الأخت أدما حبيبيما أن انتهتْ حصةُ الفلسفة حتى التقى البروفسور جيفري راديسون مع الطالب جوش ويتن في بهو الجامعة وشدَّه بعنف من سترته وهدَّده قائلًا: "أتحسب نفسك أكثر ذكاءً مني يا جوش؟ أنا هو الله في صفي ولا أحدَ غيري. أتفهم؟

سوف لن أمنحكَ علامة النجاح ولن ترى عيناك شهادة الحقوق التي تسعى للحصول عليها في نهاية دراستك الجامعية. لن أدعَك تتخرّج." وبعد تهديد البروفسور تركه ومضى. أما جوش فبقي يفكر في كلامه المتوعِّد هذا، وحين وصل إلى حديقة الجامعة لاقته صاحبتُه معاتبةً إيَّاه على عدم امتثاله لرأيها بأن يترك هذا الجدَل العقيم ولا يتحدَّى الأستاذ الذي بيده مستقبله ونجاحه. أما جوش فلم يأبهْ بكلامها على الرغم من أنَّها أعلنت أنَّ كلَّ ما بينهما من حب قد انتهى واندثر ولكلّ منهم طريقُه من الآن فصاعدًا.
بعدَ قضاء وقتٍ في البحث والاستقراء في مكتبة الجامعة، دخل جوش إلى صف الفلسفة وهو مستعد للغاية لأن يبدأ محاضرته الثانية في المدة المحددة التي منحه إياها البروفسور راديسون. وهكذا بدأ محاضرته على الشكل التالي: "في المحاضرة السابقة سألني البروفسور راديسون عن Steven Hawking الذي كتب كتابًا بعنوان The Great Design الذي قال: "لأنَّ هناك قانونًا للجاذبية فمعناه أنَّ الكون قادرٌ على خلْقِ نفسه من لا شيء." إنني لن أنقضَ ما قاله هوكينغ، لكنَّ البروفسور John Lenox أستاذ الرياضيات والفلسفة، أكّد على أن هناك ليس نوعٌ واحد من المنطق في هذا الكلام بل ثلاثةُ أنواع يمكن أن نستنتجها من هذا القول، وجميعها تدلُّ على شيء واحد وهوCircular Reasoning ومعناه أنَّ Hawking يقول: "بأنَّ الكون موجودٌ لأنَّه بحاجة إلى الوجود، ولأنه بحاجة إلى الوجود لهذا فلقد خلق نفسه بنفسه من لا شيء." بمعنى إذا قلت لكم بأنَّ هذا النوع من الطعام هو أفضل نوع في العالم ولم يوجد مثله في كل التاريخ، فيمكن أن تنظروا إليَّ وتقولوا: إنك لم تبرهن على شيء. أجل فهذا صحيح. لأنَّ ما قلتُه هو فقط تثبيت لتصريحي الأساسي. وهذا بالضبط ما فعله بروفسور Hawking إذ لم يبرهنْ كيف؟ ولماذا حصل هذا؟ ويعتبره Lennox تعليلًا خاطئًا، وأكِّده لنا حين قال: إن الكلام غير المنطقي يبقى غير منطقي حتى ولو فاه به أعظم العلماء." وهنا اعترض الأستاذ راديسون على ذلك وقال:
هل تعني أنَّ Hawking مخطئٌ في كلامه؟!
كلاَّ، يا أستاذي، لم أقلْ هذا، لكن Lennox بيّنَ بأنَّ برهان Hawking على نظريته تلك ليسَ منطقيًا، وأنا جوش أوافق على تعليله هذا. وإذا كنتَ يا أستاذي لا تستطيع أن تحتمل ألاَّ توافق مع طريقة تفكيره فيمكنُك أن تقرأ صفحة 5 من كتابه حيث يقول أنَّ الفلسفة ميتة. وإذا كنتَ حقًا متأكدًا ممَّا كتبه، ولا تدحض تصريحاته هذه فمعناه أنَّنا لسنا بحاجة إلى هذا الصف صف الفلسفة. أليس كذلك؟
وهنا ضجَّتِ القاعة بالضَّحك. امتعض الأستاذ في مكانه وتملمَل لكنَّه لم يَفُهْ بكلمة.
ثم عادَ جوش ليكمل حديثه وقال: "أيها الطلاب أعضاء هيئة المحلَّفين، في المئة والخمسين السنة الأخيرة بقي داروين يقول: بأنَّ وجود الله غير ضروري لكي نبرهن على وجود الإنسان لهذا فإنَّ نظرية النشوء والارتقاء تحلّ محل الله. لكنَّ مشكلة هذه النظرية هي أنَّها تخبرنا بما حصل بعد وجود "الخليَّة الحية". إذ يقول داروين بأن أصل الحياة هو الخلية الحية البسيطة في الطبيعة التي تكاثرت مع الزمن وتطوّرت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم وأصبحت في الشكل المعقّد الحالي. لكنَّ داروين لم يخبرْنا من أين أتت هذه الخلية الحية؟ وكأنِّي به يفترض بأنَّ ما حصل هو نوع من البرق أنتج تفاعلًا كيميائيًا وهذا أدّى إلى حدوث الخلية الحية. لكن، ليسَ بهذا الشكل البسيط تأتي الخليةُ إلى الحياة أبدًا يا أصدقائي! وبعد أن فكر داروين مليَّا بنظريته قال فيما بعد: "إنَّ الطبيعة لا تقفز قفزًا." أي لا تقفز هكذا من مرحلةٍ إلى مرحلة بل تتطوَّر تدريجيًا. لكن، منذ أكثر من 3 بليون من السنين من تاريخ الوجود، لوحظ أنَّ تطوُّر الكائنات يحصل بسرعةٍ كبيرة وحتميّة، ومعنى هذا أن الطبيعة لا تقفز فقط، بل تقوم بقفزةٍ ضخمة Giant Leap. وهذا بالضبط عكسُ نظرية التطور التي تؤمن بالتطور التدريجي. فالقفزة الكبيرة الضخمة يا أحبائي حصلت في وقت الخليقة حين قال الله: "لِتفضِ المياهُ زحافات ذات نفس حية، وليَطرْ طير فوق الأرض على وجه جلد السماء. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية البداية التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه ورأى الله ذلك أنه حسن." (تكوين 20:1-21) والخليقة وُجدت لأنَّ الله فاهَ بكلمته. وحتى لو سلّمنا وبشكل أعمى، بوجود هذه الخليقة، فلا يمكن أن تكون قد حصلت إلاَّ بواسطة الله من بدايتها وحتى نهايتها."
عندها، وبعد أن غادر الطلاب القاعة، راح البروفسور راديسون يصفّق للطالب جوش ويقول: "أكاذيب، أكاذيب!" فقال له جوش: "طبعًا، من السهل أن تتخلّى عمَّا لا تريد أن تفهمه." يعود الأستاذ للسخرية من جديد ويقول: "إقرأ ما قاله النبي أيوب في كتابك المقدس. قال: صحيح أنكم أنتم شعب ومعكم تموت الحكمة." (أيوب 2:12) "حينئذ سأل جوش الأستاذ راديسون مستفسرًا: "ما هي قصتك أيها الأستاذ؟ لماذا أنت هكذا ناقم؟" "نعم، أنا ناقم." قال الأستاذ. فعندما ترى أمك تتألم وتعاني أمام عينيك من مرض السرطان الخبيث، وأنت بعدُ فتىً صغير في الثانية عشرة من عمرك، وتطلب من الله في الأعالي أن يشفيَها ويعيدَها إليك، ولا يفعل! وعندما تفقدُ أمك الغالية التي كانت تحب الله وتعبده من كل جوارحها، ماذا سيكون رد فعلك سوى النقمة على الله وعدم الإيمان؟! هل تعلم أن أكثر الفلاسفة يا جوش كانوا من المؤمنين؟ لكنَّنا أزلنا هذا القناع الذي خنقَنا عن وجوهنا حتى صرنا نرى الحقيقة. كان شكسبير محقًّا حين قال: الحياة قصة تُحكى بواسطة جاهل ساذج!" وهنا خرج الأستاذ غاضبًا مع آخِر تعليق له، وبذلك انتهتِ الحصةُ الثانية من المناظرة.
وحين حان موعدُ الحصة الثالثة والأخيرة من هذه المناظرة، حدث أن التقى الطالب جوش مع البروفسور راديسون في المصعد فما كان من البروفسور إلا أن قال له: "لقد ارتكبتُ خطأً فادحًا حين سمحتُ لك بالترويج لآرائك هذه في صفّي، لكنني في حصة اليوم لسوف أتبع أسلوبًا آخر معك وسترى." وعندما بدأ جوش الجزء الأخير من دفاعه قال: "الشرّ، هو ما يتمسّك به الملحدون، فيقولون: إذا كان الله كلّي القدرة وكلّه خير فلماذا يسمح إذن بوجود الشر؟ الجواب بسيط. وهو الإرادة الحرة. نعم، لأنَّه في المسيحية قد منح الله الإنسان إرادةً حرة لكي يختار. والله يحتمل الشرَّ في العالم لكنْ إلى حين، وذلك لكي يعطي الإنسان فرصةً لكي يختار الخير ويترك الشر. لكنَّ هدفه الأقصى هو القضاءُ عليه في النهاية." وهنا، راح البروفسور راديسون يتهكَّم من جديد على جوش ويقول:" أجل، يومًا ما سيقضي اللهُ على الشر إذن. ولكن إلى حين يحصل ذلك دعونا نعيش ونحتمل الكوارث الطبيعية، والقتل الجماعي، والحروب، والأمراض، والأوبئة، وإلى ما هنالك من مآسٍ حياتية. أليس كذلك؟ أتعلم يا جوش (قالها بسخرية)، لا ينقصنا الآن إلاَّ أن تحاضرَنا أيضًا عن الأخلاق الرفيعة. أجاب جوش: "لما لا، يا أستاذ؟" ثم توجّه بعدها إلى الطلاب وقال: "إن البروفسور راديسون الذي هو ملحدٌ بامتياز، لا يؤمن بالأخلاق المطلقة Moral Absolute طبعًا، ويريدُ أن يمتحننا، فإذا حصلتُ أنا مثلًا على درجة A في الامتحان، لكنني اتَّبعت طريق الغش والاحتيال، فهذا مستمسَكٌ معه ضدّي، لماذا؟ لأنني أنا مؤمن مسيحي، والغش والسرقة هما ضد مبادئي كمسيحي. أليس كذلك؟ فبالنسبة للمسيحي إنَّ بداية نقطة الأخلاق هي التي تكوِّن الحدَّ الفاصل بين الخير والشر ألا وهي أيضًا الخط المستقيم الذي يصل بي إلى الله."
"هل تعني أننا نحتاج إلى الله لكي نكون خلوقين؟ ولدينا قيم أخلاقية؟" سأل الأستاذ راديسون. "نعم بكل تأكيد." قال جوش. "فإذا كنتَ ملحدًا فلن يكونَ لديك مقياسٌ تبني عليه أو تنطلق منه. أما الإنسان المسيحي المؤمن الذي يغش في الامتحان بحسب المثل الذي قدمته، فلديه مقياس ألا وهو كلمةُ الله التي تقول: لا تسرق. وكما قال Dostoyevsky: "إذا كان الله غير موجود فكل شيء مسموح به." ليس هذا فحسب، بل إنَّ كلَّ معاناتنا ومجادلاتنا ستكون عقيمةً وبالتالي حياتنا ستفقد معناها." "هذا غير معقول،" قال الأستاذ. "فكلُّ ما تقوله إذن يعود إلى كلمة واحدة هي الاختيار. تؤمن أو لا تؤمن؟" نعم، أجاب جوش. هذه الكلمة هي المفتاح. وأنت تريد أن تَحرِمَ الطلاب من هذا الاختيار عن طريق كتابة هذه الجملة "إنَّ الله ميت" على الورقة. أليس كذلك؟
وهنا ما كان من الأستاذ إلا أنِ انتفض من مكانه وقال بغضب: "أنا أريدهم أن يتحرّروا من فيروس الدِّين، الفيروس الذي يفتُك بالعقل، والذي ينتقل من جيلٍ إلى جيل. والمسيحية هي أسوأ فيروس في هذه الحياة يزحف إلى حياتنا حين نكون ضعفاء." فتساءل جوش: "وهل تعني أنَّ المسيحية مرض؟"
- "نعم، وتؤثر على كل شيء في حياتنا وهي عدو العقل والمنطق."
- "المنطق؟!" قال جوش باستغراب. "أرى أنَّك قد تركت المنطق منذ زمان يا حضرة الأستاذ، وما تعلّمه اليوم في هذا الصف ليس هو فلسفة وليس هو إلحادًا أيضًا، لأنك أنتَ ضد الله ولا تؤمن به فتريدُ منا جميعًا أن نشاركك عدم إيمانك هذا." فقال الأستاذ: "لماذا لا تعترف بالحقيقة يا جوش وتقول بأنَّك تريدهم أن يتبعوا آراءك ويسقطوا في حبائلك؟" فرد جوش عليه بحِدّة: "هذا هو اختيارُهم وعليهم أن يختاروا بأنفسهم، يا أستاذ، فلماذا لا تدَعْهم يفعلون ذلك." فأكد الأستاذ بمكرٍ وحقد: "ليس لديك أية فكرة، يا جوش، عن سروري وغبطتي الكبيرين بتفشيلك في الامتحان." فقال جوش: "فشلي أنا؟ مَن تريد أن يفشل، أنا أم الله؟! هل تبغضُ الله يا أستاذ؟" قال راديسون ضاحكًا: "هه، هذا ليس سؤالًا."
- "إذن قل لي: لماذا تكرهُ الله؟ أجبني عن السؤال." عندها قال الأستاذ حانقًا: "لأنه أخذ مني كل شيء. نعم أكرهه." قال جوش: كيف لكَ أن تكره إلهًا ليس هو بموجود بحسب عُرْفِكَ؟! وهنا ساد الصمت في القاعة لِلحيظات. أجاب الأستاذ من بعدها وقال بتهكُّم أيضًا: "أنت لم تبرهنْ على شيء." قال جوش: "ربما لا، لكنْ دَعِ الطلاب يقرّرون بأنفسهم فلهم حقُّ الاختيار." وسأل جوش الطلاب وقال: "هل الله حقًا ميت؟ عندها وقف الطالب الصيني ورفع صوته وقال: كلاَّ، الله ليس ميتًا. وكذا تبعه الطلاب جميعًا واحدًا تلو الآخر هاتفين بصوت واحد: كلاَّ الله ليس ميتًا. فاغرورقت عينا جوش بالدموع هي دموع الفرح والانتصار. أما البروفسور راديسون فلم يحتملْ هذا المشهد، وما كان منه إلا أن لملمَ أوراقه وخرج من الصف مسرعًا.

هذا الفيلم:
وبالتالي ينتهي هذا الفيلم: "كلاَّ، الله ليس ميتا" الذي هو من إخراج Pure Flix، الذي عبَّر بالضبط عن معاناة طلاب جامعيين اجتازوا بنفس هذه المواقف في الجامعات وقبِلوا التحدِّيات في سبيل الدفاع عن آرائهم ومبادئهم المسيحية الصحيحة بحريةٍ وصراحة. هذا لم يكن بالطبع إلا فيلمًا لكنَّه يعكِس حقيقةَ العديدين من الطلاب المؤمنين الذين ما زالوا يتعرَّضون للتحدِّيات في كلِّ يوم بسببِ إيمانهم بالربِّ يسوع المسيح، في محيطٍ أصبحَ مكتظًّا بآراءٍ وفلسفاتٍ ومعتقداتٍ لا عددَ لها ولا حصرَ.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2016