنى مجده، وكفاية عمل صليبه وقدرته الفائقة في تجديد الخطاة التائبين والراجعين إليه.
esper Ajajوفي سفر الرؤيا الذي هو آخر أسفار العهد الجديد ترن أجراس النبوءة مرددة ومعلنة أن المسيح الذي مات على الصليب وصعد إلى السماء سيأتي قريبًا إلى الأرض بقوة ومجد عظيم كما رآه يوحنا وكتب عنه "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه" (رؤيا 7:1).
والكتاب الذي بين يدي القارئ يتحدث عن خلاص الله المعلن في شخص المسيح المخلص. ونحن نقدمه للقارئ العزيز مرفقًا بصلاتنا لكي يستخدمه الروح القدس لإقناعه بحقيقة عجزه عن خلاص نفسه، وبأن الخلاص مقدم في شخص المسيح الكريم حتى يقبله كل قارئ مخلصًا لنفسه، وربًّا على حياته وبقبوله يصبح خليقة جديدة مؤهلاً للحياة الأبدية.
القس إسبر عجاج


 

كأس الخلاص أتناول

في المزمور المائة والسادس عشر نقرأ الكلمات: "ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي؟ كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو" (مزمور 12:116-13).
ويعجب القارئ من تصرف كاتب المزمور، فهو يسأل: ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي؟ ويجيب: آخذ كأس الخلاص من يده وباسمه أدعو... وكان الرد على حسنات الله المتعددة هو أخذ أعظم حسناته وهي "كأس الخلاص".
وماذا يا ترى يجد من يتناول كأس الخلاص؟
أن كأس الخلاص مملوءة بمزيج من بركات الرب وإحساناته، ففيها

أولاً: بركة الخلاص من عقاب الخطية.

ثانيًا: بركة الخلاص من قوة الخطية وسلطانها وسيطرتها.

ثالثًا: بركة الخلاص من وجود الخطية وتأصلها فينا، وهذا أمر سيتم في المستقبل حين يأتي الرب يسوع المسيح ثانية لاختطاف المؤمنين.

فحين تتناول كأس الخلاص بقبول عمل المسيح النيابي على الصليب بدلاً عنك تخلص أولاً من عقاب الخطية وهذا يعني غفران خطاياك.
والغفران هو البركة التي لو تمتع بها يهوذا لأضحى في مكان بطرس الرسول، ولو حُرم منها بطرس الرسول لأضحى في مكان يهوذا.
والغفران يعني أن الله يمحو جميع خطاياك "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (إشعياء 22:44).
إن الخطية كالغيم تحجب عنا وجه الله، وكسحابة تحرمنا من التمتع بنوره، وعندما يغفر الله خطاياك فهذا يعني أنه يمحوها لترى نور وجهه الكريم.
والغفران يعني أن الله يطرح في أعماق البحر جميع خطاياك "يعود يرحمنا، يدوس آثامنا، وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم" (ميخا 19:7). أي إن الله يخفي خطاياك من الوجود إلى الأبد. فالشرور التي أزعجت ضميرك، وأقلقت راحتك تغوص في أعماق البحر ولا يراها أحد.
والغفران يعني أن الله يبعد عنك خطاياك كبعد المشرق من المغرب "كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا" (مزمور 12:103). هذا يعني أنك لن تتألم من عقدة الذنب، لأن الله يحررك من الإحساس بثقل الخطية وفظاعتها فتعيش حياة خالية من العقد.
والغفران يعني أن الله يغسلك من قذارة خطاياك، "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا 5:1). الخطية قذر يحتاج إلى الغسل، ودم المسيح وحده هو الذي يغسلك من قذارة خطاياك.
والغفران يعني أن الله يطهر قلبك من كل خطية "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يوحنا 9:1). هل لاحظت ماذا يقول يوحنا؟ إنه يقول: إن الله "أمين"، بمعنى أنه يكتم سرك فلا يذيعه لأحد، وهو أيضًا "عادل"، لأنه قد دفع أجرة خطاياك بموته النيابي على الصليب. "البار مات لأجل الفجّار". فإذا اعترفت بخطاياك لله فلن يسمع بها أحد، وعلى أساس دم الصليب يطهرك الله من كل خطية.
"إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يوحنا 7:1).
اذكر أن دم يسوع المسيح لا يطهرك من بعض خطاياك بل من "كل خطية". فحين تتناول "كأس خلاص الله" تحظى بالغفران، الذي اشتراه لك المسيح بموته، وتفهم كلمات يوحنا الرسول: "أكتب إليكم أيها الأولاد، لأنه قد غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه" (1يوحنا 12:2). وهنا يمتلئ قلبك بالفرح والسعادة والسلام لأنه "طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش" (مزمور 1:32-2).
وحين تتناول كأس الخلاص بقبولك المسيح مخلصًا لنفسك وربًا على حياتك يحررك الرب من عقاب الخطية. وهذا يعني أنك تولد من جديد، تولد ميلادًا ثانيًا. وهذا ما يقرره الرسول بولس بكلماته: "لأننا كنا نحن أيضًا قبلاً أغبياء، غير طائعين، ضالين، مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة، عائشين في الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين بعضنا بعضًا. ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تيطس 3:3-6).
لقد ورثْت الطبيعة الساقطة من أبيك آدم الساقط، والآن عندما تقبل المسيح المخلص يهبك الله طبيعة جديدة بثقتك الكاملة، وإيمانك الكامل في شخص المسيح، "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1).
يقول الرب يسوع لنيقوديمس المتدين: "الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله... المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يوحنا 3:3 و6)، فالروح القدس يهبك الطبيعة الجديدة ويهبك أيضًا القدرة على الحياة المنتصرة.
وحين تتناول كأس الخلاص تتيقن من أن الرب يسوع حين يأتي ثانية سيغير جسدك ليكون على صورة جسد مجده "لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت" (1كورنثوس 53:15). فعندما نتغير عند مجيء المسيح لا بد أن نتخلص تمامًا من وجود الخطية الموروثة فينا من آدم. "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء" (فيلبي 20:3-21).
لقد جاء المسيح مولودًا من العذراء مريم ليخلصنا بموته النيابي من عقاب الخطية وسلطانها. وسيأتي ثانية ليخلصنا بقدرته من جسد الخطية. "هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغير، في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير. فإنه سيبوَّق، فيُقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير" (1كورنثوس 51:15-52). ثم يقول أيضًا: "أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يوحنا 2:3).


كيفية تناول كأس الخلاص


إن الخلاص ليس بأعمالك الصالحة... هل يدهشك هذا الكلام؟ إنني أعرف أن عقيدة الكثيرين هي أن الخلاص بالأعمال الصالحة. فالبوذي، والكونفوشي، والهندوسي، وأتباع الديانات الإنسانية يعتمدون على أعمالهم الصالحة، ولكنني أريد أن أؤكد لك بأن الخلاص ليس بالأعمال الصالحة، وسأسرد لك الأدلة الكتابية التي تريك بما لا يدع مجالاً للشك أن الخلاص ليس بالأعمال، لأن الأعمال هي ثمار الخلاص وليس أصله.

أولاً: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة لأنه خلاص الله

يقول داود في المزمور: "للرب الخلاص" (مزمور 8:3). ويقول في مزمور آخر: "رد لي بهجة خلاصك" (مزمور 12:51)، وليس رد لي بهجة خلاصي. وحين رأى سمعان الشيخ الطفل يسوع "أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لوقا 28:2-30). إن هذا الخلاص هو خلاص الله لنا وقد تم في المسيح يسوع، ولذا قال عنه سمعان الشيخ: "لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك". لقد رأى سمعان الشيخ خلاص الله متجسدًا في يسوع المسيح. وعندما كان يعقوب على فراش الاحتضار نطق بكلماته: "لخلاصك أنتظرت يا رب" (تكوين 18:49). وما دام الخلاص خلاص الله، فالله لا يبيع خلاصه بثمن لأنه أغلى وأعظم وأثمن من أن يشتريه إنسان. فمهما كثرت أعمالك الصالحة فأنت لا تستطيع أن تحصل بها على خلاص الله.

ثانيًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة لأنه بأعمال الناموس لا يستطيع إنسان أن يتبرر قدام الله

يقول الناموس: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك" (لوقا 27:10). ولكن أين هذا الإنسان الذي يحب الله من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته ومن كل فكره؟
تقابل خادم الرب المشهور "ويلبر تشابمان" مع شخص معين وسأله: هل حصلت على الخلاص؟ أجاب ذلك الشخص: نعم، فسأله تشابمان: كيف حصلت على الخلاص؟ أجاب: "أطعت وصايا الله، فأنا لا أقتل ولا أزني ولا أشهد بالزور..." فقال له تشابمان: "دعنا نعود إلى الناموس لنقرأ كلماته: ‘تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك’". وتوقف تشابمان ثم سأل ذلك الشخص: "قل لي بصدق: هل تحب الله هذا الحب الذي يملأ قلبك، ونفسك، وقدرتك، وفكرك؟ أليست هناك ساعات في حياتك يتجه فيها قلبك وفكرك إلى غير الله؟" ثم أجاب ذلك الشخص: "يبدو أنني أخطأت حين ظننت أن الناموس يخلصني".
إن ناموس الله يحكم على الإنسان بأنه خاطئ لكنه لا يستطيع أن يبرره. يقول يعقوب الرسول في رسالته: "لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل. لأن الذي قال: لا ‘تزن’، قال أيضًا: ‘لا تقتل’. فإن لم تزن ولكن قتلت، فقد صرت متعديًا الناموس". (يعقوب 10:2-11).
ويقول بولس الرسول: "لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما" (غلاطية 16:2).
فالناموس كمرآة ترينا عيوبنا وقذارتنا، ولكنها لا تستطيع أن تزيل عيوبنا وتغسل قذارتنا.
الناموس كميزان الحرارة الذي يُظهر للمريض درجة ارتفاع حرارته ولكنه لا يستطيع أن يخفض درجة الحرارة.
الناموس كالمصباح المنير يرينا الظلمة التي نعيش فيها، ولكنه لا يستطيع أن يقشع الظلام عنا.
الناموس لا يقدر أن يغسل قذرنا، أو يغيّر عواطفنا، أو ينير سبيلنا... إنه لا يقدر أن يخلصنا. إنه فقط يعرّفنا بأننا خطاة ويتركنا نغوص في طين حمأة خطايانا. وهذا ما دوّنه لنا الرسول بولس بقوله: "لأن بالناموس معرفة الخطية". ثم قال أيضًا: "لم أعرف الخطية إلا بالناموس. فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس: لا تشتهِ" (رومية 7:7). فهل رأيت أنه لا خلاص بالناموس، أو بأعمال الناموس؟

ثالثًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة لأن الإنسان ساقط بطبيعته ولا يستطيع بقوته أن يفعل صلاحًا

يقول إرميا النبي: "هل يغيّر الكوشي جلده أو النمر رقطه؟ فأنتم أيضًا تقدرون أن تفعلوا خيرًا أيها المتعلمون الشر" (إرميا 23:13). هذه الكلمات تنطبق على كل إنسان من دون استثناء... يقول النبي داود: "الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر: هل من فاهم طالب الله؟ كلهم قد ارتدوا معًا، فسدوا. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مزمور 2:53-3). ويقول أيضًا: "إنما باطل بنو آدم. كذبٌ بنو البشر. في الموازين هم إلى فوق. هم من باطل أجمعون" (مزمور 9:62). ونقرأ في سفر إشعياء الكلمات: "وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة كل أعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة، وآثامنا كريح تحملنا" (إشعياء 6:64). وكذلك نقرأ القول:  "كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ" (إشعياء 6:53).  ويعود داود فيقول: "هأنذا بالإثم صُوّرت، وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 5:51).
وينطق الرب يسوع بكلماته التي تصور حقيقة قلب الإنسان فيقول: "لأنه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مرقس 21:7-23).
قيل أن أحدهم أشترى ذئبًا بعد ولادته مباشرة، واختار له شاة من قطيعه لترضعه من لبنها، وكان الذئب الوليد يرضع يوميًا من لبن الشاة حتى كبر، ولكن وحشيته الفطرية كبرت معه أيضًا. وذات يوم عاد الرجل إلى البيت ووجد الذئب وقد افترس الشاة التي أرضعته من لبنها. فنظر الرجل إلى الذئب المفترس وإلى الشاة التي افترسها وقال: أنت ذئب سواء رضعت من لبن أمك أو لبن الشاة. إن الوحشية والافتراس طبيعتك. ثم نطق بهذا البيت شعرًا:

بقرت شويهتي وفجعت قلبي     وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب
غذيت بدرّها وربيت فينا          فمن أنبأك أن أباك ذيب

ليس في قدرة الإنسان الطبيعي أن يعمل صلاحًا من ذاته، ولذا فإنه لا يمكن أن يخلص بأعماله.



رابعًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة لأنه هبة مجانية من الله

يقول الرسول بولس بوحي الروح القدس: "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله" (أفسس 8:2). "لأن أجرة الخطية موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 23:6). "لأننا كنا نحن أيضًا قبلاً أغبياء، غير طائعين، ضالين، مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة، عائشين في الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين بعضنا بعضًا. ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 3:3-5).
هل لاحظت أن الخلاص هبة من لطف الله، من إحسان الله، من رحمة الله، وليس بأعمال بر الإنسان؟ إن أعمال بر الإنسان هي كخرقة مهلهلة في نظر الله. "قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة (كثوب مهلهل لا يكسو عريًا) كل أعمال برنا" (إشعياء 6:64).
يعلن لنا الكتاب المقدس بأن الخلاص يُعطى مجانًا لمن يقبل المسيح مخلصًا شخصيًا لنفسه "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رومية 24:3). "أيها العطاش جميعًا هلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا... بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا" (إشعياء 1:55). إن خمر الخلاص ولبن الكلمة المقدسة يُعطى مجانًا لمن يقبل المسيح مخلصًا شخصيًا. لذلك كفّ عن مجهوداتك الشخصية واقبل خلاص الله الثمين مجانًا وبلا ثمن لأنه في غنى نعمته دفع الثمن لأجلك على الصليب.

خامسًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة لأنه جاء بترتيب إلهي أزلي وليس بمجهودات الإنسان

قبل أن يخلق الله الإنسان، وقبل أن يسقط الإنسان، رتب الله في مشورته الأزلية فداء وخلاص الإنسان. فالخلاص هو من تدبير الله قبل الأزمنة الأزلية. "معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله" (أعمال 18:15). وهذا ما دونه لنا بطرس الرسول: "عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو بذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (1بطرس 18:1-19).
عندما سقط الإنسان الأول "آدم" وزوجته "حواء"، "خاطا لأنفسهما أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر". لكن أوراق التين التي ترمز إلى محاولات الإنسان الفاشلة في ستر عيوبه وخلاص نفسه بأعماله، سرعان ما تذبل وتيبس وتسقط، لذلك يقول الكتاب: "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تكوين 21:3). وهنا لا بد من أن نسأل ثلاثة أسئلة:
1) متى صنع الرب الإله أقمصة الجلد؟
2) من أين أتى بالجلد؟
3) ما هي الغاية من تغطيتهما بالجلد؟
وإليك الأجوبة التالية:
بعدما أخطأ آدم وحواء بعصيانهما وصية الله يقول الكتاب: "علما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر". إن أوراق التين ربما تقدر أن تستر عري الإنسان جسديًا، ولكن من يقدر أن يستر عري الإنسان روحيًا أمام عيني الله الذي "عيناه كلهيب نار" ويعرف أفكار القلب ونياته. يقول النبي إرميا: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، من يعرفه؟"... إن الإنسان بطبيعته يحاول بأعماله الصالحة أن يستر عريه الخارجي ويحاول بمجهوداته الشخصية أن يخلص. لكن من يقدر أن يستر عريه الداخلي الذي ينبع من القلب. إنه يحتاج إلى طبيعة جديدة تقدر أن تغير الإنسان تغييرًا جذريًا وتخلقه من جديد. "لأن المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح".
نحن بالطبيعة خطاة وقد ورثنا هذه الطبيعة من أبينا آدم وأمنا حواء. وصرنا بحاجة إلى طبيعة جديدة وهذه الطبيعة نحصل عليها بالإيمان بالرب يسوع المسيح لأن "كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دم (أي ليس بالوراثة)، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله".
الجواب الثاني عن السؤال "من أين أتى بالجلد يا ترى؟" لا بد وأن الله ذبح خروفًا وأخذ جلده وصنع لهما مآزر.
ثم نأتي إلى السؤال الثالث وهو ما هي الغاية من تغطيتهما بالجلد؟
من هنا يا عزيزي القارئ أتت فكرة الفدية أو الفداء. والفداء معناه الشراء ثانية. نحن نقول باللغة الدارجة "أنا فداك" أي أنا أقدم نفسي بديلًا عنك.
كلنا نذكر قصة إبراهيم عندما امتحنه الله بأن طلب منه أن يقدم ابنه ذبيحة على جبل المريا. وبعد أن ذهب إبراهيم إلى هناك، ووضع ابنه على المذبح، ورفع السكين لكي يذبح ابنه، ناداه ملاك الرب من السماء قائلاً: "إبراهيم! إبراهيم! فقال: هأنذا. فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا... فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضًا عن ابنه" (تكوين 22: 11-13).
لقد مات الكبش عوضًا عن إسحاق... وهنا نرى سر الفداء العجيب. عندما رأى يوحنا المعمدان يسوع مقبلًا، أشار بإصبعه نحوه قائلاً: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم". نعم. فعندما رُفع المسيح على الصليب ومات كان موته فدية عنا. البار مات من أجل الأشرار الفجار لكي يصبح الأثمة أبرارًا بموته النيابي أو البديلي. لذلك يكتب بولس الرسول: "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا". (أفسس 7:1).
إن الكتاب المقدس من أوله إلى آخره يتحدث عن قصة الفداء بالدم. فهوذا هابيل يقدم ذبيحة أفضل من قايين لأن هابيل كان يعلم من أبويه أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة"، لذلك قدم من أبكار غنمه ومن سمانها ذبيحة للرب.
كذلك نوح بعد أن خرج من الفلك قدم ذبائح من الحيوانات الطاهرة ومن الطيور الطاهرة.
وفي يوم الفصح نسمع الملاك يقول: "ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم وأعبر عنكم" (خروج 13:12).
وهكذا مات المسيح حمل الله الذي بلا عيب ولا دنس بديلاً عن كل من يأتي إلى المسيح ويحتمي به مرنمًا:


كنت مديون العلي خالق الكلِّ
فقضى ديني الذي مات من أجلي
قد قضى ديني كله الحمل
حينما مات لذا قال قد كمل


نعم، لقد أكمل الرب يسوع عملية الفداء بكاملها وهو الآن يدعوك: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال (بالذنوب والخطايا)، وأنا أريحكم".
كتب الرسول بولس إلى تيطس معلنًا له أن الخلاص كله من الله إذ قال: "لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا" (تيطس 5:3). وكتب كذلك لابنه الحبيب تيموثاوس قائلاً: "الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تيموثاوس 9:1-10). الخلاص إذًا هو من محض تدبير الله. وهو مرتب قبل تأسيس العالم، وقبل الأزمنة الأزلية. وهو قصد الله ومن محض نعمته "لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة".
وهذه النعمة أُعطيت لنا في المسيح "لأن الناموس بموسى أُعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يوحنا 17:1). ثم هذه النعمة المخلصة أُظهرت بظهور مخلصنا يسوع المسيح. وهذا ما يقوله الرسول بولس: "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة، لجميع الناس، معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر، منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تيطس 11:2-13).
فالمسيح بموته الكفاري البديلي على الصليب أبطل الموت بموته وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل. لهذا السبب جاء المسيح وشاركنا في اللحم والدم لكي يموت على صليب اللعنة وصليب العار لكي يحمل عارنا ويميت بموته ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس. وهذا ما قاله كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس" (عبرانيين 14:2).
يكتب لنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "وأما الآن فقد ظهر بر الله" (رومية 21:3). وكلمة الآن تعلن بأنه كان هناك تدبير مسبق كان مخفيًا ثم "أُظهر". ففي يسوع المسيح وموته على صليب الجلجثة ظهر بر الله، ثم يسترسل في الحديث ويقول أن: "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد".

في الأصحاح الأول قال الرسول بولس أن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور وشرور وإثم الأمم (رومية 18:1).
وفي الأصحاح الثاني أعلن بولس الرسول أن اليهود أشر من الأمم في تعديهم على ناموس الله (رومية 17:2-24).
وفي الأصحاح الثالث أعلن بولس أن الأمم واليهود جميعًا قد زاغوا وفسدوا "لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 22:3-23). ومعنى ذلك أنهم في الموازين الإلهية نقصوا كثيرًا عن متطلبات مجد الله.





العلاج لحالة الإنسانية الساقطة

إن العلاج الوحيد لحالة الإنسان الساقطة هو بر الله الذي ظهر في المسيح يسوع وهذه كلمات بولس الرسول إذ يقول: "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه. لأن بالناموس معرفة الخطية. وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، مشهودًا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رومية 20:3-26).

سادسًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة حتى لا يكون هناك مجال لافتخار الإنسان

لو كان الخلاص بالأعمال الصالحة لاشتراه الغني بحسناته وصدقاته، ولحُرم منه الفقير والمسكين.
لو كان الخلاص بالأعمال الصالحة، لأمكن الإنسان الافتخار بأنه استطاع أن يدخل الحياة الأبدية بمجهوده، لكن الكتاب المقدس يغلق الطريق أمام كل إنسان يتكل على أعماله الصالحة. يقول بولس الرسول: "بالنعمة أنتم مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس 8:2-9). إذًا لا مجال للافتخار بالأعمال الصالحة أمام الله.
قال المسيح لتلاميذه: "ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى، يقول له إذا دخل من الحقل: تقدم سريعًا واتّكئ. بل ألا يقول له: أعدد ما أتعشى به، وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب، وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت؟ فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أُمر به؟ لا أظن. كذلك أنتم أيضًا، متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا: إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لوقا 7:17-10).
قد أرانا الرب أن الافتخار الكاذب بالأعمال الصالحة في حضرة الله لا يمكن أن يبرر الإنسان عندما قدم لنا هذا المثل. "وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار، ويحتقرون الآخرين هذا المثل: إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا، واحد فريسي والآخر عشار. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا: اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشّر كل ما أقتنيه. وأما العشار فوقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه إلى السماء، بل قرع على صدره قائلاً: اللهم ارحمني، أنا الخاطئ. أقول لكم: إن هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك، لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" (لوقا 9:18-14).
إن الله يقاوم المتكبر الذي يفتخر بنفسه. لكن الذي يريد أن يفتخر فليفتخر في الرب.
"هكذا قال الرب: لا يفتخرنّ الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر: بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض، لأني بهذه أسر، يقول الرب" (إرميا 23:9-24).
فالافتخار يجب أن يكون بما عمله الرب على الصليب كقول بولس الرسول: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 14:6).

سابعًا: الخلاص ليس بالأعمال الصالحة، لأنه إن استطاع أحد أن يخلص بأعماله الصالحة فالمسيح إذًا مات بلا سبب

إن موت المسيح على الصليب هو إعلان صريح وواضح بأنه لا يستطيع أحد أن يخلص بأعماله الصالحة. قبل الأزمنة الأزلية عرف الله أن الإنسان سيسقط في الخطية بالعصيان. وقبل الأزمنة الأزلية ارتضى يسوع المسيح ابن الله الأزلي أن يقوم بعمل الفداء.
وفي ملء الزمان جاء المسيح "آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 7:2-8). وبواسطة دم المسيح المسفوك على الصليب ينال كل من يؤمن بيسوع المسيح الغفران. ونصوص العهد الجديد تؤكد هذا الحق. قال بولس الرسول: "الذي لنا فيه الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته" (أفسس 7:1). وقال يوحنا الرسول: "أكتب إليكم أيها الأولاد، لأنه قد غُفرت لكم الخطايا من أجل اسمه" (1يوحنا 12:2). وقال بطرس الرسول: "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص" (أعمال 12:4).
يا أخي، ويا أختي، ويا أحبائي، لا تتكلوا على أعمالكم الصالحة بل على عمل المسيح الذي أتمه على صليب الجلجثة إذ قد حمل خطايانا في جسده على الصليب. وهذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي (قبل موت المسيح بسبعمائة سنة) بقوله: "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا" (إشعياء 5:53-6)، فتعال إليه الآن واسمع نداءه الصريح للخطاة والمتعبين "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متى 28:11).
والآن دعني أقص عليك قصة واقعية عن سيدة تغيرت حياتها حين دخل المسيح قلبها.
كانت هيلين الابنة الوحيدة لرجل غني يملك الملايين، وعندما بدأت تتعرف على الحياة وجدت نفسها تستمتع بكل شيء... لم تطلب شيئًا من أبيها إلا وأحضره لها، ولم تحلم بشيء إلا وحققه ليفرحها. لقد جاءت إلى العالم وفي فمها كما يقال ملعقة من ذهب.
أنهت هيلين دراستها الجامعية، ولكن خلال دراستها في الجامعة تشبعت بالكثير من الأفكار الإلحادية، وبدأت هذه الأفكار تعبث بعقلها وتنحرف بها بعيدًا حتى وصلت بها أخيرًا إلى إنكار وجود الله.
من هذا المنطلق بدأت حياتها تتدهور، وكان أول ما فعلته أنها تمردت على إرادة أبيها وتزوجت من شاب لا أخلاق له، رغم معارضة أبيها لهذا الزواج. ولم يستمر زواجها من هذا الشاب طويلاً إذ طلقته، وتزوجت للمرة الثانية ثم الثالثة، ثم للمرة الرابعة. وقادها هذا الفشل في زيجاتها المتكررة إلى الخمر، والمخدرات ظنًّا أنها بهذا تستطيع أن تغرق فشلها وخيبة آمالها في ملذات وقتية ومدمرة.
لكن الخمر لم تعالج همومها، وفشلها، وعقلها المضطرب، ونفسها الحائرة. والمخدرات التي كانت تتناولها كانت تولّد فيها إحساسًا كاذبًا بالفرح إلى حين، فإذا أفاقت من أحلامها الوقتية وجدت التعاسة تربض داخل قلبها لتجد نفسها مرة أخرى تطلب المزيد من المخدرات وهكذا دواليك.
اهتزت شخصيتها، وتدهورت حياتها، واضطرب عقلها أكثر وأكثر، وفقدت كل مقومات حياتها. لقد ظنت هيلين أنها ستجد سعادة نفسها وراحة قلبها في إنكار وجود الله، وفكرت أن الإغراق في الملذات وتعاطي المخدرات سيشبعها ويروي ظمأ نفسها الضائعة، لكنها على العكس وجدت أن البحث عن السعادة في كل الأمور يفضي بها إلى طريق مسدود.
وقررت هيلين الانتحار لتتخلص نهائيًا من الحياة. فلا ملايين أبيها، ولا الخمر المعتقة، ولا المخدرات استطاعت أن تهبها سلام القلب وفرح النفس وطمأنينة الحياة. جلست وحدها تراجع حياتها، ملايين أبيها كلها تحت أمرها، لكن المال لم يشبعها. زيجاتها الأربعة لم تمنحها السعادة. الخمر والمخدرات تركت تأثيرًا عميقًا على شخصيتها وهزت كل قيم الحياة أمامها. لم يبق للخروج من تعاستها وحيرتها واضطرابها إلا باب الانتحار. وقررت أن تنتحر على أن يبدو انتحارها موتًا طبيعيًا.
لكن كيف؟ هل تركب سفينة وتلقي بنفسها في اليم في غفلة من الناس فيحسب موتها حادثًا مؤسفًا؟! هل تنقطع تمامًا عن الطعام عدة أيام؟ هل تتناول كمية كبيرة من المخدر؟
ودق جرس التلفون.
كانت التي تتكلم من الجانب الآخر صديقة شاركتها الكثير من مجونها، لكنها تعرفت بالمسيح الذي غير حياتها تمامًا، وفكرت بعد أن اختبرت قوة المسيح في تغيير الحياة أن تقدم المسيح لصديقتها هيلين، وطلبت منها موعدًا للقاء دون أن تخبرها عن قصدها.
أعطتها هيلين موعدًا، وذهبت "كارولين" لزيارة هيلين، وما كادت تراها حتى أدركت مدى يأسها وفداحة الخطر الذي يحيط بها. ولم تضع كارولين وقتًا في حديث فارغ بل بدأت على الفور في تنفيذ هدفها الأساسي. قالت كارولين: "هيلين، أنت تعرفين أنني شاركتك في كثير من الملاهي والمجون. سكرنا معًا، ورقصنا معنا في الملاهي مع شبان كثيرين حتى تدهورت حياتنا، ووصلنا إلى الحضيض، وأنكرنا وجود الله، لكنني سمعت عن يسوع المسيح يا هيلين في يوم كنت أشعر فيه بالضياع والتعاسة والشقاء. قرأت لي صديقة تعرف المسيح، واختبرت قوته، كلمات المسيح في انجيل يوحنا "الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية... فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يوحنا 34:8  و36).
أنا أعرف أن الخطية تستعبدني فعلًا فأنا لم أعد حرة في ميولي. الخطية كانت تحرك فيّ شهواتي الجسدية، وتعبث بي في ميولي المنحرفة، وتتسلط عليّ حتى احتقرت نفسي. وكنت أعرف أن عبوديتي للخطية هي سبب شقائي وتعاستي، فمن لي بمن يحررني من سلطة وسيادة الخطية على حياتي؟ وتجسدت أمامي كلمات يسوع: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا". هو إذًا القادر أن يحررني. هو إذًا المخلص العظيم. وقرأت أيضًا لي صديقتي نبوءة عن المسيح من إشعياء النبي "روح السيد الرب عليّ، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلوب، لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (إشعياء 1:61). وقالت لي صديقتي المؤمنة إن كل ما عليّ هو أن أعترف للرب بخطاياي، وأفتح للمسيح قلبي ليدخل هذا القلب المسكين ويُغيِّر حياتي. قرأت لي صديقتي كلماته الحلوة: "هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 3: 20). وفعلتُ يا هيلين كما قالت لي صديقتي، فتحت للمسيح باب قلبي وقلت له ترنيمة علمتني إياها صديقتي.
ادخل قلبي... ادخل قلبي... ادخل قلبي... يا ربي
تعال اليوم بالحب وادخلن قلبي يا ربــــي
ودخل المسيح قلبي بالإيمان، وغير حياتي، وحررني من آثامي وخطاياي، وغفر جميع ذنوبي.
امتلأت فرحًا وسلامًا وبهجةً.
هذا هو الحل الصحيح لمشاكلك يا هيلين.
أصغت "هيلين" بكل اهتمام... كانت كالغريق البائس يبحث عن خشبة يتعلق بها تنقذه من الغرق. وبدموع غزيرة ركعت هيلين في محضر الرب وقبل أن تنطق بكلمة التفتت إلى كارولين وقالت: ولكنني أنكرت وجود الله. وأجابتها كارولين: هذا كان من فرط جهلك، كنت أنا أيضًا مثلك، كنت جاهلة لأنه "قال الجاهل في قلبه: ليس إله" (مزمور 1:53). لكنك إذا عزمت على التوبة الصادقة عن خطاياك، واعترفت لله بآثامك، وفتحت ليسوع المسيح قلبك فإنه يتغاضى عن أيام جهلك. "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا، متغاضيًا عن أزمنة الجهل" (أعمال 30:17).
رفعت هيلين صوتها معترفة بخطاياها وشرها وفساد قلبها وطلبت من الرب يسوع أن يدخل قلبها.
دخل المسيح بالإيمان قلبها. وصارت بدخوله إلى قلبها ابنة لله. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يوحنا 12:1-13).
صارت هيلين خليقة جديدة لأنه "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا".
مع حلول المسيح بالإيمان في قلب هيلين ملأ الفرح السماوي قلبها، وتغيَّرت نظرتها للحياة، وتابت تمامًا عن آثامها، وهي الآن تعيش في إحدى مدن ولاية كاليفورنيا، وقد خصصت حياتها وبيتها وما لها للمناداة برسالة الإنجيل، لتجد النفوس اليائسة المكبلة بقيود الخطية، وتعرفها بما وجدته هي في المسيح من الحرية وفيض البهجة والفرح والسلام.
هل تناولت كأس خلاص الله؟
هل دخل المسيح قلبك؟
هل تيقنت تمامًا من غفران خطاياك؟
هل اسمك مكتوب في سفر الحياة؟
افتح للمسيح قلبك اليوم لأنه "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" (2كورنثوس 2:6).
قد يقول قائل: هل يعني أن الأعمال الصالحة لا مكان لها في حياة المؤمن بالمسيح؟
ونجيب يقينًا: لا. إن للأعمال الصالحة مكانها الجوهري في حياة المؤمن. فهي الثمر الذي يجب أن يظهر في حياته بعد تجديده كما يقول بولس الرسول: "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أفسس 10:2).
بعد أن قال بولس الرسول "بالنعمة أنتم مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس 8:2-9)، قال أيضًا لأننا "مخلوقين لأعمال صالحة"، فالخلاص وإن كان من مجرد نعمة الله، وليس بالأعمال الصالحة، لكنه يثمر في حياة المؤمن بالمسيح أعمالًا صالحة قد سبق الله فأعدها ليسلك المؤمن فيها. وقد قرر بولس هذا الحق بكلماته: "لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غلاطية 6:5).فالإيمان الحي هو الإيمان العامل، والإيمان الحي هو الإيمان المثمر. إنه الإيمان العامل بالمحبة. فالمحبة للمسيح هي الدافع الرئيسي للأعمال الصالحة. إنه ليس مجرد معرفة عقلية، ولا مجرد عقيدة ورثناها عن الآباء... لكنه اختبار شخصي حقيقي يختبره الشخص الذي يقبل الرب يسوع المسيح مخلصًا لنفسه.
لذلك كتب أحدهم الترنيمة الحلوة المعبرة عن هذه الحقيقة فقال:
صالح الأعمال ذا ثمر الإيمان     لازم لكنه ما به غفران
فيا صديقي، تعال إلى المسيح، وافتح له قلبك وستتغير بقبوله كل اتجاهات حياتك.

المجموعة: نيسان April 2014