Voice of Preaching the Gospel

vopg

القس يعقوب عماريرأى بعض المفسرين أن يضعوا الوصية الخامسة كحلقة وسط بين مجموعتين من الوصايا: المجموعة الأولى لاهوتية تعّبدية تختصّ بعلاقة الفرد بالله وتشمل الوصايا الأربعة الأولى، والمجموعة الثانية تختصّ بعلاقة الفرد بغيره من الناس، فلا يتعدى حدود الغير، وهذه تشمل الوصايا الخمس الباقية. فالوصية الخامسة بين المجموعتين لها استقلالية مميَّزة في تسليط الضوء تحديدًا، على الأبناء دون غيرهم، فتوصيهم بضرورة تكريم والديهم، وانفردت هذه الوصية عن غيرها بأن خصّ الرب من التزم بها بالوعد بطول العمر.

ورأى البعض أن وضع الوصية الخامسة قبل قائمة المجموعة الثانية أعطاها الأولوية في الاهتمام. إذ قبل أن ينهي الله عن القتل، والزنا، والسرقة وغيرها، قال: "أكرم أباك وأمك."
وكأن الله يقول: "الإصلاح يبدأ من البيت، فمن لم ينشأ على إكرام والديه يسهل عليه أن يقع في أيٍّ من النواهي التالية." وأنتَ حتى إنْ لم تقتل أو تزني أو تسرق، فإنك بعدم تكريمك لوالديك تكون كاسرًا لوصيةٍ هي بمستوى "لا تقتل،" و "لا تزنِ،" و "لا تسرق."
واضح أن للعائلة أولوية في اهتمامات الله منذ بدء الخليقة. فكل ما عمله الله في الأيام الستة الأولى من أسبوع الخلق كان لتجهيز ما تحتاج إليه العائلة، وبعدما أكمل كل شيء خلق الإنسان وأسكنه في الجنة وقال: "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض." (تكوين 28:1)
فهو بجلاله أرسى حدودًا للعائلة لتكون: زوجًا واحدًا لزوجة واحدة، وزوجة واحدة لزوج واحد، أبًا وأمًا وأبناء وبنات، يتكاثرون ويعملون كلٌّ حسب موقعه في العائلة. ثم أفرز للبنين وصية بين عشرة وصايا لها طابع مُميَّز يؤكِّد على حقّ الوالدين من بنيهم بالإكرام، وألحقَ الوصية بوعد بطول العمر.
هناك عائلات تتميَّز في توادّها وتكريم كبارها، وتنمو العائلة وتمتد فروعها، وتستمر الفروع على ما نشأت عليه من توادٍّ واحترام.
وهناك عائلات تعاني من العزلة. فمع أنهم يعيشون تحت سقفٍ واحد، يشعر أفرادها أنْ لا شيء يربطهم بعضهم ببعض سوى أنهم يعيشون بين جدران بيت لا خيار لهم غيره.
ويُعزى ذلك إلى أكثر من سبب، وأهمها غياب الله عن جو العائلة. فعندما يكون الله رقمًا منسيًّا في العائلة، فلا صلاة ترفع، ولا إنجيل يُقرأ، ولا حضور كنيسة، ولا علاقة مع مؤمنين أتقياء، ولا تواصل مع راعي الكنيسة كالأب الروحي للرعية، ولا مشاركة فيما تقوم به الكنيسة في مجتمعها من أعمال خيرية أو أنشطة روحية، فإن أحوالًا كهذه تحيل البيت إلى صحراء جرداء بلا ماء ولا غصن شجرة خضراء. إذ في البعد عن الله شقاء وبلاء وفي القرب منه أمان وهناء.
وقد تمرّ العائلة بأزمات، لكنَّ وجود الله في حياة العائلة يُرَطِّبُ أجواءَها، ويخفِّف من معاناتها، ويمنحها القدرة على تجاوز الأزمة. فالبيت المبني على الصخر لا تزعزعه العواصف الهابَّة. في هذا قال المرنِّم:
عندما الأمواج ترغي وتثورُ النائباتْ
أحتمي في ظلِّ ربي فيه أمنٌ وثباتْ
وقال داود في مزاميره: "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك (يا رب) تُلذِّذ نفسي." (19:94) وقال: "عيناي دائمًا إلى الرب لأنه هو يُخرجُ رجليَّ من الشبكة." (15:25)
من بين الترانيم الكنسيَّة، ترنيمة نُعبِّر بها عن مدى اعتزازنا بالانتماء لله، رغم ما يمكن أن نعاني منه من أزمات. تقول الترنيمة في مقطعٍ منها:
طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم
عابرين في وادي البُكا يُصيِّرونه ينبوعًا لهم
فوجود الله في حياة العائلة يشكِّل درعًا واقيًا ضد سهام العدو التي يحاول بها أن يزعزع سلامها ويعكِّر أجواءها.
العائلة هي أقدس وأعظم مؤسسة أوجدها الله على وجه الأرض، وبدونها تصبح الأرض غابة وحوش لا يحيط بها سياج. فمن يستهين بقدسية العائلة ويعملُ على هدم سياجاتها، يُخطئ إلى مَنْ أقامها وأسّس قواعدها، فهو القائل: "الذي جمعه الله لا يفرِّقه إنسان." (متى 6:19)
منْ أبهج ما يُمتِّع النظر في أيام الآحاد رؤية عائلات الكنيسة في طريقهم إلى بيت الله، فيدخل الكبار إلى القاعة الكبرى للعبادة، ويتوزّع الصغار في غرف مدارس الأحد ليستمتعوا بدرس يتناسب مع أعمارهم، ويجلس الشبيبة والأحداث بجوار آبائهم وأمهاتهم على مقاعد الكنيسة، يشاركون في الترنيم والصلوات والاستماع لكلمة الوعظ، وبعضهم يشارك في العزف على آلات الموسيقى بأنغامها الشجية خلال فترة التسبيح. وعند انتهاء الخدمة يعود الجميع إلى بيوتهم بابتهاج والبسمة تعلو وجوههم. في أجواءٍ روحية كهذه، تعيش الأسرة في هناءٍ ووئام، وينشأ أبناؤها على طاعة والديهم وتكريمهم دون عناء.
وقد قدَّم لنا المسيح المثال الأسمى في طاعة الوالدين: فمع أنه كلمة الله النازل من السماء متجسِّدًا في أحشاء عذراء طهور، فقد شقّ طريقه في حياته على الأرض من خلال العائلة، فكانت له أمًّا قدِّيسة حافظ على صلة القربى معها حتى اللحظة الأخيرة وهو معلَّق على الصليب ينزف دمًا، فأكرمها وأوصى من يعتني بها بعد رحيله، فقال لها مشيرًا إلى تلميذه يوحنا: "هوذا ابنك،" ثم قال ليوحنا: "هوذا أمك." فأخذها يوحنا إلى خاصته واعتنى بها (يوحنا 25:19-28).
وفي طفولته وهو ابن اثنتي عشرة سنة، أثناء رحلة العودة من أورشليم إلى الناصرة مشيًا على الأقدام برفقة أمه ويوسف، الذي كان له بمقام الأب، وكان يسوع حينها يسير مع رفقة الدرب من الأحداث، شهد فيه الكتاب بالقول: "وكان خاضعا لهما." (لوقا 51:2)

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

143 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554685