الدكتور أنيس بهناممقدمة: توجد في العهد القديم رموز كثيرة لربنا يسوع المسيح. بعض هذه الرموز هي:
1) أشياء مادية مثل فلك نوح الذين كان الوسيلة الوحيدة للنجاة من الهلاك والطوفان (تكوين 6-8). ومثل تابوت العهد الذي صُنع من الخشب والذهب النقي رمزًا لناسوت المسيح ولاهوته، وكان في داخله الشريعة إشارة لما جاء في مزمور 8:40 "وشريعتك في وسط أحشائي."

2) وبعض من الرموز الأخرى كانت من الحيوانات الطاهرة التي تُقدّم في الذبائح، مثل خروف الفصح (خروج 12) الذي كان حملاً وديعًا وبلا عيب، وهذا يذكرنا بما قاله يوحنا المعمدان حين رأى يسوع مُقبلاً إليه فقال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم." (يوحنا 29:1) وقال الرسول بولس: "عالمين أنكم افتُديتم... بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح." (1بطرس 18:1-19)
3) والبعض الآخر من الرموز هي أشخاص مثل ملكي صادق كاهن الله العلي، وداود الملك. ولكن لعل أكثرهم وضوحًا هو يوسف الذي تشغل سيرته تكوين 37-50 (ما عدا أصحاح 38). وهذا هو موضوعنا في هذا المقال، لأنه مُدوَّن لنا كرمز جميل لربنا يسوع المسيح. أرجو أن تقرأ تكوين 37 لتلاحظ ما يلي:

أولاً:
1. كان يوسف شابًا طاهرًا بعكس إخوته. فرأوبين، الابن الأكبر صعد على فراش أبيه ودنّسه (تكوين 22:35؛ 3:49-4). بعده شمعون ولاوي "آلات ظلم سيوفهما." (تكوين 5:49-7) وبعدهم يهوذا الذي ارتكب الزنا مع ثامار كنته بدون أن يعرف أنها كنته (ص 38). ثم بنو الجاريتين بلهة وزلفة. ويذكر الوحي عنهم جميعًا "نميمتهم الرديئة." (2:37)
2. كان يوسف هو الابن الحبيب الذي لا يذكر له الوحي صفة رديئة. لذلك كان الابن الحبيب الذي سُرّ به أبوه. وهذا يذكّرنا بما قاله الآب عن الرب يسوع المسيح: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت." (متى 17:3) كان إخوته يبغضونه لأنه مكتوب: "أحبّ الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة." (يوحنا 19:3) ومكتوب أيضًا أنهم أبغضوه (أي المسيح) بلا سبب (مزمور 19:35، ويوحنا 25:15).
3. مما زاد في كراهيتهم له هو كلامه وما أعلنه الله عنه في أحلامه، أي الأمجاد التي تميَّز بها. الحلم الأول تكلم عن أمجاده على هذه الأرض إذ سجدت حزمهم لحزمته، والحلم الثاني عن أمجاده السماوية إذ سجدت الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا (9:37).

ثانيًا:
أرسل الأب "يعقوب" ابنه الحبيب "يوسف" ليفتقد سلامة إخوته. وأطاع يوسف قائلاً: "هأنذا." ولا حاجة هنا إلى تعليق، بل تمتلئ قلوبنا بالشكر والسجود لربنا يسوع المسيح. كان يوسف يعرف أن إخوته يبغضونه، لكنه ذهب طاعة لأبيه ومحبة لإخوته. ما أجمل كلماته: "أنا طالب إخوتي." (عدد 16) قال المسيح، له المجد، أنه جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لوقا 10:19). ذهب يوسف يفتش على إخوته حتى وجدهم (عدد 17). ولكن ماذا كان جوابهم لمحبته؟ قالوا بعضهم لبعض: "هوذا صاحب الأحلام قادم، هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار، ونقول وحش رديء أكله." وهنا ظهر شرهم بصورة أفظع: قتلة وكذابون! وهكذا ظهر شر الإنسان في أفظع صورة عند صليب الفادي! تكلم المسيح في أحد أمثاله عن العبيد البطالين الذين قالوا: "هوذا الوارث هلمّ نقتله." (لوقا 14:20) ولكن الله أشفق على يوسف، الرمز، ولم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين (رومية 32:8). بعد ذلك خلعوا عنه القميص الملوّن الذي أعطاه له أبوه (عدد 23). ولا شك أن القارئ يرى التشابه بين هذا وما حدث للرب يسوع. إذ خلعوا ثيابه وألقوا قرعة على القميص، كما تنبأ داود في مزمور 18:22. وهناك شيء آخر يذكّرنا بما حدث للرب يسوع. إذ باعوا يوسف بعشرين من الفضة، كما باع يهوذا سيده بثلاثين قطعة من الفضة. ولنلاحظ أن الذي باع يوسف هو أخوه يهوذا، والذي باع الرب يسوع هو يهوذا تلميذه الخائن.
والآن أرجو أن تقرأ تكوين 39-40

ثالثًا: بيع يوسف عبدًا في مصر واشتراه رئيس الشرط. وكان الرب مع يوسف، فكان رجلاً ناجحًا، ورأى سيده أن الرب معه. ولكن للأسف اتُّهم تهمة باطلة وحُكم عليه ظلمًا. وهنا بالإضافة إلى دراسة الرموز يجب أن أشير إلى الدرس المهم لجميعنا، ولا سيما للشباب، وهو أن يوسف فضّل أن يفقد وظيفته الناجحة وأن يُلقى به في السجن على أن يعصى الرب. فقال كلماته الشهيرة: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله." (9:39) يا ليتنا جميعًا نحفظ هذا في قلوبنا. لذلك باركه الرب حتى في السجن "لأن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه." (23:39)
ونرى أيضًا في الأصحاح الأربعين مذنبَين أُخريين زُجّا معه في السجن. وبناء على ما قاله كل منهما ليوسف تقرر مصيره. وهذا يذكرنا باللصين اللذَين صُلبا مع الرب يسوع وموقفهما منه فحظي أحدهما بالنعيم وذهب الآخر إلى الجحيم. في كل هذا نرى صورة رمزية واضحة لما يسمّيه الكتاب "الآلام التي للمسيح." لم تكن آلام يوسف هينة أبدًا. في مزمور 17:105-18 نقرأ هذه العبارات: "بيع يوسف عبدًا، آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه." ولكنها لا تُقارَن بآلام المسيح الذي تنبأ عنها داود إذ قال: "فغروا عليّ أفواههم كأسد مفترس مزمجر، كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي... ثقبوا يديّ ورجليّ." (مزمور 13:22-16) ولكن، كما تكلم الكتاب عن آلام المسيح تكلم أيضًا عن الأمجاد التي بعدها. ولهذا أيضًا رموز في تاريخ يوسف.

أرجو أن تقرأ تكوين 41
لاحظ أولاً أن يوسف الذي رفضه إخوته أصبح مصدر بركة لمصر التي هي رمز للعالم. وهذا يذكرنا بما جاء عن ربنا يسوع المسيح الذي "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله." (يوحنا 11:1) ولكن "بزلتهم صار الخلاص للأمم." (رومية 11:11)
ثانيًا، قال فرعون ليوسف: "انظر. قد جعلتك على كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص ووضع طوق ذهب في عنقه. وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا أمامه: اركعوا. وجعله على كل أرض مصر." (تكوين 41:41-43) ألا يذكرنا هذا بما جاء عن ربنا يسوع المسيح، الذي إذ أخلى نفسه وأخذ صورة عبد "لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب." (فيلبي 9:2-11) أما قول فرعون في عدد 44 "فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في أرض مصر،" فإن اليد تشير إلى العمل، والرِّجل إلى التنقّل، أي أنه لا يُسمح لأحد أن يقوم بأي عمل أو تصرف بدون موافقة من يوسف؛ وهذا يعني أنه أعطاه السلطان المطلق.

والآن سنلاحظ باختصار ما بقي من قصة حياة يوسف:
نرى أنه أصبح الوسيلة الوحيدة للنجاة من الموت جوعًا. ويقول الروح القدس عن المسيح: "ليس بأحد غيره الخلاص." أما في أرض كنعان حيث كان يقيم بنو إسرائيل فقد اشتدّ الجوع جدًا. وهذا يشير إلى الضيقة العظيمة التي ستصيب العالم بعد انتهاء دور الكنيسة على الأرض، حينئذ سيدركون أن الوسيلة الوحيدة لنجاتهم هي عند ذاك الذي رفضوه. رأى بنو يعقوب يوسف "فقالوا بعضهم لبعض: حقًا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا، ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة." وسيتم ما جاء في زكريا 10:12 أنهم سينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له. وهنا أترك القارئ العزيز ليدرس بتمعّن ما جاء في رومية 11. حينئذ سيقول مع الرسول بولس:
"يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟» لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." (الأعداد 33-36)

المجموعة: حزيران (يونيو) 2016