الدكتور القس لبيب ميخائيلبدأ المسيح شهادته عن نفسه بكلمات تستدعي التأمل والتفكير إذ قال: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقًا." (يوحنا 31:5) وهو بهذه الكلمات يقول: إن شهادة إنسان وحده عن نفسه لا تصدَّق، فالشهادة القانونية لا بد أن تكون على فم شاهدين أو ثلاثة، وقد استطرد المسيح قائلاً لليهود الذين أحاطوا به: "الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌّ. أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. وَأَنَا لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ." (يوحنا 32:5-34)

واستطرد بعد ذلك قائلاً:
"وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي. وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي... فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي." (يوحنا 36:5-37 و39)
استشهد المسيح بشهادة يوحنا المعمدان، وشهادة الأعمال التي يعملها، وشهادة الآب، وشهادة الكتب الموحى بها من الله، وبهذا أثبت أن شهادته عن نفسه هي حقّ.

بماذا شهد المسيح عن نفسه؟

شهد المسيح عن نفسه أنه نور العالم فقال: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يوحنا 12:8)
والمسيح هو نور القلب: "لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (يوحنا 12:8)
والمسيح هو نور العقل: قال بولس الرسول للقديسين في أفسس: "لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي، كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ." (أفسس 15:1-18)
والمسيح هو نور الحياة، إذ قال: "من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يوحنا 12:8)
فمن يتبع المسيح يعيش حياته كلها في نوره، ولهذا كتب يوحنا الرسول كلماته: "وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ." (1يوحنا 5:1-7)
شهد المسيح عن نفسه أنه الباب إذ قال: "أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى." (يوحنا 9:10)
فالمسيح هو الباب الوحيد للخلاص "إن دخل بي أحد فيخلص." "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص." (أعمال 12:4) فالخلاص من عبودية الخطية، والخلاص من عذاب الشعور بثقل الخطية، والخلاص من دينونة الخطية، كل هذه البركات ننالها بالإيمان بالمسيح المصلوب وحده.
والمسيح هو الباب إلى الحرية "إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى." (يوحنا 9:10) فمن يلجأ للمسيح ويؤمن به مخلصًا شخصيًا لنفسه، يتحرّر تمامًا من العبودية، ويختبر الحرية من الخطية، ويدخل إلى محضر الرب، ويخرج للخدمة المثمرة.
والمسيح هو الباب إلى المرعى الخصيب، إذ يُغنّي من يقبله مخلصًا وربًا مع داود النبي قائلاً: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضر يربضني." (مزمور 1:23-2)
شهد المسيح عن نفسه بأنه الراعي الصالح فقال: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يوحنا 11:10) وقد بذل المسيح نفسه عن خرافه إذ مات على الصليب ليفديهم. وتكلم المسيح الراعي الصالح عن خرافه فقال: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ." (يوحنا 27:10-30)
شهد المسيح عن نفسه أنه القيامة والحياة، إذ قال لمرثا أخت لعازر قبل أن يقيم لعازر أخاها من الموت: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا." (يوحنا 25:11) ولكي يؤكد أنه القيامة والحياة قال لمن أحاطوا بقبر لعازر: "ارفعوا الحجر." ثم صرخ بصوت عظيم: "لعازر هلمّ خارجًا." فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: [حلّوه ودعوه يذهب.]" (يوحنا 44:11)
وفي مناسبة أخرى قال المسيح عن نفسه: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ... لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ." (يوحنا 25:5 و28)
فالأموات بالخطية حين يسمعون الآن صوت ابن الله ينالون الحياة، والذين في القبور سيسمعون صوته حين يأتي، ويخرجون من قبورهم بعضهم لقيامة الحياة وبعضهم لقيامة الدينونة.
شهد المسيح عن نفسه أنه الطريق والحق والحياة، فقد قال لتوما: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14) وقد شرح هذا الإعلان بكلماته: "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ." (متى 27:11) فالمسيح هو الطريق لمعرفة الآب لأن ليس أحد غيره يعرفه. وهو الحق المتجسد، وهو الحياة لأن "فيه كانت الحياة." (يوحنا 4:1)
ومعرفة الآب للابن، ومعرفة الابن للآب معرفة متبادلة، فوق العقل البشري. فالعقل البشري مادي لا يعرف إلا ما يراه ويلمسه. ومن هنا يحتاج إلى إعلان خاص من الابن لمعرفة الآب. كذلك يحتاج الإنسان للروح القدس لمعرفة حقيقة المسيح، "وليس أحد يقدر أن يقول: [ يسوع ربّ] إلا بالروح القدس." (1كورنثوس 3:12) وبدون إعلان خاص من المسيح يبقى الإنسان في جهله التام لحقيقة الذات الإلهية.
شهد المسيح عن نفسه قائلاً: "أنا هو الألف والياء. الأول والآخر." (رؤيا 11:1) ومعروف أن الألف هي الحرف الأول من حروف الهجاء، وقد أعلن بكلماته "أنا هو الألف والياء" أنه أزلي الوجود فلا حرف قبل الألف. ومعروف أن الياء هي آخر حروف الهجاء، ويعني أنه وحده الذي كملت فيه النبوات، وهو آخر من جاء وكلّمنا الآب فيه كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ." (عبرانيين 1:1-2)
وباعتبار المسيح "الياء، فهذا يعني أن كل من يأتي بعده ويدّعي أنه رسول من عند الله نبي كذّاب، فشهادة المسيح عن نفسه واضحة كالنور في الظلام، إذ قال: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية..." (رؤيا 8:1) هو "الياء"، و"الياء" آخر حروف الهجاء وعندها يتوقف الكلام.
هذه شهادة المسيح عن نفسه، ومن يؤمن بهذه الشهادة يعيش حياته في النور، ويدخل إلى المرعى الخصيب؛ هناك يسدّد الله كل احتياجاته بحسب غناه في المجد (فيلبي 19:4)، ويتيقّن مِن ضمان خلاصه ضمانًا أبديًّا إذ هو محفوظ في يد الآب والابن حيث لا تستطيع قوات الظلام أن تمسّه بسوء، وأنه سيقضي أبديته مع المسيح فاديه ويذهب إلى المكان الذي قيل عنه: "ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان: ما أعدّه الله للذين يحبونه" (2كورنثوس 9:2) حيث يلتقي بالقديسين الذين سبقوه.
فيا قارئي الكريم، هل تقبل شهادة المسيح عن نفسه لتنال كل هذه البركات؟
افعل هذا واختبر حلاوة وغنى الحياة مع المسيح.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2015