القس منير سليمانكما قلنا سابقًا أن هذا العدد يتضمّن وعدًا مثلث الجوانب هي ثلاث بركات: فإني أسمع وأغفر وأبرئ، يقول الرب.
وقد تحدثنا في المرات السابقة عن الجزئية الأولى والثانية من هذا الموعد، واليوم نختم هذه السلسلة بالجزئية الأخيرة: وأبرئ أرضهم. ولنا في هذه العبارة ثلاثة أفكار: الخطية والغضب الإلهي، التوبة والرحمة الإلهية، والغفران والشفاء الإلهي.

أولاً: الخطية والغضب الإلهي

هذا ما نراه بوضوح في العدد الثالث عشر من 2أخبار 7 فيقول الرب: "إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ، وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى شَعْبِي." وهنا نرى ثلاث ضربات هي:
1) "ولم يكن مطر" هذا يعني جفاف الأرض وبالتالي لا زرع ولا حصاد، لا حنطة ولا غلات، يعني جوع وموت!
2) الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس، وهذا يذكرنا بضربة الجراد على مصر. والجراد الذي يذكره يوئيل النبي في ص 2:1-4 لا يبقي وراءه شيئًا.
3) الوباء وهذا يذكرنا أيضًا بضربة الوبأ على مصر على الناس والبهائم، والوبأ الذي قتل 70 ألفًا من شعب الله بسبب إحصاء داود إسرائيل ويهوذا في 2صموئيل 24.
والسؤال هنا:
ماذا تقول لنا هذه الضربات؟
1) الخطية تُغضب الله جدًا لأنها تتنافى مع قداسته.
2) الخطية تضع الإنسان كفرد، وكأمة تحت التأديب والعقاب.
3) هدف التأديب أو العقاب ليقودنا إلى التوبة والرجوع إلى الله. "فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ." ويقول في رومية 4:2-5 "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ." وما يحدث في عالمنا اليوم من حروب وكوارث طبيعية وأمراض، إلخ... وأيضًا ما يحدث في حياتنا على المستوى الشخصي من أمراض مستعصية، وضيقات، وآلام، ما هو إلا صوت إنذار لنا يصرخ معلنًا غضب الله على خطايانا ويدعونا لنتوب فيغفر لنا ويبرئ أرضنا ويشفينا.

ثانيًا: التوبة والرحمة الإلهية

رأينا في عدد 13 الخطية والغضب الإلهي ونرى في عدد 14 التوبة والرحمة الإلهية "فإذا تواضع شعبي... ورجعوا عن طرقهم الرديئة (أي تابوا) فإنني أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ."
الخطية تغضب الله القدوس البار لكن غضبه مؤقت، إلى لحظة، ورحمته أبدية. "بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ." (إشعياء 9:54)
أما التوبة والرجوع إلى الله تحجب غضب الله وعقابه. ويقول آخر: تحوّل غضب الله إلى رحمة لنا. نرى هذا واضحًا في العديد من الأمثلة وآيات الكتاب المقدس أذكر منها:
توبة مدينة نينوى أوقفت هلاك المدينة. "فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ." (يونان 10:3) وكما نعلم أن هذا الأمر أغضب يونان فقال للرب: "لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ... فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا، الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟»."
والله في رحمته أوقف ضربة الوباء المقررة لمدة ثلاثة أيام عقابًا لشعب إسرائيل لتعداد داود الشعب، فبعد قتل 70 ألفًا في اليوم الأول تدخّل الله برحمته وأوقف هذه الضربة فيقول الكتاب: "وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ»."
عدل الله يطلب عقاب المخطئ أما الرحمة فتطلب العفو للمخطئ، والله مراحمه كثيرة.
قال أحدهم في الفرق بين العدل والرحمة والنعمة: يقدم العدل للابن الذي يستحقه من العقاب، والرحمة لا تعطيه كل الذي يستحقه من العقاب، أما النعمة فتعطيه الذي لا يستحقه من إحسان.
وهذا ما فعله المسيح على الصليب، حكم العدل علينا بالموت "لأن أجرة الخطية هي موت"، فمات المسيح بديلاً عنا وتلاقت الرحمة مع العدل في المسيح، فرفعت عنا عقوبة الخطية وقدمت لنا النعمة والخلاص والحياة الأبدية. "وأما هبة الله فهي حياة أبدية،" التي لا نستحقها.

ثالثًا: الغفران والشفاء الإلهي

"أغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم."
أبرئ أرضهم، أي أبرئ بلادهم.
"أبرئ" قد تعني أخصّب الأرض أو أشفي المرض، وكأن الرب يقول لنا: يكون شفاء للبشر وشفاء للشجر. عندما نتوب تُغفر خطايانا وتُشفى أمراضنا، وتأتي أوقات الفرج من عند الرب.
في قصة شفاء نعمان السرياني الذي شُفي وطهر من برصه، نرى:
إن عظمة المرء ومكانته الاجتماعية وممتلكاته لا تشفيه من الأمراض، وفي نفس الوقت لا تطهره من خطاياه. فقط دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية. فعندما تواضع نعمان السرياني، وأطاع أوامر أليشع النبي، وغطس سبع مرات في نهر الأردن، شفي وطهر من برصه، ورجع لحمه كلحم صبي صغير، وتبع الشفاء الجسدي شفاء روحيًّا، فرجع إلى بلاده وهو مؤمن بإله أليشع، إله إسرائيل. فهل نتوب متواضعين فننال الشفاء الجسدي والروحي؟
جاءت الضربات المذكورة في ع 13 وهي كما ذكرنا: جفاف الأرض، لا مطر، وضربة الجراد، وضربة الوباء. أتت على الأرض فلا زرع ولا شجر، لا فواكه ولا حيوانات ترعى على العشب، بمعنى أن الأرض صارت مريضة، لا تنتج ثمرًا، وهذا يعني موت البشر والشجر والحيوان.
فيجيء وعد الرب "أبرئ أرضهم"، أخصّب أرضهم أي لا تعقّر، أي تنتج وتثمر. وهل هذا حدث؟ قيل عن إسحاق "وزرع إسحاق في تلك الأرض فأصاب في تلك السنة مئة ضعف، وباركه الرب." (تكوين 12:26) أي إن الرب أخصب له الأرض فأصابت مئة ضعف.
وقيل عن الغني الغبي: "أخصبت كورته."
من ضمن بركات العهد القديم ثمر الأرض، فالأرض التي لا تنتج ولا تثمر أرض تقع عليها اللعنة، وهذا ما نراه مذكور في سفر يوئيل، الرب ضرب الأرض بالجراد، فأكل الأخضر واليابس ولم يبقِ وراءه شيئًا. لكن، عندما تابوا عوّض لهم الرب عن السنين التي أكلها الجراد، فمراعي البرية تنبت لأن الشجر تحمل ثمرها، التينة والكرمة تعطيان قوتهما. مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ تَنْبُتُ، لأَنَّ الأَشْجَارَ تَحْمِلُ ثَمَرَهَا، التِّينَةُ وَالْكَرْمَةُ تُعْطِيَانِ قُوَّتَهُمَا... لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ، وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَطَرًا مُبَكِّرًا وَمُتَأَخِّرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ." (يوئيل 22:2-25)
هكذا نرى كيف يبرئ الرب الأرض.
وماذا يعني لنا هذا؟ "تأتي عليك جميع هذه البركات وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. مُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ. وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. مُبَارَكَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ. مُبَارَكًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ..." (تثنية 28) أي مباركًا في كل شيء!
متى يحدث هذا كله؟ إذا تواضع شعبي، إذا صلوا وطلبوا وجهي، إذا رجعوا عن طرقهم الرديئة، إذا كانوا أمناء في عشورهم (ملاخي 10:3)
أفيض عليكم بركة حتى لا توسع، انتهر من أجلكم الآكل (الجراد والحشرات)، لا يعقر لكم الكرم، أي ينتج ويثمر ويطوّبكم كل الأمم... حياة سعيدة، آمين!

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2015