الأخ ثروت الضبعتكلمنا في العددين السابقين عن دور كل من الزوج والزوجة، وسيدور كلامنا في هذا العدد عن أمثلة كتابية سلبية وإيجابية عن دور الزوجين في الأسرة، ذكرها الوحي ليعلمنا منها الكثير كيف نقوم بأدوارنا بطريقة سليمة. ونظرًا لكثرة الأمثلة الموجودة في العهدين القديم والجديد، سأكتفي بتعليق قصير عن بعض هذه البيوت وما نتعلمه منها ذاكرًا الشاهد الكتابي. أرجو منك أن تقرأه وستتعلّم الكثير منه.

آدم وحواء (التكوين 15:2-24:3): رسم الله أمامنا، في أول قصة زواج في التاريخ، كيف أن آدم رأى حواء لأول مرة وشعر بأنها جزء منه، عظم من عظمه ولحم من لحمه، فدعاها امرأة لأنها من امرئ أُخذت (أي منه). "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا." (تكوين 24:2) وإذ ننتقل إلى الأصحاح الثالث من السفر نرى مشهدًا مختلفًا. لم يقم آدم بواجبه تجاه حواء التي ذهبت إلى الحية حيث دار بينهما حديث طويل، ولم يلحظ غيابها عنه لفترة طويلة، ولم يبحث عنها. كذلك حواء لم تقم بواجبها لآدم فلم تستدعه عندما دخلت المناقشة حيِّز التنفيذ، فتفرّدت برأيها، وقررت بدون أن ترجع إليه، ثم قامت بعد أن كسرت أوامر الله بإغوائه ليكسرها هو أيضًا. تستطيع أن ترى تأثير الخطية على هذه الأسرة الأولى في ردّ آدم: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ. فآدم الذي شعر في أصحاح 2 أن حواء جزء من عظمه ولحمه شعر هنا بأنها السبب في مشاكله. لاحظ كيف أصبحت المسافة بينهما كبيرة.

في قصة لوط دروس وعبر كثيرة (تكوين 13 و19): خرج لوط مع إبراهيم أبي المؤمنين من أور الكلدانيين، ولكن ما أبعد الفرق بينه وبين إبراهيم في التفكير والتوجّه والأهداف! كان قلب لوط سطحيًا فارغًا يفتقر إلى رؤية الرب وإعلاناته. فأهل سدوم وعمورة كانوا في نظر الرب أشرارًا جدًا، ورأى لوط أرضهم كجنة الرب كأرض مصر! وللأسف الشديد أن هذا التفكير والتوجّه انتسج أيضًا بكل تفاصيله بخيوط حياة زوجته وبناته. فمع أن لوط خرج من أرض الكلدانيين فإن قلبه وعقله ظلا عالقين بها. وكذلك زوجته خرجت من سدوم وعمورة لكن قلبها كان متعلقًا بالأرض لدرجة أنها لم تسمع لتحذيرات الرب المتكررة للوط: "اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلَكَ." (تكوين 17:19) لقد دفعت حياتها ثمنًا لتهاونها في تنفيذ ما حذّر الرب منه. ومن الجليِّ أنَّ لوط كان مهملاً ومتراخيًا في شهادته وواجبه تجاه زوجته؛ لم يكن كلامه مسموعًا ومعتبرًا أمام أهل سدوم وعمورة وأمام أهل بيته. ذكر الكتاب أن زوجته نظرت من ورائه، بدون أن يلاحظها لوط؛ وكان هناك تقصير من الطرفين في هذا الموقف. وإذا لاحظنا حياة لوط بعد ذلك سنكتشف التأثير الخطير للفكر والتوجّه في قلب وعقل بناته؛ وهذا يضع أمامنا تحذيرًا خطيرًا، كآباء وأمهات، لكي نكون قدوة حسنة تمجد الرب أمام أولادنا.

نجد في حياة إبراهيم وسارة دروسًا وعبر كثيرة مذكورة في تكوين 16. فمع كون إبراهيم هو أبو المؤمنين ويشهد الكتاب المقدس عن مواقف إيمانه الكثيرة كما وردت في سفر العبرانيين 11، أصحاح أبطال الإيمان، إلا أنه أظهر عدم إيمان في وعود الله عندما وافق على اقتراح سارة، وتزوج هاجر المصرية كحل سريع بدلًا من أن ينتظر الله ليحقق وعده. لقد استجاب لرغبة سارة وسلك في طريق العيان بدل الإيمان. ونحن نعلم باقي القصة وكيف أن هذه الخطوة جلبت لإبراهيم وسارة مشاكل كثيرة دفعت إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها إسماعيل من بيته، وأظهرت إخفاق سارة في انتظار تحقيق الوعد. أما إبراهيم فلم يقم بواجبه هنا في توجيه سارة إلى الله وانتظار إتمام الوعد.

ونرى في حياة إسحاق ورفقة تقصير إسحاق في القيام بواجبه الصحيح في تربية ولديه، فكان يحب عيسو أكثر من يعقوب وكانت رفقة تفعل العكس. لكن المشكلة الكبرى كانت عندما اتفقت رفقة مع يعقوب على أن يخدعا إسحاق بعد أن كلت عيناه عن النظر (تكوين 27). كيف أقدمت على هذا الفعل المشين تجاه من أحبها وصلى لأجلها عندما كانت عاقرًا دون أن تشكو إليه؟ لقد شعر بضيقها دون أن تسرَّ إليه به. كيف صدر عنها كل هذا الجحود ونكران الجميل حتى تخدعه؟ ونحن نعرف كم كان هذا الفعل مؤثرًا جدًا في حياة ابنها يعقوب! كانت قدوة سيئة له، حتى أنه قضى معظم أيام حياته يخدع من هم حوله، وكانت النتيجة أن رفقة لم ترَ يعقوب ابنها مرة أخرى.
يعقوب وراحيل: كان يعقوب يحب راحيل ويذكر الكتاب محبته لها ثلاث مرات في تكوين 29. لكن من الواضح أن هذه المحبة كانت محبة إعجاب واستلطاف، لأن راحيل كانت حسنة الصورة وحسنة المنظر. فالمحبة هي أن تشعر مع من تحب، وتشاركه في مشاكله. وهذا عكس ما بدر من يعقوب عندما جاءت إليه راحيل ونفسها مُرَّة (تكوين 30)، عندما اشتعلت نار الغيرة في نفسها من أختها لأن أختها ولدت ليعقوب أربعة أولاد في ذلك الوقت، وهي لم تلد. أتت إليه بمرارة، وكان مقدار حزنها وألمها واضحًا في صرختها: "هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلاَّ فَأَنَا أَمُوتُ!" لقد كان رد فعل يعقوب غريبًا جدًا تجاه محبوبته راحيل. فأولًا حمي غضبه عليها... لماذا يا يعقوب يضطرم غضبك عليها؟ فهذه التي تحبها تأتي إليك لتبثك أشجان مرارة نفسها فكان ينبغي عليك أن تقدّر ألمها وضيقة نفسها وتشاركها في حزنها، وهذا أبسط رد فعل للمحبة الحقيقية. لكن كلام يعقوب في هذا الموقف كان حادًا وصعبًا: "أَلَعَلِّي مَكَانَ اللهِ الَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ الْبَطْنِ؟" وكأنه يفصل نفسه تمامًا عنها وعن مشكلتها ولا يُظهر بتاتًا أي مشاعر رقيقة ومواساة لها في أزمتها. أما من ناحية راحيل فلا نقرأ في كل الكتاب أنها كانت تحب يعقوب!

ألقانة وحنة (1صموئيل 1): كان ألقانة يحب حنة ويقدِّر إغاظة ضرتها لها، وتقديره للمشكلة جعله يتكلم معها بلطف ليحاول تخفيف وطأة التجربة عليها: "يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ وَلِمَاذَا لاَ تَأْكُلِينَ؟ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟" وبالتأكيد كان لتقديره ولطفه أعظم الأثر على زوجته.

أبيجايل ونابال (1صموئيل 25): كانت أبيجايل تصنع خيرًا لزوجها نابال على الرغم من حماقته. كان قاسيًا ورديء المعاملة، لكنها كانت أمينة في واجبها نحوه، وظلت تتوسل إلى داود من أجله. ونحن نتعجب من حكمتها ورجاحة عقلها في حديثها مع داود، مما أدى إلى منعه من إبادة زوجها نابال وكل ما له؛ مع أنها كانت تعاني الكثير من قسوته وحمقه. ولكن عندما أتت إلى داود تحمّلت الخطأ كما لو كانت هي المخطئة بكل اتضاع وانسحاق وقالت: "عَلَيَّ أَنَا يَا سَيِّدِي هذَا الذَّنْبُ، وَدَعْ أَمَتَكَ تَتَكَلَّمُ فِي أُذُنَيْكَ وَاسْمَعْ كَلاَمَ أَمَتِكَ."
بإمكانك أن تستخلص أيضًا دروسًا كثيرة خلال دراستك للعائلات التالية: سليمان وزوجاته (1ملوك 11)؛ والأرملة (2ملوك 4)؛ والشونمية وزوجها (2ملوك 4)؛ ونعمان وزوجته (2ملوك 5). عزيزي القارئ، أصلي من كل قلبي لأجل أسرتي وأسرتك كي يقوم كل طرف منا بواجبه فيتمجد اسم فادينا ومخلصنا ربنا يسوع المسيح.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2016