حزيران June 2014

Labibالمستشفى هي دار العلاج، وكل مستشفى لها تخصّص، فهناك مستشفى للأمراض الصدرية، ومستشفى للأمراض العصبية، ومستشفى لعلاج السرطان، وغيرها من التخصصات. والمستشفى موضوع هذه الرسالة، هي مستشفى المجربين... وكلنا مجربون.

"الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا" (أيوب 1:14).

وسندرس في هذه الرسالة دائرتين:

الدائرة الأولى: دائرة مصادر التجارب المتنوّعة

والدائرة الثانية: العلاج المقدّم للمجربين بتجارب متنوعة

 

مصادر التجارب المتنوّعة

 

1- تجارب من الله

والتجارب التي من الله هي تجارب خاصة بالمؤمنين الحقيقيين.

قد يكون القصد منها امتحان إيمانهم كما قال يعقوب في رسالته: "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوّعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا. وأما الصبر فليكن له عمل تام، لكي تكونوا تامّين وكاملين غير ناقصين في شيء" (يعقوب 2:1-4).

الله تبارك وتعالى يريد أن يكون أولاده وبناته نامين وكاملين وغير ناقصين في شيء، ومن أجل هذا يوقعهم في تجارب متنوّعة، ولهذا يجب أن يحسبوا هذه التجارب المتنوّعة مصدرًا لكل فرح. ونقرأ عن إبراهيم: "بالإيمان قدّم إبراهيم إسحاق وهو مجرّب. قدّم الذي قَبِل المواعيد، وحيده الذي قيل له: إنه بإسحاق يُدعى لك نسل. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضًا، الذين منهم أخذه أيضًا في مثال" (عبرانيين 17:11-19). وقد امتلأ قلب إبراهيم بالفرح إذ أخذ ابنه حيًا كما رأى فيما حدث يوم المسيح.

وقد يكون القصد من التجارب التي يوقع الله المؤمنين فيها هي حفظهم من الكبرياء، سواء كانت كبرياء الجسد أو كبرياء الروح. وقد أدخل الرب بولس الرسول في تجربة مؤلمة ليحفظه من التعالي، وكتب عنها قائلاً: "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع" (2كورنثوس 7:12). ولم يكن الأمر لملاك الشيطان ليلطم بولس سهلاً على بولس فقد ضربه بشوكة في جسده.

وقد وصف بولس هذه الشوكة في رسالته إلى كنائس غلاطية قائلاً: "ولكنكم تعلمون أني بضعف الجسد بشرتكم في الأول. وتجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها، بل كملاك من الله قبلتموني، كالمسيح يسوع" (غلاطية 13:4-14).

لقد كانت الشوكة التي أصاب بها ملاك الشيطان جسد بولس، تدعو للازدراء به، وكراهية النظر إليه، ولكنها أُعطيت له لحفظه من الارتفاع، والشعور بالارتفاع خطر لأنه "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أمثال 18:16).

 

2- تجارب من الشهوات الجسدية

عن هذه التجارب قال يعقوب: "لا يقل أحد إذا جُرّب: إني أجرّب من قِبَل الله، لأن الله غير مجرَّب بالشرور، وهو لا يجرّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يعقوب 13:1-15).

هذا النوع من التجارب سقط فيه شمشون الذي كان نذيرًا للرب من بطن أمه، حتى وصل به إلى الحضيض، وقلع الفلسطينيون عينيه. وسقط فيه داود النبي، مرنم إسرائيل الحلو، عندما اشتهى بثشبع زوجة أوريّا الحثّي، واضطجع معها. وكثيرون يسقطون في حبائل شهوتهم...

 

3- تجارب من الشيطان

وقد أطلق الكتاب المقدس على الشيطان اسم "المجرِّب" (1تسالونيكي 13:5). وخاف بولس الرسول على كنيسة التسالونيكيين من أن يكون المجرّب قد جرّبهم. وقد أصعد الروح القدس يسوع الإنسان ليجرَّب من إبليس، وتركّزت تجاربه في ثلاث دوائر:

الدائرة الأولى: طلب إبليس من يسوع أن يستخدم قدرته في إشباع حاجة جسده إذ قال له: "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" (متى 3:4). كان يسوع جائعًا بعد أن صام أربعين يومًا، ووجّه إبليس هذه التجربة ليسقطه في إشباع حاجة الجسد.

لو خضع يسوع لهذه التجربة كان معنى هذا خضوعه لاقتراح إبليس... ومرات يجرّب الشيطان أولاد وبنات الله لاستخدام قدرتهم لإشباع حاجاتهم الجسدية، بعيدًا عن الثقة في قدرة الله وعناية الله.

الدائرة الثانية: استخدم إبليس كلمة الله في تجربته ليسوع مع تحريف معناها لإسقاطه في حبائله، إذ قال ليسوع بعد أن أوقفه على جناح الهيكل: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك".

(متى 5:4-6)

الوعد المذكور في الآيات التي استخدمها إبليس مذكور في مزمور 9:91-11، وهو لم يُعطَ لنجرّب الرب به، بل أُعطي لمن جعلوا الرب مسكنهم وملجأهم. ومرارًا كثيرة يجرب إبليس أولاد وبنات الله لارتكاب أمور خارجة عن إرادة الله، بتقديم آيات يحرّف معناها لأذهانهم، لإسقاطهم.

 

الدائرة الثالثة: اقترح إبليس على يسوع أن يتخذ الطريق السهل للوصول إلى أعلى أهدافه. "ثم أخذه أيضًا إبليس إلى جبل عالٍ جدًا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له: أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (متى 8:4-9). وكأنه يقول له: بدل الآلام، والصلب على الصليب، واحتقار الناس واستهزاؤهم بك، لتصل بعد ذلك إلى المجد، خذ الطريق السهل، اسجد لي وأنا أعطيك العالم وأمجاده. ومرارًا يجرّب الشيطان أولاد وبنات الله ويغريهم باتخاذ الطريق السهل للوصول إلى أغراضهم... كذبة بيضاء - وكل الكذب أسود... رشوة تعطيها لمن بيده الأمر... الوقوف مع الأغلبية حتى ولو كانت شريرة. هذه هي وسائل تجارب الشيطان، وكلها لهدمنا، وخراب حياتنا، ومستقبلنا.

 

4- تجارب من مصادر أخرى

هناك مصادر أخرى لتجاربنا، منها:

التجارب المالية: حين تجف الموارد البشرية أو تحدث الأزمات الاقتصادية.

التجارب الاجتماعية: حين تنهار الصداقات المبنية على المنفعة الشخصية، فمتى انتهت المنفعة انهارت الصداقة. وأحيانًا تنهار الصداقة بسبب الغنى، فعندما يزداد غنى صديقك القديم، يتكبّر الصديق، ويشعر في كبريائه بالاستغناء عن صداقتك، فتتوقّف خطوط الاتصالات التليفونية، والخطابات، وهذه هي الحياة في واقعها المؤسف المحزن.

التجارب العائلية والزوجية: أما التجارب العائلية فهي تحدث حين ينحرف الأولاد بعد وصولهم سن المراهقة، وتتمرّد البنات بعد الوقوع في حب غير متكافئ في نظر الوالدين، أو بسبب صداقات شريرة لا ترعى مبادئ، ولا تحترم حدودًا، أو بسبب تأثير الهرمونات على سلوكهم. وأصعب التجارب العائلية هي تجربة تدهور العلاقة الزوجية، وتتدهور العلاقة الزوجية إما بسبب أزمة منتصف العمر، ومعروف أن كلاً من الزوجين يجتاز أزمة منتصف العمر حين يحاول الزوج الذي لم تتعمّق معرفته بالله أن يثبت أنه ما زال شابًا، وتحاول الزوجة أن تثبت أنها ما زالت في شبابها وجمالها، ويصل الأمر بالزوجين إلى ابتعاد الواحد عن الآخر عاطفيًا وجسديًا.

وهنا نقول: إن الزواج ينتهي إلى أحد مصيرين: فإما أن ينتهي إلى صداقة حميمة بين الزوجين، ويزداد حب الواحد للآخر، وعناية الواحد بالآخر، وهذا يحدث حين يرعى الزوجان زواجهما من البداية، بكلمة المديح، وبالهدايا في المناسبات، وبالعناية في أوقات الضعف، وإما أن ينتهي بالابتعاد المقصود، الذي يبتعد فيه الواحد عن الآخر، لأن الزوجين لم يرويا ورود حياتهما الزوجية من بداية الزواج، وخلال سنواته الأولى.

 

العلاج المقدم في مستشفى المجربين

رئيس مستشفى المجربين هو الرب يسوع المسيح، وهو يقدّم علاجًا شافيًا لكل مجرّب. "لأنه في ما هو قد تألّم مجرّبًا يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 18:2). "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية" (عبرانيين 15:4).

الرب يسوع المسيح يقدم لنا السلاح الذي به نهزم تجارب الشيطان، والسبيل للنصرة على الشهوات الجسدية، والأسلوب الذي نواجه به ظروف الحياة العملية والزوجية.

وأول ما يقدّمه المسيح للمجربين بتجارب الشيطان هو السلاح الذي به يهزمون تجارب الشيطان: والسلاح هو "سيف الروح الذي هو كلمة الله" (أفسس 17:6). فالمؤمن الذي يجربه الشيطان، يقول له الرب يسوع المسيح: اقرأ الكتاب المقدس كل يوم، وافهم ما تقرأ، وتأمّل معانيه، واحفظ في ذاكرتك ما استطعت من أصحاحاته وآياته، وستجد في عقلك ذخيرة تهزم بها الشيطان حين يجربك.

لقد فعل ذلك يسوع نفسه كإنسان في مواجهته لتجارب إبليس، فقد استخدم المكتوب في أسفار العهد القديم، فقال لإبليس في ردّه على كل تجربة: "مكتوب" (متى 4:4 و7 و10)، وانتهى بكلماته: "اذهب يا شيطان!... ثم تركه إبليس، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه" (متى 10:4-11).

فاحفظ المكتوب، لأن إهمال قراءة الكتاب المقدس وتطبيقه في سلوكنا اليومي يجعلنا فريسة سهلة في يد الشيطان.

وثاني ما يقدمه المسيح للمجربين بتجارب الشهوة الجسدية هو كلماته: "إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ" (متى 29:5). وهذا يعني حسبان أعضائنا ميتة بالنسبة للخطية. أضف إلى ذلك أن تحرق الصور الجنسية والأفلام المثيرة للشهوة، والكتب التي تنجّس الذهن.

وثالث ما يقدّمه المسيح للمجربين بتجارب مالية هو كلماته: "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون...انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟... فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى 25:6-34). "أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم. وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة" (متى 29:10-31).

  • العصفور الواحد لا يسقط على الأرض بدون إذن الآب السماوي.
  • شعر رأسك محصى

فلماذا تخاف التجارب المالية، والآب السماوي لا يهملك ولا يتركك؟

نصل أخيرًا إلى تجارب الحياة الزوجية وعلاجها في كلمات بولس الرسول: "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب... أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها" (أفسس 22:5-23).

وفي كلمات بطرس الرسول: "كذلكم أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهن كرامة، كالوارثات أيضًا معكم نعمة الحياة، لكي لا تُعاق صلواتكم" (1بطرس 7:3). فإذا كنت مجرّبًا بأية تجارب، فاذهب إلى مستشفى المجربين ودع المسيح الطبيب الأعظم يقودك إلى طريق الانتصار.

المجموعة: حزيران June 2014