القس منير سليمان"إذا تواضع شعبي... ورجعوا"

تحدثنا في الحلقة الماضية عن: التوبة في معناها، أي تغيير المسار، والتوبة في ضرورتها وذكرنا:
1- لأن الحياة مجهولة وقصيرة
2- للنجاة من الهلاك الأبدي
3- لغفران الخطايا
4- للتمتّع بالحياة الأبدية
ونتحدث في هذه الحلقة عن توبة المؤمنين. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يحتاج المؤمنون إلى توبة؟

قال المبشرّ مودي في عظة له في نورث فيلد: "لقد تبت عشرة آلاف مرة منذ أن عرفت المسيح."
وقال أيوب: "لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد." (أيوب 5:42)
ويقول الروح القدس لكنيسة أفسس: "فاذكر من أين سقطت وتب." (رؤيا 5:2) وأيضًا يقول لملاك كنيسة اللاودكيين: "فكن غيورًا وتب." (رؤيا 19:3). ومزمور 51 نرى فيه توبة داود الذي قال أيضًا: "أعوّم في كل ليلة سريري بدموعي." (مزمور 6:6)
قال أحدهم: "يلزم للمؤمنين توبات كثيرة لا عن زلة فحسب بل عن خطايا الإهمال، والكسل، وعدم الخدمة، وضعف الشهادة، وعدم عمل الخير."
وبالإضافة إلى هذه القائمة، يجب على المؤمنين أن يتوبوا عن الكبرياء، والرياء والمحاباة، وظن السوء، والطمع، والحسد، والعناد، وعن أعمال الجسد. "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذاك خطية له." (يعقوب 17:4) و"فكر الحماقة خطية." (أمثال 9:24) و "إن كل كلمة بطّالة (غير مفيدة) يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين." (متى 36:12)
نحتاج كمؤمنين أن نفحص نفوسنا في كل يوم ونتوب عن كل خطأ وخطية في حياتنا.
التوبة الحقيقية تنتج ثمرًا: "فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة." (متى 7:3-10) فماهي ثمار التوبة؟ أذكر هنا بعضها على سبيل المثال وليس الحصر:

1- الحياة الجديدة، وقبول المسيح ربًا ومخلصًا شخصيًا. بالنسبة للخاطئ، فالتوبة من غير إيمان كالجسد بدون الروح. كما أن الإيمان بدون أعمال فهو ميت. "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت." (رومية 9:10-10) "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2كورنثوس 17:5)
التوبة وقبول المسيح بالإيمان ينتج عنه تغيير الحياة تمامًا.
2- الشهادة: بعد شفاء المسيح لمجنون كورة الجدريين قال له: "اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك. فمضى وابتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع." (مرقس 19:5-20) ويستطيع المؤمن أن يشهد لعمل نعمة المسيح فيه بعدة طرق:
أ) شهادة المعمودية: يقول الكتاب عن الثلاثة آلاف الذين خلصوا على يد بطرس "فقبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس." (أعمال 41:2)
ب) شهادة الكلام: تركت المرأة السامرية جرتها وذهبت إلى مدينتها وشهدت لهم. "فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه: قال لي كل ما فعلت." (يوحنا 39:4)
ج) شهادة الحياة: يقول الكتاب عن يوسف: "ورأى سيده أن الرب معه، وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده." (تكوين 3:39)
د) شهادة الدم لأجل المسيح، الذين يُقتلون لإيمانهم بالمسيح. كان استفانوس أول شهيد في المسيحية؛ "ولما فتح الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم." (رؤيا 9:6)

3- الشركة
أ) الخلوة اليومية مع الله: قراءة الكلمة والصلاة بانتظام (أعمال 42:2) "وكانوا يواظبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات."
ب) الشركة مع المؤمنين، الانضمام إلى كنيسة كتابية، حيث يتغذّى فيها المؤمن ويتعزّى ويخدم ويمارس الفرائض المقدسة.
4- ردّ المسلوب كما فعل زكا (لوقا 8:19) "فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف."

5- ظهور ثمر الروح في الحياة اليومية: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ." (غلاطية 22:5-23)
دخل أحد الإنجليز بيته بلندن فوجد على درجات البيت فتاة حسنة الهندام، ولما رأته اعتذرت له بالقول: إن كلبًا هاجمها فاضطرّت أن تلجأ إلى مدخل بيته، فصدقها الرجل وأمر لها ببعض المرطبات، ثم انصرفت. وفي المساء افتقدت زوجة الرجل ساعتها الذهبية فلم تجدها فتحقّق الاثنان أن فتاة الصباح لم تكن إلاّ محتالة. ومرت على هذه الحادثة خمس عشرة سنة، وإذا بطرد يأتي للرجل بالبريد، ولما فتحه وجد به الساعة الذهبية التي فقدت منذ هذه المدة الطويلة ومعها كلمة قصيرة تقول: "لقد غيّر الإنجيل قلبي، ولذلك عزمت على أن أردّ لكم ساعتكم."
هذه هي حياة التوبة الحقيقية. إن برهان التوبة الحقيقية هو ثمر الروح في حياتنا اليومية وفي سلوكنا وعلاقاتنا ومواقفنا.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2015