القس بسام بنورةهل تتابعون الأخبار كل يوم؟ شيء يكاد ألا يصدّق ولكنه أصبح مألوفًا ومقبولًا. الموت والجروح والدّمار هي أكثر الأخبار انتشارًا. فكم عدد الذين ماتوا مؤخرًا وهم في عمر الشباب؟ وكم من رجل وامرأة يصارعون أمراضًا صعبة وميتة؟ ويبدو أن الأمراض التي يتعرّض لها الجنس البشري أصبحت بلا حدود، فعدد وأنواع الأمراض لا يمكن حصره. بل لو سألت طبيبًا: هل تعرف كم هي أنواع الأمراض والاضطرابات والمشاكل التي تواجه الجسم البشري؟ فلا تُعطى جوابًا عن هذا السؤال.

في كل يوم يضاف مرضًا جديدًا إلى قائمة الأمراض المعروفة، ونجد أسلوبًا جديدًا للموت. فالعالم يعيش في كارثة حقيقية، ولكن المشكلة الكبرى هي أن العالم أصبح بليد الإحساس. فلم يعد يهمّنا ما يحدث من الآلام حولنا. فإن مات شخص أو عشرة أو حتى مئة، لم نعد نهتم، وتبلّدت أحاسيسنا أمام آلام ومعاناة العالم، وأصبح شعار كل إنسان: اللهم نفسي، إنني بخير وبصحة وعافية، وليذهب العالم إلى الجحيم. ولكن هذه يجب ألا تكون لغة المؤمن بالرب يسوع، بل علينا أن نحب العالم ونهتم بخيره، متذكرين أن ربنا يسوع هو مثلنا الأعلى في المحبة والرعاية والاهتمام.
لا بد من الإشارة بأن الله يسمح لأشياء كثيرة أن تحدث مع أنها ضد إرادته بشكل مباشر. فالله يريد لنا الصحة، ومع ذلك يسمح بالمرض والألم حتى لفترات زمنية طويلة. هذه الحقيقة تثير سؤالًا جوهريًا ومركزيًا: لماذا؟ هل الله يهتم؟ هل حقًا يهتم الله بنا؟ عدد كبير من المؤمنين مصابون بأمراض مميتة، يتألمون ويموتون، ولسان حالنا يقول: "أين الله في مثل هذه الظروف؟"
علينا أن نتذكر أننا ما دمنا في العالم فسنعاني من آلام وشرور العالم. علينا أن نكون واقعيين. لقد أصبح الموت، والمرض، والجروح، والوجع عناوين أساسية في نشرات الأخبار اليومية، فالعالم يعيش في كارثة حقيقية.
أجل: أمام هذا الطوفان من الأمراض والموت والدمار، يبرز سؤال مهم وجوهري: هل الله يهتم؟ أو أين الله مما يجري؟! وهل يتحرك قلب الله أمام مشاهد المرض والموت والألم؟ وإن كان الله حقًا يتأثر بأحزان وأمراض الناس، فماذا نتوقع منه أن يعمل؟ وما هي الوعود التي أعطانا إياها الله بخصوص المرض والصحة؟ وهل يريد الله للناس أن يكونوا أصحّاء ومعافين دائمًا؟ هل مشيئة الله ألا يمرض أحد وخصوصًا المؤمنين؟ للإجابة عن هذا السؤال دعونا نقرأ قصة شفاء المريض المولود أعمى من إنجيل يوحنا 1:9-5 "وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ فَسَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ قائلين: يَا مُعَلِّمُ مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟ أَجَابَ يَسُوعُ: لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ".
في قصة شفاء المولود أعمى، وغيرها من القصص الواردة في الإنجيل المقدس، نجد إجابات شافية عن أسئلتنا هذه:

1. الرب يسوع المسيح يهتم بآلامنا التي نختبرها بسبب المرض

نعم، ربنا يحبنا ويهتم بنا.
قبل أن يشبع الجموع، نقرأ أنه: "تحنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ." (متى 13:14-14)
في قصة شفاء الأعميين، نقرأ: "تَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا." (متى 30:20-34)
في قصة شفاء الأبرص نقرأ أنه: "تَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ". (مرقس 40:1-42)
ويخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع عند موت صديقه المحبوب لعازر: "بكى..." (يوحنا 35:11)
تخبرنا هذه القصص والقراءات عن الرب يسوع أنه:
شفى الناس بدافع من المحبة.
شفى الناس لأنه يهتم بالناس.
تألم وبكى مع الناس. فهو لم يكن مجرد شافيًا يؤدي عملًا أو واجبًا، بل كان يتألم ويحزن مع المتألمين ويشاركهم في أوجاعهم وأحزانهم.
في الواقع، معظم الأطباء، وخصوصًا في المستشفيات، يتعاملون مع المرضى باعتبارهم أرقام أو حالات. فإن كنتِ مريضة في غرفة رقم 4 في قسم النساء فأنت رقم 4 التي معها مرض الكلى، أي أنك مجرد حالة مرَضية ورقم ولست إنسانة تتألم وتعاني بسبب المرض.
أما الرب يسوع فيتعامل معنا كأفراد لهم مشاعر وأحاسيس، وهو يتفاعل مع أحاسيسنا وآلامنا ويريد لنا الشفاء والصحة والخير.

2. ولكن الإنجيل يخبرنا أيضًا بوضوح أن الرب لِسبب أو لآخر، لا يشفي أمراضنا

هذا الكلام صعب علينا أن نسمعه: نعم، الرب الذي يتحنن ويشفي، كثيرًا ما يترك الناس في مرضهم حتى الموت. ومن الطبيعي هنا أن يسأل الناس: هل الله لا يحبنا؟ لماذا لم يشفق علينا؟ أين حنان الرب؟ الموضوع صعب، وخصوصًا على المؤمن، فكيف نتقبّل الفكرة أن المسيح لا يشفينا، وخصوصًا إن كان لنا أسرة وعائلة وأطفال محتاجين إلينا؟
أنا كأب، إذا تعرّض أي أحد من أولادي وبناتي لمرض أو حتى لجرح خفيف، فإنني مستعد لعمل أي شيء حتى يستعيدوا صحتهم وعافيتهم، وأخفف عن آلامهم. بل إنني كأب مستعد أن أضحّي بحياتي من أجل شفاء أولادي. وكثيرون منا آباء وأمهات، ونعرف معنى هذا الكلام؟
وعليه يأتي السؤال الكبير: لماذا لا يستمع لنا الله دائمًا ويشفي كل أمراضنا؟ هل إن الله لا يهتم؟ هل الله لا يحبنا؟
الجواب هو لا: فالله يهتم؟ والله يحبنا. بل إننا نقرأ في يوحنا 13:15 قول رب المجد يسوع: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ". فأعظم حب في الوجود هو حب الله لنا! الله يهتم بنا! ويحبنا! وقد برهن الله عن محبته لنا بموت المسيح على الصليب من أجل خطايانا. وموت المسيح من أجل خطايانا هو أعظم بكثير من مجرد شفاء مرض جسدي. فالمرض الجسدي يؤدي إلى الموت الجسدي، أما المرض الروحي فيؤدي إلى العذاب الأبدي. والرب يسوع قدّم الشفاء والعلاج لأصعب مرض في الوجود، وهو مرض الخطية، والشفاء والعلاج كان بجروحه وآلامه وجلدته وموته على الصليب. دعونا نتذكر هنا أن مرض الخطية أصعب جدًا من كل الأمراض الجسدية.
إن موت المسيح على الصليب كان وسيبقى أعظم تجسيد لمحبة الله لكل واحد منا، وأعظم من شفاء الأمراض. إنه أعظم من أية تضحية قد يقدم عليها أي إنسان من أجل أولاده وأحبّائه. قد يقول بعضنا من الناحية النظرية أنه مستعد للموت من أجل أولاده، لكن المسيح قد مات فعلًا من أجلنا.
فمع أن الموضوع صعب علينا، بل قد لا نستطيع فهمه، إلا أن الرب يسوع يحبنا، ويحب أولادنا أكثر مما نحبهم نحن! الرب يسوع يحب أزواجنا وزوجاتنا وأهلنا وآباءنا وأمهاتنا أكثر مما نحبهم. الرب يسوع هو أكبر وأعظم محب في الوجود.
لذلك عندما يختار الرب يسوع ألا يشفي، أو عندما يتركنا لنموت، فإن ذلك لا يعني أنه لا يحبنا أو لا يشفق علينا، ولكنه يعرف الأفضل لنا. فهو الله كلي الحكمة والمجد. نقرأ في إشعياء 9:55 "لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ". في الأبدية، عندما نكون مع الرب يسوع في السماء، سنعرف الجواب الشافي والكافي، وسنكتشف ونفهم لماذا سمح الله بالمرض والألم والموت.

3. يستطيع الرب يسوع أن يخفف آلامنا ويشفي أمراضنا

كان الرب يسوع "َيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ." (متى 35:9)
وأن "جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ." (لوقا 40:4)
يجب هنا أن نفهم ونعرف يقينًا أن الشفاء الجسدي الكامل ممكن لكل من يثق بشخص الرب يسوع المسيح، فهو الله القادر على شفاء كل مرض قد يصيب الإنسان. كما أن الرب يسوع يستطيع أن يخلّص الإنسان من كل إعاقة جسدية، ويقضي على كل ضعف في الجسد. يجب أن ننزع من عقولنا أي شك أو ضعف إيمان من جهة ربنا يسوع له المجد: فهو قادر على شفاء كل مرض، بل إن شفاءنا أكيد ومضمون.
لذلك فإن السؤال هنا هو: متى يتم شفاء كل مريض أو معاق وضع ثقته بالرب يسوع المسيح؟ نجد إجابة عن هذا السؤال في 1كورنثوس 42:15-43 "هَكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضُعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ."
شيء آخر يجب علينا تذكّره باستمرار: أن كل شفاء جسدي في هذا العالم هو شفاء مؤقت. ربما يشفي الرب شخصًا ما من سرطان الرئة، أو المعدة، أو البروستات، أو الغدد؛ ولكن هذا الشخص سيعود إلى المرض والموت. فكل إنسان يمرض ويموت. لذلك فإن مقارنة الشفاء الجسدي المؤقت بالشفاء التام والدائم، أي الأبدي الذي سنحصل عليه بعد القيامة يبين لنا بوضوح أن شفاء الجسد في هذا العالم هو أمر بسيط ولا قيمة له مقارنة بالشفاء الأبدي الأكيد والدائم.
شيء آخر علينا أن نتذكره وهو أن الرب يسمح باستمرار المرض والألم وذلك من أجل أهداف عظيمة ومجيدة قد لا نعرفها أو نفهمها نحن البشر، ولكن الله يعرفها.
في القصة المذكورة في يوحنا 1:9-3 نفهم أنه كان صعبًا على الرجل أن يعاني من العمى لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، ولكن بعد كل هذه المعاناة جاء الرب يسوع وشفاه. والرب يسوع يخبرنا بشكل أو بآخر أن سنوات الألم هذه كانت مهمة جدًا وثمينة جدًا. فالرجل الأعمى عندما اختبر الشفاء الجسدي، رأى في الشفاء قيمة تفوق كثيرًا كل الآلام التي مر بها. فلم يفرح بشفاء الأعمى أي شخص مثل الأعمى نفسه. وأصبحت خدمة الرب يسوع بالنسبة للأعمى أثمن كثيرًا من القدرة على البصر والرؤيا طوال العمر. فمرض الأعمى استمر طويلًا لأن الرب أراد أن يعطيه خلاصًا أبديًا.
أجل: يوجد هدف أكيد لدى الله من وراء أمراضنا، وإن لم نفهمه الآن، لكن علينا أن نثق بحكمة الله وسلطانه، فهو يعرف خيرنا ومصلحتنا. فقد يسمح لنا الله أن نتألم ونتعزّى لكي نعزي المتألمين. من يستطيع أن يعزي أرملة أكثر من أرملة مثلها؟
تنتشر في بعض البلدان، التي بها حضارة حقيقية، ظاهرة تتميّز بمجموعات الدعم والمؤازرة، وتهدف إلى علاج الإنسان من أزمات نفسية أو جسدية. والذي يساعد الإنسان في العلاج ويقدم له التعزية، هم أشخاص مثله، مرّوا أو يمرّون بنفس الألم والتجربة التي يعاني منها. نقرأ في 2كورنثوس 3:1-4 "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ."
كذلك يسمح لنا الله أن نتألم لكي يقوي إيماننا. والإيمان أعظم وأهم جدًا من الشفاء.
نقرأ في 2كورنثوس 7:12-10 عن بولس الرسول: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ... لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ." ضعيف في الجسد، ولكن قوي في الإيمان.

خلاصة

في أيام تجسده، لم يشفِ الرب يسوع كل إنسان في فلسطين خلال خدمته لمدة ثلاث سنوات. ماذا كان قصده؟ صحيح أنه شفى الكثيرين من الناس، ولم يكن ذلك فقط لأنه كان يحبهم ويشفق عليهم فقط، ولكن لكي يظهر لهم ولنا أنه قادر على شفاء الجسد وشفاء النفس من الخطية. فمثلًا في قصة شفاء المفلوج في متى 2:9-7 لم يتم التركيز على شفاء الجسد، ولكن على قدرة الرب يسوع على غفران الخطايا. أجل يستطيع الرب يسوع أن يشفي خطايانا. فكما أن المضادات الحيوية تذوب في الدم وتنتقل في الجسد لتشفي كل آثار الالتهابات في الجسد، كذلك نعمة الرب يسوع المسيح كافية لأن تنزع منا كل أثر للذنب والخطية.
لقد دفع ربنا يسوع ثمن خطايانا بدمه على الصليب. لقد أعطى الرب يسوع ما يكفي أمام غضب الله المعلن على فجور الناس عندما حلّ مكاننا على الصليب.

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2015