تموز/آب July/August 2014

الدكتور القس ميلاد فيلبسجدعون معناه الضعف، وكان حاطبًا قاطعًا متمرسًا. هذا ساعده على هدم مذبح البعل. كان يسكن في عفرة يهرّب حنطة من المديانيين، فطلب أهل المدينة موته لإقدامه على هدم المذبح، فاقترح أبوه بأن يدافع البعل عن نفسه. أخيرًا جمع معه منسى وأشير وزبولون للقتال وانتظر معجزة. انتهت الحرب بأن قبض على غراب وذئب أميرَي مديان. طلب الشعب أن يملّكونه ملكًا عليهم فرفض قائلاً: "الرب يتسلّط عليكم"، فقد نظر الى نفسه بأنه ليس إلا رغيف شعير. والآن دعونا نجيب عن سؤال جدعون وأمثاله "لماذا أصابتنا كل هذه؟" في ثلاث كلمات:

أولا: العلامات

قديمًا وضع لعازر الدمشقي شروطًا في اختيار زوجة سيده أولها أن تكون مثل سيده في وفاق مع الله، وتسافر معه، وتسقيه وجماله ليتأكد أنها المعينة من الله. ثم أخذ يشكر مصليًا ويتفرّس في تصرفات الفتاة بروح الصلاة متسائلاً: هل هذا عمل الله؟ وهل هو أمر معقول ولا يخالف حكم العقل الروحي المدرّب؟ ألم يقل الكتاب "القرعة تُلقى في الحضن، ومن الرب كل حكمها". هنا نرى جدعون وقد وضع علامات أمام الرب أولها "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فاصنع لي علامة أنك أنت تكلمني". وهل يتجاوب الرب مع منطقنا البشري؟ فصنع له لحمًا وفطيرًا حسب قوله، ومدّ ملاك الله طرف عكازه فصعدت نار من الصخرة وأكلتهما معًا. من هنا بدأ اختبار جدعون الروحي، فبنى مذبحًا للرب ودعا اسمه "يهوه شلوم إله السلام". ويضع كلمة عدم إيمانه "فإن كان" وجهًا لوجه أمام كلمة الله الذي لا يمكن أن يكذب "فها إني واضع جزة الصوف في البيدر، فإن كان طلّ على الجزة وحدها، وجفاف على الأرض كلها، علمت أنك تخلص بيدي إسرائيل كما تكلمت". وكان كذلك، يا للعجب! يا لها من نعمة متنازلة! فبدلاً من توبيخ عدم إيمانه، يدعمه الله بنعمة وأدلة فائقة. ما زال جدعون يتطلب زيادة في التثبيت "فقال لا يحمَ غضبك عليّ فأتكلم هذه المرة فقط أمتحن هذه المرة فقط... فليكن جفاف في الجزة وحدها وعلى كل الأرض ليكن طل. ففعل الله كذلك في تلك الليلة. فكان جفاف في الجزة وحدها وعلى الأرض كلها كان طل". يا للنعمة غير المحدودة والصبر الذي لا ينفد!

إن التعويل على القرعة والعلامات كثيرًا ما يتعارض مع الإيمان والثقة بالله الذي يهدي الخطوات حيث يشاء "أرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك" (مزمور 8:32). قد تكون العلامة ضرورية إذا كان الإنسان أمام أمرين متساويين في الجودة والصلاحية كقوله "القرعة تبطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء".

بكى أحد أصدقائي عندما تضاربت أقوال الأطباء بخصوص بتر رجله، وصلى أمام الرب وفتح كتابه المقدس فوقعت عيناه على القول  الإلهي الوارد في أمثال 26:3 "ويصون رجلك من أن تؤخذ". "آمنت يا ربي فأعن ضعف إيماني".

ثانيًا: التصفيات

إن صوت بوق جدعون الواضح والمحرك للنفس قد جمع حوله جمهور كبير، وكان لا بد أن يُمتحن، فالبعض مجرّد مقلّدين لإيمان آخرين، والبعض يسعون وراء أغراض بدون الشعور بالدعوة الشخصية. وأجازهم الرب في عدة اختبارات، وفي الاختبار الأول رجع من الشعب اثنان وعشرون ألفًا وبقي عشرة آلاف. إنه نتيجة نداء لكل خائف ومرتعد. ولكن بقي هناك اختبار آخر لرفقاء جدعون. "وقال الرب لجدعون: لم يزل الشعب كثيرًا. انزل بهم إلى الماء فأنقّيهم". "وكان عدد الذين ولغوا بيدهم إلى فمهم ثلاث مئة رجل. وأما باقي الشعب جميعًا فجثوا على ركبهم لشرب الماء" (قضاة 4:7-7). واختار الله ثلاثمائة فقط! والسؤال هو: هل نحن مستعدون للتخلي عن الذات؟ يجب أن ننزل الى ماء الكلمة لفحص النفس وغسل القلب. قد يحتاج المؤمن إلى امتحان نفسه "ولكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس" (1كورنثوس 28:11). هذا الامتحان هو واجب على كل مؤمن تجاه موت المسيح وعشائه المبارك، وضرورة لاعترافه بأخطائه لله أو الناس. وهنا لا مجال للشك في إيماننا، فالمخلَّص مضمون أبديًا، ومقدَّس في الرب اختباريًا. أما امتحاننا في 2كورنثوس 3:13-5 "إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيّ... جربوا أنفسكم، هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم" لأنهم كانوا يطلبون برهان المسيح المتكلم فيه، وكان وجودهم في دائرة الإيمان برهانًا كافيًا وردًّا على المشككين في رسوليته.

طلب الرب من حوباب أن يقود الشعب في البرية بما أنه يعرف المنازل في الطريق فيكون لهم كعيون (عدد 10)، ويظهر أن حوباب قد رفض هذا الأمر، فكان تابوت الرب يتقدّمهم ليدلّهم على أمكنة نزولهم في كل الطريق في البر والبحر والجبل والصحراء "يهدينا حتى الموت". لذلك إذا كنت تريد أن تكون تعسًا فانظر إلى داخلك، وإذا أردت أن ترتجف فانظر إلى ما حولك، وإذا أردت أن تكون مطمئنًا فانظر إلى ما هو فوقك، تطلع إلى يسوع.

وطمأن الرب جدعون بالقول: "الرب معك". يا لها من نعمة متنازلة! بدلاً من توبيخه على عدم إيمانه نرى أن الرب يدعمه.

توجد ثلاثة مصادر لما يسمى إرشادًا، فقد يكون الإرشاد من النفس، أو من الشيطان، أو من الله، ولما لا تعرف ماذا تفعل فالأفضل أن لا تعمل شيئًا بل تتأكد أولاً من صوت الله. لا تأخذ رأي الجاهل والحاسد والمتكبر. فالجاهل يزيدك جهلاً، والحاسد يسقطك أرضًا، والمتكبّر لا يريد لك نجاحًا. قال ميخائيل فراداي مكتشف خواص الكهرباء: "لماذا يضلّ الناس وعندهم الكتاب المقدس المبارك لإرشادهم". هل بعد هذا نتعجب لاختبار وفحص كل شيء في خدمة الله؟ إن خدمة المسيح شيء خطير جدًا ومقدس للغاية.

 

ثالثًا: المعجزات

قديمًا قال قبطان سفينة: إني تعوّدت أن أحافظ على طريقي بمراقبة العلامات الموضوعة للسفن في البحار، ولكن يحدث أن يأتي ضباب كثيف يخفي هذه العلامات، وعندئذ أعتمد على التخمين. هنا يستخدم الرادار. "للإنسان تدابير القلب ومن الرب جواب اللسان".

في وسط هذه الانتصارات لنا سبعة عوامل معجزية: أولها ثلاثمائة جندي وهو عدد قليل، وجرار فارغة وهي أدوات لا قيمة لها، واللغو كالكلب علامة على السرعة في الشرب، ومشعل مضاء لأنكم أنتم نور العالم، وسيف باليد إشارة لسيف الروح أو كلمة الله، وصرخات "للرب ولجدعون" كما فعل إيليا أيضًا عند إصعاد المحرقة كنوع من الصلاة وإعلاء اسم الله عاليًا، وأخيرًا أبواق هتاف كما فعلوا قديمًا حول أسوار أريحا، وهي فرحة الإيمان والثقة في انتصارات الله. أليس هذا ما يفعله الله دائمًا مع شعبه؟ لقد اتخذ عامود السحاب أوضاعًا ثلاثة قديمًا حسب اقتضاء الظروف. فعند البحر الأحمر استقر خلفهم ليفصل ويمنع الأذى، وفي أثناء السير كان يسير أمامهم ليلتمس لهم منزلاً آمنًا قائدًا وهاديًا، وأخيرًا لما تم عمل خيمة الاجتماع استقر فيها ليكون في وسطنا ومعنا وهذا يعلمنا أن الله معنا.

سأل أحد المشككين ستانلي جونس: أين صرح المسيح نفسه عن بنويته لله؟ ولم يكن جونس مستعدًا للإجابة عن هذا السؤال، فصام وصلى وطلب وجه الرب، وفتح كتابه على إنجيل يوحنا ووجد في الأصحاح التاسع قول المسيح للأبرص: "أتؤمن بابن الله؟ أجاب ذاك وقال: من هو يا سيد لأؤمن به؟ فقل له يسوع: قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو" (يوحنا 35:9-38).

كتب شاعر كبير شعرًا جميلاً بالإنجليزية:

الليلة الماضية اعترف لي ابني الصغير بخطأ من أخطاء الأطفال وجثا مستندًا على ركبتي وصلّى بدموع: يا الله العزيز، اجعلني رجلاً كدادي، عاقلاً وقويًا. أنا أعرف أنك تستطيع. وبعد أن نام جثوت بجوار فراشه واعترفت بخطاياي وصليت مطأطأ الرأس: يا رب، اجعلني طفلاً كطفلي هنا، طاهرًا بلا غش واثقًا بك بإيمان وإخلاص. هذا هو طريق الانتصار، فهل تصلي صلاة الابن أو صلاة الأب الآن؟ (سنة 1965).

المجموعة: تموز/آب July/August 2014