القس رسمي إسحاق"... تركوا كل شيء وتبعوه." (لوقا 11:5)

بعد أن رأى بطرس معجزة صيد السمك، "اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه." ثم سجد بطرس عند ركبتيّ يسوع قائلاً: "اخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ."

لم يخرج الرب يسوع، له كل المجد، من سفينة بطرس ولكن كان رد المسيح ردًّا عظيمًا وعجيبًا: "لا تخف! من الآن تكون تصطاد الناس!"
قالت إحدى الملكات لابنها الوحيد: لو دعتك البلاد لكي تملك عليها، ودعاك الرب لتخدمه، فارفض دعوة البلاد وأطع صوت الدعوة الإلهية، فإن خدمة الرب أشرف عمل تقوم به في العالم كله. وأمام تكليف الرب لبطرس أشير إلى ثلاثة أمور:

أولاً: التكليف وما سبقه

قبل أن يكلف الرب بطرس بهذا العمل قال له كلمتين في منتهى الروعة وهما "لا تخف!"
عندما تصدر هاتان الكلمتان من شخص مسؤول تُقابَل بكل ثقة. ولكم من المرات تكون كلمات المسؤولين جوفاء، غير واعدة بل تتعاكس مع ما وعدوا بها، ولكن عندما تصدر الكلمات من الرب يسوع نفسه فالأمر يختلف، لأنه سيريح ويعطي طمأنينة صادقة. وكأني بالرب يسوع يقول لبطرس: أنت قلت أنك رجل خاطئ. لا تخف! لأني أنا المخلص الوحيد الذي يخلصك إلى التمام. لا تخف من أي شيء يا بطرس لأني أنا معك كل الأيام إلى انقضاء الدهر.
يقول الوحي المقدس في سفر إشعياء: "قولوا لخائفي القلوب: تشددوا لا تخافوا." (4:35) وردت هذه الكلمات "لا تخف"، "لا تخافوا" ومرادفاتها مئات المرات... لا تخف من الخطية، لا تخف من الشيطان، لا تخف من الجسد، لا تخف من العالم... عندما ينطق بها أيٌّ من البشر يجب أن تخاف ألف مرة. قالت ياعيل لسيسرا: لا تخف! لكنها قتلته بعد أن تثقّل في النوم.

ثانـــيًا: التكليف وموضوعه

"لا تخف! من الآن تكون تصطاد الناس." وأرجو أن نلاحظ أن هناك تباين بين صيد الناس وصيد السمك.
الأسماك تُصاد حية وتموت بعد خروجها من الماء. أما الناس فتُصاد ميتة بالذنوب والآثام ثم تحيا وتنال الحياة الفضلى بالإيمان بالرب يسوع المسيح. "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة."
الأسماك بعد صيدها، تقدّم لإطعام بطون جائعة لتشبعها، ولكن صيد الناس يشبع قلب الرب وقلوب العاملين معه.
الأسماك يتم صيدها بوسائل زمنية مثل الشباك والشصوص، ولكن صيد الناس يتم بكلمة الله الحية والفعالة التي هي "أَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." (عبرانيين 12:4)
ليعلم كل مؤمن بأنه خادم للرب، ويجب أن يقوم بواجبه على الوجه الأكمل.
بعد أن التقت السامرية بالرب يسوع تركت "جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعلّ هذا هو المسيح؟" (يوحنا 29:4)
والإنسان الذي كان فيه "لجئون"، بعد أن حرّره الرب يسوع المسيح من الشياطين طلب أن يكون مع يسوع، "فلم يدعه يسوع، بل قال له: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك. فمضى وابتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع. فتعجب الجميع."
ومما لا ريب فيه هو أن هذه الدعوة الهامة ستثمر في الذي يطيعها أثمارًا وفيرة.
ألقى بطرس شبكة الكلمة المقدسة بعد أن امتلأ بالروح القدس، فأسفرت عن خلاص نحو 3000 نفس. ثم ألقى شبكة الكلمة على من في بيت كرنيليوس فتجدد الجميع وامتلأوا من الروح القدس.
أيها العاملون في كرم الرب، عليكم أن تمتلئوا بالروح أولاً وتستخدموا كلمة الله فقط.
كان أوغسطينوس كتلة من الشر. وفي يوم من الأيام ألقى عليه شخص مؤمن قصاصة ورق مكتوب فيها آية من الكتاب المقدس، حوّلته من إنسان أثيم مجرم إلى أوغسطينوس القديس العظيم.

ثالثًا: التكليف ووقته "من الآن"

قيل في العهد القديم: "تقدسوا لأن الرب يعمل غدًا في وسطكم عجائب." (يشوع 5:3) ولكن الرب قال لسمعان بطرس: "من الآن..." وكأنّ بالرب يسوع يقول لسمعان: استعدّ للعمل من الآن.
يؤجّل البعض طاعة أمر الرب إلى وقت آخر. أعرف شخصًا دعاه الرب ليخدم في كرمه، لكنه لم يطع الدعوة فورًا، فأصابه الرب بفقدان بصره. بعدها أطاع الدعوة وخدم الرب وهو كفيف. كم كانت الخدمة صعبة جدًا عليه! كان دائمًا يقول: أنا سعيد بخدمة الرب، لكن خدمة الرب ستكون أسهل وأنا بصير.
عندما سأل الرب: من أُرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟ أجاب إشعياء: هأنذا أرسلني. ثم قال له الرب: "اذهب وقل لهذا الشعب..."
دعا الرب أحد خدامه ليقوم فورًا بزيارة شخص معروف جيدًا لديه، لكن الراعي قال لنفسه: ليس اليوم، لكنني بعد غد سأمرّ من قدّام بيت هذا الشخص، فأقابله وأكلّمه عن المسيح بالرسالة التي وضعها الرب على كاهلي اليوم. وفي اليوم التالي، سمع بأن هذا الشخص مات في حادث سير.
كم ندم، لأنه أجّل وقت تنفيذ ما طلبه منه الرب! ومنذ ذلك الوقت، عاهد الرب أن ينفّذ فورًا أي عمل يطلبه منه الرب.
اختم بهذه الأقوال:
إن الفشل الذي واجهه سمعان بطرس كان بسماح من الله لكي تكون السفينتان فارغتين فيجلس في إحداهما ليكرز برسالة الحياة.
إن اعتماد الإنسان على خبرته في الماضي باطل.
إن صيد النفوس عمل شريف، وهو أشرف من أي عمل آخر مهما كان سموّه.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2016