القس بسام بنورةكثيرًا ما يهمل الناس وعودًا ثمينة، ويسيرون في طريق تقودهم في نهايتها إلى الحسرة والندم.
صحيح أن هناك وعودًا ثمينة ووعودًا كاذبة. من يشاهد الدعايات في التلفزيون، فإنه يسمع عن منتجات كثيرة، وتقول الدعاية أن من يشتري هذا الصابون أو هذا الشامبو سيصبح في غاية الأناقة والجمال، ومن يستعمل هذا الجهاز سيصبح مشهورًا وجذابًا ورشيقًا، ويصدّق النّاس الدعايات، ويشترون البضاعة التي رأوها في التلفزيون، ولكنهم سريعًا ما يصابون بخيبة أمل فظيعة.

ولكن عندما نأتي إلى الله، فإن كل شيء مختلف: فوعود الله صادقة وأكيدة وثمينة، وخصوصًا وعود القيامة.
قدَّم الله لنا في القيامة ثلاثة وعود أكيدة وصادقة ومجيدة، وهذه الوعود هي لنا اليوم، كما كانت للكنيسة على مدى التاريخ، وستبقى هذه الوعود صادقة حتى عودة ربنا يسوع المسيح مرة ثانية إلى العالم.
وقبل الحديث عن وعود القيامة، دعونا أولا ننظر معًا إلى حالة النسوة اللواتي ذهبن قبل أكثر من ألفي عام إلى قبر الرّب يسوع المسيح صباح أحد القيامة.
وفجأة تغيّر كل شيء، ووجدن ما لم يكن في الحسبان: فالحجر قد دُحرجَ عن القبر، ولم يكن جسد الرّبّ في القبر. ولكن الذي يلفت النظر هنا هو أنهنَّ لم يدركن ما الذي حصل، حيث نقرأ في الآية 4 أنهنّ كنَّ محتارات، ولو سألنا: لماذا كنَّ محتارات، لجاءنا الجواب سريعًا وهو أنهنَّ نسين وعد الرّبّ بأنّه سيقوم وبأنّه سيهزم الموت، وبأنّه في قيامته سيعطينا القيامة والحياة الأبدية.
أجل، حتَّى النسوة في لحظة الحزن والألم نسين وعد القيامة، ولذلك كان لا بد من تذكيرهنَّ بهذا الوعد، وهذا ما عمله الملاكان اللذان ظهرا بصورة رجلين وقالا للنسوة في الآيات 5-7 "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ وَيُصْلَبَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ".
اشتمل كلام الملاكان على حقائق كثيرة، ولكن في البداية دعونا ننتبه لكلمة "أذكرن"، أي أن الملاكان ذكَّرا النسوة بكلمات ووعود الرّبّ يسوع المسيح له المجد. بعد ذلك نقرأ في الآية رقم 8 قول الإنجيل المقدس أنهنّ "َتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ" أي إن النسوة احتجن لمن يذكرهن بكلمات الرب يسوع، وبأنهن تذكَّرن فعلًا كلامه له المجد.
والسؤال الذي يتحدّانا اليوم: هل نتذكر نحن اليوم كلمات ربّنا يسوع المسيح كما تذكرت النسوة كلماته؟ أجل: هل نتذكر ما يجب علينا أن نتذكّره؟ أم أن ذاكرتنا انتقائية، فنتذكّر ما نريد، ونتناسى ما لا نريد؟ هل نتذكّر الأشياء الجميلة، ونتناسى الأشياء المؤلمة والحزينة؟ هل نتذكّر واجباتنا تجاه الله والنّاس، أم نتناساها أو ننساها في انشغالنا بأمورنا الشخصية؟
صلاتي أن نتذكّر كلمات الرّبّ يسوع دائمًا. نعم: ليتنا نتذكّر كلماته في وقت الفرج والفرح كما في وقت الضيق والحزن. في وقت الصحة كما في وقت المرض. هل نتذكر أعظم وصية له: أحبوا بعضكم بعضًا. وهل نحب حقًا بعضنا البعض؟!
هل نتذكر وعده الصادق: "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر؟" و "من آمن بي له حياة أبدية؟" و "دم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كل خطيّة؟" أجل، هل نتذكر أنه لا خلاص ولا غفران ولا فداء إلا بدم يسوع المسيح له المجد؟
ذهبت النسوة إلى القبر متذكرات فقط موت الرّب يسوع على الصليب، أي إنهن نسين وعده بالقيامة: هذا الوعد الرائع والمجيد والأكيد! بل أكثر من ذلك، ذهبن كما قال لهن الملاكان: "يطلبن الحيَّ بين الأموات"، لقد افتكرن أن يسوع ميت، واحتجن أولًا أن يتذكرن أنَّه حي، وكذلك احتجن أن يتذكرن بأن البحث عن الحي يجب ألا يكون في القبور بين الأموات، بل هو حيٌ ويُطلَب بين الأحياء، بل إنه رئيس الحياة.
طلبت النسوة ربنا يسوع الحي بين الأموات. ونحن اليوم لا نختلف عن النسوة، لأننا ما زلنا نطلب الله الحي بين الأموات في الذنوب والخطايا. نطلبه بين الأموات روحيًا، وصدقوني إننا لن نجده هناك أبدًا. فالرّبّ يسوع الحي يعيش مع الأحياء روحيًا. الرّبّ يسوع يريد كنيسة حية روحيًّا. كنيسة تمجّد وتعظّم اسمه القدوس.
نحن نبحث عن الله الحي بين الأموات عندما نقرأ الكتاب المقدّس باعتباره مجرد كتاب تاريخ وقصص وليس كلمة الله الحية والمغذية والمشبعة. نبحث عن الله الحي بين الأموات عندما نذهب إلى الكنيسة بدافع الواجب والتقليد وليس بدافع المحبة لله واشتياقًا لتمجيد وتسبيح اسمه القدوس. كذلك نبحث عن الرّب يسوع بين الأموات عندما نعيش في الخطية، وعندما نضيع وقتنا في أمور ثانوية وننسى أو نتناسى أن نعيش بحسب إرادة الله.
واليوم، ونحن نحتفل بذكرى قيامة الرّب يسوع له المجد، دعونا نبحث عنه في صلواتنا، وقراءتنا للكتاب المقدس. وفي حياتنا اليومية وعلاقاتنا مع الله والنّاس والذات. دعونا في ذكرى قيامة الرّب يسوع أن نتذكر أنه قد مات وقام من أجلنا: أجل لقد صلب من أجلي ومن أجلك. فنحن لسنا مجرد أرقام، بل نحن في نظر الله أشخاص مميزون ولنا قيمتنا: فالله يحب كل واحد منا بشكل شخصي، وهو يريد لكل منا الحياة الأفضل في هذا العالم، والحياة الأبدية معه في السماء.
دعونا نتذكر في ذكرى القيامة أن الرّب يسوع حي، وهذا مصدر فرح وعزاء لنا: إلهنا حي، وهو يسمع لنا ويشعر بآلامنا، ويعرف ضعفاتنا، ويريد أن يغفر لنا خطايانا، وأن يطّهرنا إلى التمام بدمه الطاهر الذي انسكب على صليب الجلجثة.
دعونا نتذكر في ذكرى القيامة أن الرّب يريد أن يغير حياتنا إلى الأفضل: يريد أن يعطي الرجاء بدل اليأس، والفرح بدل الحزن، والحياة بدل الموت، والانتصار على الشّر والخطيّة بدل الحياة في مستنقع الرذيلة. في القيامة يريد منا الرّب أن نقوم معه إلى حياة جديدة. أن نترك الخطية تائبين وطالبين منه أن يطهرنا بدمه الثمين.
دعونا نتذكر في ذكرى القيامة ثلاثة وعود رئيسية وأساسية: وعد الصّليب ووعد القبر الفارغ ووعد الأكفان الفارغة.

أولًا: وعد الصليب الفارغ

لم يبقَ جسد الرّب ميتًا ومعلّقًا على الصّليب، فالصّليب فارغ مما يعني أن الموت قد تم وانتهى، وأنه بموت الرّب يسوع تم الخلاص لكل من يقبل هذا الخلاص. لقد سفك ربنا يسوع دمه على الصّليب ليعطينا غفران الخطايا ووعدنا من خلال الصّليب بالغفران. فكل من يعترف بخطاياه التي ارتكبها بأفكاره أو نظراته أو أقواله أو أعماله أو إهماله وتقصيره وعدم إيمانه، كل من يعترف بهذه الخطايا ويأتي إلى الصّليب، ويطلب الغفران، فإن دم الرّب يسوع المسيح يطهّره من كل خطية. إن عقاب الخطية هو الموت. والمسيح احتمل عقابنا ويريد أن يعطينا الغفران.
يذكّرنا الصّليب بفظاعة الآلام التي احتملها الرّب يسوع، ولكنه في نفس الوقت يذكّرنا بعظمة محبة الله لنا نحن البشر الخطاة، يذكّرنا الصّليب أن عقاب خطايانا قد دفع بأعظم ثمن، وهو دم المسيح. وعد الصّليب هو وعد غفران الخطايا لكل من يتوب عنها ويؤمن بشخص الرب يسوع.

ثانياً: وعد القبر الفارغ

عندما نتذكّر أن قبر الرّب يسوع فارغ علينا أن نعرف أن الموت قد هُزِمَ إلى الأبد. أجل إن قبر الرّب يسوع فارغ، لأنه حي، ويوجد في قيامته وحياته وعد عظيم وأكيد لنا وهو وعد القيامة والحياة. لقد كسر الرّب يسوع شوكة الموت، لذلك فنحن علينا ألا نخاف الموت. لأن موتنا سيبتلع بالقيامة والحياة مع ربنا المُقام إلى الأبد.

ثالثًا: وعد الأكفان الفارغة

نقرأ في الآية 12 أن "بُطْرُسُ َرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ." وجود الأكفان فارغة وموضوعة لوحدها في القبر يعني بكل بساطة أن الرّب يسوع قد قام. يعني أنه حي ولا يحتاج إلى كفن الموتى. ولأنه حي فهو يريد أن تكون له علاقة مع الأحياء. ولذلك ظهر سريعًا لمريم المجدلية ولجميع التلاميذ، وتحدّث معهم، وجلس معهم، وأكل معهم. أجل أيها الأحباء: إن في رؤية الأكفان الفارغة تذكير لنا بأن الرّب يسوع حي، وبأنه يريد أن تكون له علاقة حية معنا. إنه يريد أن نعرفه شخصيًا لا أن نعرف عنه بعض الحقائق التاريخية، وشتان ما بين المعرفة عن الرّب يسوع ومعرفة الرّب يسوع شخصيًا. وعد الأكفان الفارغة هو أن الرب يسوع الحي والمقام من بين الأموات سيكون معنا دائما في غربتنا في هذا العالم وفي الحياة الأبدية في السماء.
لقد مضى أكثر من ألفي عام على صلب ودفن وقيامة الرّب يسوع. وفي صباح أول يوم أحد على القيامة، ذهبت النسوة دون إدراكهن لوعد الرّب يسوع الرائع بالقيامة.
لدينا اليوم الإنجيل ونعرف كل الحقائق المتعلقة بموت وقيامة الرب يسوع:
نعرف أن الصّليب فارغ، وهذا وعد لنا بغفران الخطايا. ونعرف أن قبر الرّب يسوع فارغ، وهذا وعد لنا بالقيامة والحياة الأبدية. ونعرف أن كفن الرّب يسوع كان فارغًا، أي إنه حيٌ إلى الأبد، ويريد أن تكون لنا علاقة حيّة معه.
أجل، لدينا في صلب الرّب وقيامته وعد بغفران الخطايا وبالحياة الأبدية وبالعلاقة الحيّة مع رب المجد يسوع المسيح. فهل تصدق عزيزي القارئ هذه الوعود؟ هل تقبل هذه الوعود؟ هل تقول للرب يسوع الآن: أنا أعترف لك بأنني إنسان خاطئ، أنا أصدّق وعدك بالغفران، أرجوك أن تطهّرني بدمك الطاهر والثمين.
الرّب صادق بوعوده. فاقبلها وصدقها الآن. واطلب منه بالإيمان أن تنال الغفران والحياة الأبدية، ودعه يحيا معك إلى الأبد.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2015