أيار May 2014

الأخ فارس أبو فرحةيسقط كثيرون منا في أخطاء متعددة في الحياة. منها الصغيرة ومنها الكبيرة الفادحة. أودّ في ‏هذا المقال، أن أجيب عن هذا السؤال: ماذا أفعل بأخطائي؟ عليّ أن أتعلّم منها وأتفاداها فلا ‏أدعها تعوق تقدُّمي واستمراري. لكن كيف أفعل ذلك؟ وتأتي الإجابة في شقّين:

‏أتعلّم من أخطاء غيري وأتعلّم من أخطائي أنا أيضًا.‏الحكيم هو الذي يتعلّم من أخطاء غيره. سمعت قصة رمزية عن دب وذئب وثعلب ذهبوا إلى ‏الصيد. وبعد يوم طويل اصطاد كل واحد منهم غزالاً. فجاء موعد اقتسام الغنيمة. فقال الدب: ‏‏"ما رأيكما يا صديقيّ، كيف نتقاسم الغنيمة؟" فأجاب الذئب بلا تردد وقال: "كل واحد يأكل ‏غزاله الذي اصطاده!" فانزعج الدب من كلام الذئب فقتله وأكله للتوِّ. وكان الثعلب يراقب ‏المشهد بخوف شديد. فسأل الدب ثانية: "كيف سنتقاسم الغنيمة؟" فقال الثعلب: "أنت الدب ‏وتستحق أن تأخذ الغنائم كلها. فليكن لك غزالك، وغزال الذئب، وغزالي أيضًا". فبهت الدب ‏من موقف الثعلب فسأله: "ومن أين حصلت على هذه الحكمة كلها؟" فقال الثعلب: "لقد علّمني ‏الذئب كثيرًا".‏مهما كنت حكيمًا، فهناك أشخاص أحكم منك. يقول المثل الشعبي: "ما بيوقع إلا الشاطر". ‏فلماذا نكرر الأخطاء نفسها التي وقع فيها غيرنا؟ إنها علّة تسكن في داخل كل إنسان منّا، ‏أمست تلاحقنا في المواقف كلها. الكبرياء! فنحن نرى أنفسنا أفضل من غيرنا. ونرى دائمًا أن ‏قراراتنا أحكم من تلك التي يتّخذها زملاؤنا في العمل أو أصدقاؤنا. الكبرياء هي أن ترى ‏نفسك بلا خطأ. ولمزيدٍ من التوضيح، الكبرياء هي الادعاء بأنك لو كنت مكان الذئب لما ‏ارتكبت ذلك الخطأ الذي أودى بحياته. هذه الطبيعة التي فينا تقنعنا، بل تخدعنا بأننا أكثر حكمة ‏من الذين يقعون في أخطاء متعددة. لكن حقيقة الأمر هي أن كل واحد منا له ضعفاته ‏وسقطاته، ومهما ازداد حكمةً ومعرفةً، فلن يصل إلى الكمال المطلق. فعندما يرتكب غيري ‏خطأ ما، ينبغي أن يولّد ذلك عندي حافزًا على التعلم وأخذ العبر. وإضافة إلى ذلك، عليّ ‏الاحتراس من أن أشمت بأخطاء غيري، فلعلّي أسقط في الخطأ عينه قريبًا فتكون عاقبتي أسوأ. ‏ويذكر الكتاب المقدس أخطاء أشخاص كثيرين، بمن فيهم الأنبياء والأبطال. ويؤكد هذا الواقع ‏بالقول: "وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا" (1 كورنثوس 6:10). إن الحكيم هو الذي يتعلّم من ‏أخطاء غيره، وليس ذاك الذي يسلك في المسار نفسها آملا في نتائج مختلفة. اعزم في قلبك ‏على أخذ خطوات حكيمة مبنية على قرارات مدروسة وصحيحة.‏ثانيًا، يجب علينا أن نتعلم ليس من أخطاء غيرنا فحسب، بل من أخطائنا الشخصية أيضًا. قرأت قصة عن رجل اسمه لويس واترمان عمل كموظف في شركة تأمين في مدينة نيويورك ‏في سنة 1883. في ذات يوم كان واترمان على وشك بيع أفضل بوليصة تأمين لأحد رجال ‏أعمال المدينة. فبعد وقت طويل في كتابتها وطبعها، أخذها إلى رجل الأعمال آملاً أن يمضيها ‏بقلم الحبر السائل الذي اشتراه مؤخرًا. فتعطّل القلم وانكسر، فانسكب الحبر السائل كله على ‏أوراق البوليصة، الأمر الذي تسبّب في إتلاف العقد كله. فاعتذر واترمان من رجل الأعمال ‏ووعده بأن يعدّ عقدًا جديدًا وأن يحضره له بعد بضعة أيام. لكنه صُدِم كثيرًا عندما علم أن ‏رجل الأعمال قرر عدم المضي قدمًا في العقد. لقد خسر صفقة كبيرة نتيجة خطأ بسيط ‏ارتكبه، وهو عدم فحص القلم قبل استخدامه. لكن، هل تعلّم واترمان من خطئه؟ بكل تأكيد. ‏فبعد خسارته، باشر واترمان بصناعة أقلام الحبر السائلة بعد سنة من فشله كموظف تأمين. ‏ففتح مصنعًا في مدينة مونتريال سنة 1899، واخترع مجموعة مدهشة من الأقلام ذات ‏التصاميم الجميلة. وأُدخل اسم لويس واترمان في قاعة مشاهير المخترعين في سنة 2006 ‏ليصبح مخترعًا لأجود أقلام الحبر السائلة في العالم. ‏وبيت القصيد هنا: هل تستطيع أن تحوّل أخطاءك إلى بركة في حياتك؟ نعم، تستطيع ما دمت ‏تملك روح التواضع والاستعداد للتعلم من الخطأ. لقد دفع واترمان ثمنًا باهظًا حينما خسر تتميم ‏العقد مع رجل الأعمال. لكنه لم يمشِ في مسار الفشل وندب حظه طويلاً. بل عزم على أخذ ‏قرار استطاع من خلاله تحويل الخسارة إلى ربح، والفشل إلى انتصار.‏ينبغي كمؤمنين بالمسيح أن نبني حياتنا وحكمتنا على المسيح وتعاليمه، فهو "المذّخر فيه جميع ‏كنوز الحكمة والعلم" (كولوسي 3:2)، وإلاّ افتضح حمقنا وتهدّمت حياتنا. "كل من يسمع أقوالي ‏هذه ولا يعمل بها، يشبّه برجل جاهل، بنى بيته على الرمل. فنزل المطر، وجاءت الأنهار، ‏وهبّت الرياح، وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيمًا" (متى 26:7-27).‏ومن المهم جدًا أن يكون لنا أصدقاء حكماء نلجأ إليهم عند الحاجة: "وأمّا سامع المشورة، فهو ‏حكيم" (أمثال 15:12). ‏سألني أحد أصدقائي: ماذا ستفعل لو علمت أنك لن تفشل؟ يا له من سؤال عظيم! إنه سؤال ‏يدفعني إلى التفكير الجدي. إنه سؤال يجعلني أحلم من جديد. يحثني على تحديد أهداف ومرامٍ ‏جديدة لحياة الخدمة التي أقوم بها. ‏لكن السؤال الأهم: ماذا تتعلم عندما تفشل وتخسر؟بطبيعتنا كبشر، نحن نحب التكلم عن نجاحنا والأمور التي تميّزنا، ولا نكترث بذكر فشلنا ‏وخسارتنا أو حتى أخطائنا. نحن لا نشعر بارتياح عندما نتكلم عن ضعف أو أمر سبّب لنا ‏خسارة مادية أو علاقية أو مِهنية. فليس عيبًا أن نشخّص مشكلتنا أو خطأنا. لكن العيب يكمن ‏في عدم اعترافنا وتجاهلنا بحقيقة خطئنا. لا يفكّر الأشخاص الناجحون بهذه الطريقة. فالناجح ‏يعرف خطأه دائمًا، ويسعى إلى التعلم واكتساب الحكمة منه، والاجتهاد في إصابة الهدف في ‏الفرص القادمة. لا تحاول تبرير خطئك أو أن تهرب من فشلك بإلقاء اللوم على غيرك، أو ‏على الظروف، أو ربما على الله. بل تعلّم من خطئك وابذل كل جهدك ألا تسقط مرة ثانية. ‏وخلاصة الموضوع هو أن "اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ" (2 ‏تيموثاوس 7:1). فلا تفشل، بل اجعل في قلبك أن ترتقي فوق الأخطاء والمعطلات وكل فشل ‏يأتي في طريقك.‏

 

المجموعة: أيار May 2014