القس رسمي إسحاقسأتحدث اليوم عن المنديل الذي ورد ذكره في مثل الأمناء، المثل الذي أوحت به أحداث جرت في تلك الأيام تتعلق بأرخيلاوس ابن هيرودس الكبير، الذي بعد وفاة أبيه سيطر على جزء كبير من مملكة أبيه. لكن الشعب لم يكن راضيًا بملكه فأرسلوا سفارة إلى القيصر ليعلنوا له عدم رضاهم على ملكه، بينما أرخيلاوس قد سبق وأخذ موافقة القيصر.

يتحدث المثل الذي ضربه الرب يسوع عن سيد دعا عشرة من عبيده وأعطاهم عشرة أمْناء وقال لهم: "تاجروا حتى آتي." ولما رجع طلب عبيده العشرة ليحاسبهم، فقدَّم الأول عشرة أمْناء كان قد ربحهم وقدّم الثاني خمسة أمناء، ثم جاء دور الشخص لم يتاجر وقال لسيده: "هوذا مَنَاك الذي كان عندي موضوعًا في منديل، لأني كنت أخاف منك، إذ أنت إنسان صارم، تأخذ ما لم تضع وتحصد ما لم تزرع." فقال سيده: "من فمك أدينك أيها العبد الشرير. عرفت أني إنسان صارم، آخذ ما لم أضع، وأحصد ما لم أزرع، فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة، فكنت متى جئت أستوفيها مع ربًا (ربح)؟ ثم قال للحاضرين: خذوا منه المنا وأعطوه للذي عنده العشرة الأمناء." ونال هذا الشرير والكسلان عقابه. ولنا في هذا المثل الدروس التالية:
أولاً: الكسل والإهمال؛ ثانيًا: عدم جدوى الأقوال؛ ثالثًا: شدة العذاب والأهوال

أولاً، الكسل والإهمال

لست أدري ما هو ترتيب هذا العبد بين المحاسبين. هذا لا يهمنا، ولكن الذي يهمنا هو ما قاله هذا العبد للسيد. قال: "يا سيد، هوذا مناك الذي كان عندي موضوعًا في منديل." يخيّل إليّ أن الشيطان همس في آذان العبيد العشرة بأمور متعددة منها: "يمكن أن تخسر تجارتك وستكون مسؤولاً أمام سيدك، وذلك يعرّضك للعقاب." وقد يكون الشيطان قد همس أيضًا في آذانهم بأنهم إذا تاجروا فالأرباح ستعود للسيد ولن يستفيدوا منها شيئًا. وقد يكون قد همس في آذان الجميع أن يحتفظوا بأمناء سيدهم كما هي ولا يفعلوا بها شيئًا. فالذين ربحوا لم يسمعوا لهمسات الشيطان، لكن هذا العبد تجاوب مع الشيطان وأخذ المنا ولفّه في منديل وحفظه في مكان أمين. لقد أصابه الكسل والتراخي والإهمال، فلم يتاجر به. آه من الكسل والإهمال، لأنه يضيّع منا فرصًا لا نستطيع أن نعوّضها! لقد حذرنا الوحي المقدس من الكسل في آيات كثيرة أذكر منها:
"اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيمًا." (أمثال 6:6) "إلى متى تنام أيها الكسلان؟ متى تنهض من نومك؟ ... فيأتي فقرك كساعٍ وعوزك كغازٍ." (أمثال 9:6 و11)
الكسلان يقول: الأسد في الخارج، فأُقتل في الشوارع." ومرة أخرى يقول: "الأسد في الطريق، الشبل في الشارع." (أمثال 13:26)
"عبرت بحقل الكسلان وبكرم الرجل الناقص الفهم، فإذا هو قد علاه كلّه القَرِيص، وقد غطّى العوسج وجهه، وجدار حجارته انهدم." (أمثال 30:24-31) وأغرب ما قيل عنه: "الكسلان يُخفي يده في الصَّحْفَةِ، وأيضًا إلى فمه لا يردّها." (الأمثال 24:19) يقول المرنم:
فأسرع ولا تكسل إذا ما رمت إدراك المنى
ربح النفوس لا يكــــو نَ هيّنًا بلا عنا

ثانيا: عدم جدوى الأقوال

ربما جلس هذا العبد وأعدّ كلمات ليقولها لسيده عندما يلتقيه، وتوصل إلى ما يلي: "هوذا مناك الذي كان عندي موضوعًا في منديل، لأني كنت أخاف منك، إذ أنت إنسان صارم، تأخذ ما لم تضع وتحصد ما لم تزرع." وفعلاً قال هذه كلها لسيده، لكن سيده قال له: "من فمك أدينك أيها العبد الشرير. عرفت أني إنسان صارم، آخذ ما لم أضع، وأحصد ما لم أزرع، فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة، فكنت متى جئت أستوفيها مع ربًا؟" (لوقا 22:19-23)
تحدّثت مرة إلى أحد الأشخاص: ماذا تقول للرب إذا وقفت أمامه للحساب؟ قال لي: "دا أنا مجهّز شويّة كلام في منتهى القوّة. ها قللو: أنت أعطيت ناس كثير فضة وذهب وعمارات وسيارات فارهه – وأولادًا كثيرين، أما أنا فقد أعطيتني مجرد شقة صغيرة، وأذهب إلى عملي سيرًا على الأقدام... إلخ." فقاطعته قائلاً: "اسمع ماذا يقول الكتاب: سيستدّ كل فم أمامه." وأعطيته مثلاً لذلك الشخص الذي لم يكن عليه ثياب العرس، وكيف سكت عندما سأله الملك: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟
دعني أقول لكل إنسان: إنك لن تستطيع التفوّه بأي كلمة أمام الرب، بل إنه من المستحيل! فكلامك لا يجدي.

ثالثًا: شدة العذاب والأهوال

وقع هذا العبد تحت قصاص وعقاب شديدين. أخذ منه المنا ودخل ضمن الجماعة الذين قال عنهم السيد: "أما أعدائي، أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي (أي تحت الدينونة)." أقول إن الذبح هنا ليس حرفيًا لكنه معنوي... عندما يطرد حَكَمُ كرة القدم لاعبًا من أي فريق كان، يقولون: إن الحَكَم ذبح هذا اللاعب. وعندما يحكم قاضي حكمًا شديدًا على متّهم ما، يقولون: إن هذا القاضي ذبح هذا الشخص. وهذا ما يمكن أن نقوله عن عقاب من لم يرد أن يملك عليه الرب يسوع أنهم سيُذبحون، أي يحكم عليهم حكمًا شديدًا، بإلقائهم في الجحيم حيث الدود لا يموت والنار لا تُطفأ. وهنا كما نرى الحكم لله وليس للإنسان.
في الختام أذكر آية وردت في سفر دانيآل: "وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ." فأين ستقضي أبديتك؟
إذا كنت قد أهملت أمر خلاص نفسك، هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص.

المجموعة: شباط (فبراير) 2016