الدكتور القس ميلاد فيلبسمن الأشياء المهمة في الحياة المسيحية أن كل مسيحي يجب أن يكافح ويجاهد ويركض ويسعى، وهذا المبدأ واضح في الكتاب المقدس كقول الرسول بولس "أنا أجاهد، أنا أركض، أقمع جسدي وأستعبده." (1كو 25:9-27)

إن المسيحية إذا ليست للكسالى، لكنها للأبطال الذين يدخلون ساحة الوغى ويخوضون المعمعة روحيًا عاملين مشيئة الله. "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق... جاهد جهاد الإيمان الحسن... جاهدت الجهاد الحسن." لذلك نسأل: لماذا ينبغي أن نناضل ونكافح؟ هل من ضرورة لذلك؟ يجب أن نكافح لكي:

أولاً: نرضي الله

ما رأيكم في العالم؟ "العالم وُضع في الشرير". أي يُجرف في تيار الشر وميول الشر "شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة." لكن محبة العالم تنتج موتًا. ألم ترَ أناسًا يعيشون في العالم وليسوا منه؟ هذا هو الاتجاه الصحيح الذي خطّه لنا الرب يسوع. كان يوسف من هذا الطراز: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟" إننا لا نقف أمام الشر لإظهار ذواتنا بل لأن قصدنا من وراء هذا مجد المسيح وتعظيم اسمه القدوس. هل تعلم أن كلمة "شبع" مشتقة من كلمة سبعة العبرية أي "حلف"، كأن المقصود هنا أن الحلف معناه أن يسبع الإنسان نفسه أي يربط نفسه بسبعة قيود، وكانت شبوعة تعني قسم (تكوين 30:31-31). إنه لا شبع مع الرب دون الارتباط والتقيد في عهد معه (تثنية 31:4 و18:8). كذلك لكي نرضي الله علينا أن نغفر لمن يخطئ إلينا ليس سبع مرات كما ذكر في لوقا 4:17، بل سبع في سبعين مرة، "والصديق يسقط سبع مرات والرب يقيمه."

ثانيًا: تأدية الرسالة

إن لدينا رسالة هامة ومباركة وعظيمة، وهذه الرسالة حمّلنا إياها الرب يسوع "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها." في هذه الأيام قد نجد صعوبة في تقديم البشارة المفرحة، وخصوصًا إذا أحببنا بتصميم أن نقدِّم الإنجيل بإخلاص وأمانة وغيرة. إذا كان هذا صعب، فلماذا نقوم به؟ لأجل المسيح، ولأجل النفوس، ولأجل الإنجيل. يقال عن أحد الرسامين المشهورين الذي حظي بإعجاب فناني عصره، وقد نال حوافز وجوائز كثيرة مما أتاح له أولوية في كل المعارض لأن ألوانه كانت زاهية لا يحول لونها. لم يستطع أحد معرفة السر في ذلك حتى وافته المنية. ولما هموا بوضعه في الأكفان لاحظوا جرحًا عميقًا في صدره كان ينزف دمًا، فأدركوا السر: لقد كان يغمس فرشاته في دم نفسه ويخرج اللوحات الرائعات ذات الألوان الخلابة الثابتة. لذلك عندما نقدّم رسالة المسيح علينا أن نقدم حياتنا وأجسادنا وكرامتنا وأموالنا وأعزّ وأغلى شيء عندنا.

ثالثا: الانتصار على الألم

هل هناك آلام في العالم؟ إن المؤمن كالخاطئ يمرض، ويتعب، ويتضايق، ويئنّ، وكأنه كتب على جبين العالم وعلى صفحة الإنسانية "الألم"، لكن أين عناية الله؟ "إن كان الله معنا فمن علينا... أنا قد غلبت العالم." قرأت عن يوحنا بنيان ذلك الرجل الذي قضى في سجن بدفورد اثني عشر عامًا لأجل الإنجيل، وفي وسط ظلمات السجن كتب ثاني أشهر كتاب بعد الكتاب المقدس وهو كتاب "سياحة المسيحي". كذلك بيتهوفن الموسيقار المعروف مع أنه أصيب بالصمم، لكنه بعد هذا الحادث استطاع أن ينتج أروع مقطوعاته الموسيقية. لذلك يجب أن يشجعنا الألم على التواصل والمواصلة. "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته." ثم لماذا يجب أيضًا أن يكافح المؤمن؟
رأى أحدهم صورة الحية النحاسية، وقد رسم حولها مجموعة من مختلف الطبقات. بينما كان الناس ينظرون إلى حية النحاس كانت الحيات المحرقة تهرب من طريقهم وينالون الحياة. ظهرت في الصورة عندئذ أم لم تستطيع أن تقترب أكثر إلى الراية، وكانت الأم تحمل طفلاً لدغته الحية المحرقة أيضًا، فما كان منها إلا أن ترفع صغيرها ليرى الحية النحاسية أولاً. هل نحن على استعداد أن نرفع الآخرين في آلامهم؟

رابعًا: لينال نعمة أعظم

لنا نِعم كثيرة في المسيح وبركات إلهية لا تعدّ ولا تحصى. فالخلاص نعمة، والإنقاذ من التجربة نعمة، وسعادة الحياة نعمة، واستجابة الصلاة نعمة، وملء المحبة نعمة، وشفاء المرض نعمة، وحياة القداسة نعمة. "ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا ونعمة فوق نعمة... ومذّخر لنا فيه كنوز الحكمة والعلم." أيضًا عندما ننتقل من هذه الحياة هناك "طريق أفضل"، لنا كمال النعمة! "يا نفتالي اشبعْ رضى... مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريّا." تأمل معي معجزة إطعام الخمسة آلاف رجل بخمسة أرغفة وسمكتين. لقد رفع الرسل ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة (متى 30:14). ولكن لماذا فقط اثنتي عشرة قفة؟ إن الرسل كانوا اثنا عشر، فكل منهم رفع قفة مملوءة من الكسر، أي إنهم رفعوا بما يساوي عددهم. إن الله لا يحمِّلنا قط فوق استطاعتنا. ما أعجب حياة المسيح المملوءة بالجهاد والحب، وفي جثسيماني تصبّب عرقه كقطرات دم، وعلى الصليب انكسر له قلبي كقارورة طيب، وحتى بعد القيامة كان يجول لكي يشدد ويشجع التلاميذ. إنه الآن يشفع فينا. إنه مثال الجهاد، ويومًا ما سنسجد له قائلين: "أنت مستحق أن تأخذ المجد والكرامة... لأنك (جاهدت) واشتريتنا بأغلى شيء، بدمك الكريم، وتعبت لكي تريحنا وتألمت لكي نتمجد وافتقرت لكي تغنينا، وبجهادك على الصليب ذخرت لنا السعادة الكاملة والحياة الأبدية والمجد الأبدي."

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2017