/MiladPhiliposهل تعلم أن لينين حين أسس الشيوعية وأشاعها في العالم في سنة 1904، لم يكن أتباعه يزيدون عن سبعة عشر شخصًا. ثم أصبح عددهم في سنة 1948 نحو أربعين ألفًا، واستطاعوا أن يملكوا زمام مائة وستين مليونًا، لماذا؟

لأنهم ليسوا مثلنا نحن المسيحيين، بل كانوا تلاميذ مجتهدين يؤمنون بما يقولون وبما يقرأون. لذلك اكتسحوا العالم آنذاك. اليوم بإمكاننا أن نقول واثقين بأن الخطر الذي يهدد العالم ليس خطر الشيوعية بل الإرهاب، والكساد الاقتصادي، والتلوّث، والهجرة غير المشروعة، واستعراض القوى الدولية، وتقلّص المناطق الزراعية، وتغيّر الجوّ، وقلة مخزون المياه، وسيادة المبادئ الدينية، وقلّة التصنيع، وكثرة الفلسفات الفارغة، وترويج المخدّرات، وهدم العلاقات الأسروية، وترويج الثقافات، والخزعبلات المدمّرة. هذا ما دعا المسيح أن يقول لأتباعه:
"إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني." هذا الاتّباع يقودنا لأربعة نقاط هامة:

أولاً: الاختيار الصحيح

ما هي مشكلة الناس اليوم؟ إن مشكلتهم تنحصر في الكلمة الثانية "أراد". هناك أناس يريدون أن يتبعوا يسوع، لكن يوجد ثلاثة أنواع من الإتباع: الأول كما تبعه بطرس من بعيد، والثاني فئة أخرى لا تريد اتّباعه، والثالثة يتبعونه عن قرب. إن المشكلة ترجع إلى مسألة الإرادة. بولس واجهته هذه المشكلة في رسالة رومية والأصحاح السابع فقال: "أجد... حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي... ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت؟"؛ "ولكن شكرًا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح."
إن مشكلة الاختيار هي مشكلة الإرادة القاصرة، لكن وجدنا لها حلاً في المسيح والذي فيه نهتف "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني." والسؤال هنا: هل نقدر أن نختار؟ نعم! اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها إلى الأبد. إن مهمتنا أن ندعو الناس إلى قرار الاختيار الصحيح ولو دروا لأتوا إليه سريعًا "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟"، وقالوا: "هذا حبيبي، وهذا خليلي، يا بنات أورشليم". والقول الثاني:

ثانياً: المكان الصحيح

"إن أراد أحد أن يأتي ورائي..." حسن أن نأتي إلى المسيح، لكن أين يجب أن يكون مركز يسوع في حياتنا؟ وأين يجب أن يكون مركزنا؟ إن كان المسيح في المقدمة، فقل: "خيرًا"! مجدًا! أما إن جعلناه وراءنا فقل: "على الدنيا السلام". ينبغي أن يكون هو متقدِّمًا في كل شيء، ويحتلّ في حياتنا المكانة الأولى "اجذبني وراءك فنجري".
"يأتي ورائي"، أي كما يفعل يسوع نقتفي آثاره، وكما ضحّى يسوع نتمثّل به. إنه في الأمام ونحن وراءه نقلّده بالضبط. في مستهل حياتي كان البعض يلقّبونني باسم أبي لأن شكلي يشبهه، وحركاتي تتماثل وإياه، وكلامي ككلامه. يا ليت الناس تسمّينا بيسوع الصغير، مسيح صغير على الأرض. إذًا "يأتي ورائي" تعني أن يكون يسوع هو الكل فنفتخر به "أما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح." آه، لو استحوذ يسوع على حياتنا، وتذوّقنا الشركة معه لصرخنا: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب: إننا من أجلك نُمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقِّن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة... تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا." أجل! إن مجد العالم خزي أما صليب المسيح ففخر وانتصار. هذا يأتي بنا إلى النقطة الثالثة،

ثالثاً: الشخص الصحيح

إن الشخص الصحيح هو من "ينكر نفسه". كانت أم تسأل ابنتها دائمًا: يا ابنتي، هل أنت راضية أن تموتي؟ وكانت ابنتها دائمًا تجيبها: يا أمي لست أعلم ما تقصدين؟ جاء يوم وصارت الابنة بنتًا لله، وعندئذ قالت لأمها: قد وجدت أن هناك حربًا مع نفسي ولذلك علىّ أن أموت مع المسيح "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ."
ينبغي أن نموت عن ذواتنا "إن لم تقع حبة الحنطة (وتدفن) في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها،" وإن متنا يحيا المسيح فينا. لم يقل المسيح: "ينسى نفسه" أو "يدلّل نفسه"، أو "يقيِّم نفسه"، لأنه لو نسيت نفسك في دوامة العالم فستكون كالابن الضال الذي لما ذهب إلى الكورة البعيدة رجع إلى نفسه وإلى البركة والأحضان الأبوية والعمق الروحي. أما إن دلّلت نفسك فستكون كالغني الغبي الذي ناجى نفسه: "يا نفسُ لكِ خيرات كثيرة، لسنين عديدة كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي!" فناداه الله: "يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك..." ولا تكبّر من قيمة نفسك، فبولس كان شعاره "لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله." لذلك ما هو موقفك تجاه نفسك؟ قال يسوع: أبغض نفسك، و "إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا." القصد هو أن تسلم نفسك بلا شروط أو قيود للمسيح، فهو الشخص الوحيد الأمين على نفوسنا. إنه يرعى نفسك، ويقود نفسك، ويرد نفسك فلا تخاف شرًا.
كان على أحدهم السفر في رحلة عمل، فباع ما له واشترى لؤلؤة كثيرة الثمن، وعلى متن المركب كان يلعب بها فرحًا، لكن هبوب ريح شديدة ألقاها في عمق البحر.
لا تقامر بنفسك الغالية التي مات المسيح لأجلها! والسير وراء المسيح يأتي بنا إلى:

رابعاً: الاتباع الصحيح

إن تابع المسيح يلزمه أن "يحمل صليبه كل يوم"، وفي اتباع المسيح لنا ثلاثة أمور: يحمل صليبه، ويحمل قريبه، ويحمل عدوّه. قال لوثر: إن هناك ثلاثة أمور تبني حياة المؤمنين وهي: الصلاة والتأمل والتجربة. إذًا لنحمل صليب العار والازدراء والإهانات والشتائم والاضطهادات طواعية وباجتهاد. "يحمل صليبه"، وليس صليبي، فلكل منا صليبه. فالصليب يعني الخدمة والبذل والتضحية والتفاني لأجل المسيح. ويحمل قريبه بغفران الإساءة والعتاب الرحيم والاحتمال والمسامحة.
جاء ولد إلى أمه ليشتكي زميله الذي يضربه ويشتمه، فطلبت منه الأم أن يحضره لتقطع لسانه. ولما أحضره قدّمت له الأم الحلوى وضمّته إلى صدرها مما أثار دهشة الابن، فسألها:
- ألم تعدي بأن تقطعي لسانه، فلماذا لم تفعلي؟
في اليوم التالي استقبله هذا الزميل بكل حب وودّ وصداقة!
"إن جاع عدوّك فأطعمه. وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه."
في صباح كل يوم كان يُرى ولد يحمل شخصًا آخر أثقل منه ويذهب به إلى المستشفى، فسأله أحدهم: يا ابني، أراك كل يوم تحمل هذه الجثة الثقيلة ذهابًا وإيابًا. أجابه: إنه أخي.
أخيرًا، قال جون وسلي: أعطني مائة شخص يحبون الله بكل قلوبهم ولا يخافون سوى الخطية وأنا أهزّ بهم العالم.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2015