حزيران June 2014

Reda Adlyلا تتعجب! فالإحساس بالجوع هو بداية الطريق إلى الشبع.

هذا ما يتحدث عنه الرسول بطرس في قوله: "فاطرحوا كل خبث وكل مكر، والرياء، والحسد، وكل مذمة. وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنمو به، إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح" (1بطرس 1:2-3).

"فاطرحوا"، إن هذه الكلمة تستحق منا كل طاعة. بالرغم من أنها ليست أمرًا في الأصل اليوناني، لكنها فعل ماض يحدث مرة ولا يتكرر، وهو ما يمكن التعبير بالقول: إذ طرحتم مرة وإلى الأبد، "فاطرحوا". هذا هو الفصل الذي ينتظره ويتوقعه الرب من كل مؤمن، أن يخلع ويطرح جانبًا كل خبث ومكر ورياء.

ولعل سر عدم إحساس المؤمن بالجوع والشوق لكلمة الله، هو أنه لم يقطع فعلاً، ولم يطرح نهائيًا كل صلة له بالخطية، بل إنه قد يسمح في بعض الأحيان بأن يمتلئ قلبه بقشور العالم. وخطورة هذا الأمر تكمن ليس فقط في فقده شهية تناول طعام الكلمة المقدسة، بل وتمنعه أيضًا من القدرة على تذوّق الطعام، فلا يستطيع التمييز بين اللبن المخلوط وغيره "عديم الغش".

هذا هو سر عدم شعور الكثيرين من أولاد الله بالجوع لكلمته.

وهذه هي العلاقة بين العددين 1 و2 "فاطرحوا كل خبث... واشتهوا اللبن العقلي". فما هي الأشياء التي يجب أن نطرحها؟

هاكم بعض الأمثلة:

 

المكر: وهي تعني في الأصل اليوناني الوصول إلى تحقيق مقاصد وغايات الإنسان عن طريق الغش والغواية والإغواء والالتواء. أو ما نطلق عليه "اللف والدوران".

عزيزي القارئ، يجب أن يكون لك السلوك الواضح، وأن تحقق مآربك بطرق سليمة صحيحة إذا أردت أن تشتهي اللبن العقلي العديم الغش.

 

الرياء: لقد استخدمت هذه الكلمة في القرن الأول الميلادي لتصف من يتقمّص شخصية غيره، وكانت تطلق على القناع الذي يلبسه الممثل قبل صعوده على خشبة المسرح. وما أكثر المرات التي يظهر فيها أبناء الله بصورة تغاير واقعهم، بل وتتعارض مع حقيقة حالتهم، فتولّد فيهم إحساسًا زائفًا بالشبع، الأمر الذي يترتب عليه عدم الإحساس بالاحتياج إلى كلمة الله.

 

المذمّة: وهي تعني في الأصل التحدث بما يحط من منزلة الآخرين، فنرتفع نحن على أكتاف من نحطّ من قدرهم، وهذا الارتفاع المزيف يجعلنا نخطئ الطريق إلى الجوع.

 

خبث، مكر، رياء، حسد، مذمّة...

من الملاحظ أن كل هذه الخطايا التي ذكرت هنا هي في الواقع ضد المحبة المسيحية المخلصة نحو الإخوة.

ومن الغريب أن تكون كل هذه الخطايا في المولودين ثانية!

هذا هو الجانب السلبي الذي يجب أن نتنبّه له لئلا نفوته إذا أردنا أن يتملّكنا الإحساس بالجوع والشوق لكلمة الله.

أما الجانب الإيجابي، فهو الذي يظهر في قوله:

"اشتهوا اللبن"، وكلمة "الشهوة" واحدة من الكلمات التي لا تعني في الأصل الاتجاه الغرائزي نحو الشر، بل مجرد الرغبة في الشيء بغض النظر عن طبيعة هذا الشيء. فقد تكون هذه الرغبة مقدسة كقول الرب: "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم..." (لوقا 15:22). وكشهوة بولس أن ينطلق للمسيح في فيلبي 23:1. وقد تكون هذه الرغبة نجسة كما في القول: "لأن الجسد يشتهي ضد الروح"، و"شهوة الجسد" (1يوحنا 16:2). وها نحن نرى استخدامًا مباركًا هنا في اشتهاء كلمة الله.

كثيرًا ما يُذكر الله بهذا اللقب الجليل ألا وهو: "الله القدير"، أو "الرب القادر" (تكوين 1:17؛ 1كورنثوس 18:6). والكلمة "قدير" من مصدر عبري يعني ثدي أو لبن الأم. وهو تشبيه نجد فيه الله القدير يفي باحتياج الطفل الصغير في الإيمان الذي يحتاج إلى اللبن لا إلى طعام قوي، لأن كل من يتناول اللبن هو عديم الخبرة في كلام البر لأنه طفل، وأما الطعام القوي فللبالغين (عبرانيين 13:5-14؛ انظر أيضًا 1كورنثوس 1:3-2).

 

"اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش". إن كلمة غش هنا هي نفس الكلمة التي تُرجمت في العدد الأول "مكر"، لكنها مسبوقة هنا بالحرف اليوناني "ألفا" لكي يصبح المعنى معكوسًا. إن كلمة الله ليست مخلوطة التعاليم أو مغلوطة الدوافع، قال عنها بولس الرسول:

"لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله، لكن كما من إخلاص، بل كما من الله، نتكلم أمام الله في المسيح"، "غير سالكين في مكر ولا غاشين كلمة الله، بل بإظهار الحق..." (2كورنثوس 17:2، 2:4).

إنكم يجب أن تدركوا – إن كنتم قد وُلدتم الآن – أنكم أطفال في المسيح. أنكم كأطفال في المسيح يجب أن تطرحوا كل خبث وكل مكر، و...، و... (ضع ما يجب أن تطرحه شخصيًا)، أنكم كأطفال في المسيح يجب أن تنموا...

إن الخطية هي التي تحطم فينا كل شهية وتذوّق لكلمة الله، ولكننا إذ نطرحها مرة وإلى الأبد فإننا سنسير قدمًا إلى اشتهاء الكلمة المقدسة، باعتبارها ضرورة كاللبن للطفل المولود الآن. ونحن إذ نفعل هذا سنختبر كم أن الرب طيب، وأن كلمته صالحة.

المجموعة: حزيران June 2014