أيار May 2014

Tharwat el Dabaأخي وأختي أعضاء العائلة المسيحية، تكلَّمنا في العددين السابقين عن التصميم الإلهي للزواج من خلال تكوين 2، ورأينا كيف أن الله رسم بنفسه صورة أول بيت أسسه بعد الخلق، وكيف صنع بنفسه كل شيء حسنًا لآدم، بينما لم يفعل هو أي شيء على الإطلاق. وتأملنا في الخطوات التي رسمها الروح القدس مُرتبةً ترتيبًا واضحًا لينبّهنا ويحذّرنا من خطورة الانسياق وراء مشاعرنا ورغباتنا، وأهمية استشعار فكر الرب وإرادته في كل خطوة من خطوات الارتباط حتى الزواج.

 

 

وفي هذا المقال سنتناول فصلاً آخر من كلمة الله، هو سفر التكوين أصحاح 24 (أطول أصحاح في سفر التكوين، الذي يتكلَّم عن ارتباط إسحاق برفقة مما يؤكد أهمية الأمر من الجانب الإلهي).  فالزواج هو أهم موضوع في الحياة بعد الخلاص ومعرفة الرب يسوع، وهذا الفصل يوضح الكثير من الأمور التى يجب أن نفهمها جيدًا قبل الشروع في الارتباط.  ومن هذه الأمور ما يلي:

 

الأمر الأول: إرشاد الروح القدس

في بداية الفصل يوجّه الروح القدس أنظارنا ليس إلى إسحاق بل إلى أبيه إبراهيم، وما هي أفكاره بخصوص زواج إسحاق ابنه، وكيف أعلنها لعبده كبير بيته. ونحن نعلم من الناحية الرمزية أن إبراهيم يشير إلى الله الآب، وإسحاق يشير إلى الابن، ورفقة تشير إلى الكنيسة في ارتباطها بالرب يسوع المسيح.  أما العبد، وهو الشخصية المحورية فى هذا الأصحاح الطويل، فهو يشير إلى الروح القدس. وهذه إشارة واضحة إلى أن للروح القدس عملاً كبيرًا جدًا في خطوات الارتباط.  وأريد أن أشير إلى أهمية التدرّب على سماع همسات الروح القدس في كل جوانب حياتك عامة بصفة مستمرة حتى تستطيع أن تلتقط وتُميِّز فكر الرب في هذا الموضوع المصيري في الحياة.  فعليك أن تعتمد على إرشاد وتوجيه الروح القدس لك في طريق ارتباطك، ولا تعتمد على أحاسيسك ومشاعرك واستحساناتك.

 

الأمر الثاني: الثقة والإيمان

ثقة وإيمان إبراهيم في الله الذي يستطيع كل شيء، ويستطيع أن يتقدم العبد ليرشده إلى الفتاة المُعيَّنة لإسحاق.

استمع إلى كلام إبراهيم المليء بالثقة في عدد 7:  "الرب إله السماء الذي أخذني من بيت أبي ومن أرض ميلادي، والذي كلمني والذي أقسم لي قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، هو يرسل ملاكه أمامك، فتأخذ زوجة لابني من هناك".  لقد كان الله دائمًا أمام إبراهيم الإله القدير الذي أخرجه من أرض آبائه، ثم أعطاه إسحاق بمعجزة، فأثرت هذه الثقة في العبد بالتبعية، فتصرّف وصلى بعد ذلك بثقة شديدة في إله سيده إبراهيم.  وأنت، هل تدخل موضوع الارتباط وكلك ثقة في محبة وحكمة وقدرة الله القدير الذي يعمل الكل حسنًا في وقته؟

 

الأمر الثالث: خطورة النير المتخالف

 

(ارتباط المؤمن مع غير المؤمن)، ونظرًا لخطورة وأهمية هذا الأمر فقد كرر الروح القدس ثلاث مرات هذا التحذير في هذا الفصل (ع 3 و6 و8).  فقد استحلف إبراهيم العبد أن لا يأخذ زوجة من بنات الكنعانيين، وحذره من الرجوع بابنه إلى هناك (أور الكلدانيين أو حاران) بالقول: احترز، ثم عاد وأكد نفس الفكر مُشددًا: "أما ابني فلا ترجع به إلى هناك".  ولا أستطيع في هذا المقال القصير أن أعدّد المرات الكثيرة التي حذّرنا فيها الكتاب بعهديه القديم والجديد من النير المتخالف، لكن فقط أذكر مثلين من العهد القديم: ماذا فعل النير المتخالف في أقوى قاضٍ من قضاة إسرائيل وهو شمشون. لقد حسنت بنت من بنات الفلسطينيين الغُلف في عينيه واحتقر ولم يُصغِ لنصيحة أبويه: "أليس في بنات إخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى أنك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغُلف؟".  فقال شمشون لأبيه: "إياها خذ لي لأنها حسنت في عيني" (قضاة 3:14).  لقد تم فيه كلام الكتاب: "العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقوّرها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر" (أمثال 17:30).  لقد تحوّل قاضي إسرائيل نتيجة لانسياقه وراء استحسان عينيه، من مخلص للشعب إلى مُقيّد ومقلوع العينين، يحتاج إلى من يقوده ويخلصه. "فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه ونزلوا به إلى غزة وأوثقوه بسلاسل نحاس. وكان يطحن في بيت السجن" (قضاة 21:16).  وماذا كانت نتيجة النير المتخالف في أغنى وأحكم ملوك إسرائيل أيضًا: سليمان؟ لقد تحوّل الملك العظيم من ساجد لله، يهوه الحقيقي، إلى ساجد للبعل، ويا للعار! لقد أحب نساءً غريبة كثيرة ضاربًا بعرض الحائط وصايا الرب: "لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم، لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم" (1ملوك 2:11).  فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت النتيجة المُرّة أنه: "كان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه" (1ملوك 4:11).  أخي، أختي، يا من تفكّر في الارتباط، احذر من الارتباط بغير المؤمنين. إنها إشارة مرور إلهية حمراء تصرخ بأعلى صوت: قف لا تتقدم خطوة واحدة. هل تتذكّر تحذير الروح القدس في العهد الجديد: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسّوا نجسًا فأقبلكم" (2كورنثوس 14:6-17). إن الروح القدس يريد أن يحذر بشدة الشباب من الوقوع في هذا الفخ الشيطاني، فالأمثلة كثيرة في الحياة العملية لشباب وشابات كانت لهم الحياة الشاهدة المكرسة والخادمة التاعبة المضحية لأجل الرب، ولكن كل هذه الأمور ضاعت بعد الزواج.  فلقد نجح الشيطان فى إفساد الكل بالزواج من شريك غير مؤمن، وضاعت الأهداف الروحية الجميلة وراء السعي لإرضاء هذا الشريك حتى ولو بأمور لا يرضى عنها الرب.

 

الأمر الرابع الهام هو: الصلاة

 

عزيزي الشاب، وعزيزتي الشابة، هل تدرك أهمية الصلاة في موضوع الارتباط؟ لقد قال الرب: "لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يوحنا 5:15).  فكم بالأحرى فى موضوع مصيري كالارتباط؟ إننا حقًا لا نستطيع أن نفعل شيئًا بدون الاستناد عليه بالصلاة التي هي لغة العاجز عن فعل أي شيء. وأستطيع أن أؤكد للشباب أن موضوع الارتباط ليس موضوعًا سهلاً، والعوامل المؤثرة في اتخاذ هذا القرار داخلنا وخارجنا كثيرة ومتشابكة: منها الاستحسان الشخصي حسب النظرة الإنسانية، تأثير آراء المقربين والأصدقاء والإخوة التي كثيرًا ما تكون متضاربة، وهذا ما يجعلنا أكثر احتياجًا إلى الصلاة حتى يمكننا أن نُميِّز فكر الرب قبل أن نخطو خطوة واحدة. استمع إلى صلاة العبد وهو يطلب وجه الرب قائلاً: "أيها الرب إله سيدي إبراهيم، يسّر لي اليوم واصنع لطفًا إلى سيدي إبراهيم" (تكوين 12:24).

يا من تفكر أن تخطو خطوة الارتباط: احذر من الارتباط من غير المؤمن، ثق في إلهك القدير المحب الذي سيرتب أمورك بحكمته العالية، وتقدّم مُصليًا ومستندًا إلى إرشاد وقيادة الروح القدس، وبالتأكيد سيقود الرب خطواتك إلى ما يحقق مجده وخيرك مدى الحياة.

المجموعة: أيار May 2014