الدكتور أنيس متى بهنامرأينا في الحلقة الأولى (1:1 – 11:5) أن الجميع أخطأوا، وأن الإنسان لن ينال الخلاص من عقوبة الخطيئة بمجهوداته الذاتية، بل بالإيمان بالرب يسوع المسيح [الذي أسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا. فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح.] (25:4 – 1:5) وفي الحلقة الثانية (12:5- 39:8) قد رأينا أن إنجيل المسيح يقدم لنا الخلاص من سلطة الخطيئة. أولاً، لأن المؤمن ليس في آدم بل في المسيح (12:5-21)، وليس عبدًا للخطيئة بل لله (أصحاح 6)، وليس تحت الناموس (أصحاح 7) بل تحت النعمة، وهو لا يسلك بحسب الجسد (أي الطبيعة القديمة) بل بقوة الروح القدس (أصحاح 8). والآن سنتكلم عن القسم الثالث: رومية 9-11

أصحاح 9
في افتتاح هذه الرسالة قال الرسول بولس: [لأنّي لست أستحي بإنجيل المسيح، لأنّه قوّة الله للخلاص لكلّ من يؤمن: لليهوديّ أوّلاً ثمّ لليونانيّ [أي الأممي].] (16:1)
قد يتساءل شخص: هل غيّر الله مقاصده نحو إسرائيل؟ كان اليهود يتهمون الرسول بولس بأنه قد أصبح عدوًّا لشعبه. لذلك ابتدأ الرسول هذا القسم بالتعبير عن محبته لأمته (عدد1-3) ثم يذكر عدة امتيازات لإسرائيل وأهمها ما لم يدركوه. وهو أنه منهم جاء المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلها مباركًا إلى الأبد، آمين (عدد 5). بعد ذلك يدافع الرسول عن معاملات الله مع إسرائيل ومع الأمم، فيقول أولاً إن الوعد لإبراهيم لم يشمل كل نسله، بل قال له الرب [بإسحاق يدعى لك نسل.] (تكوين 12:21) وبالإيمان بارك إسحاق يعقوب (عبرانيين 20:11) وقال له: [والله القدير يباركك... ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك.] (تكوين 3:28) ثانيًا، من المهم جدًا أن ندرك أن الله وحده له الحق في أن يقرر ما يشاء بسلطته الإلهية. ومع ذلك فهو احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيّأة للهلاك – وهي بلا شك التي هيّأت نفسها للهلاك، وبنعمته أعدّ آنية للمجد. فالذي قال قديمًا "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة، له الحق أن يفعل هذا مع الأمم أيضًا. وأخيرًا في هذا الأصحاح يخبرنا عن سبب فشل إسرائيل، وهو أنهم فعلوا ذلك [ليس بالإيمان، بل كأنه بأعمال الناموس. فإنهم اصطدموا بحجر الصدمة.] (عدد 32)

أصحاح 10
مرة أخرى يؤكد الرسول بولس محبته لشعبه إسرائيل فيقول: [أيّها الإخوة، إنّ مسرّة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي للخلاص. لأنّي أشهد لهم أنّ لهم غيرةً لله، ولكن ليس حسب المعرفة.] (1:10-2) فالغيرة وحدها لا تؤدي إلى معرفة الحق. هذا مبدأ مهم. ما أكثر الذين عندهم غيرة، أي حماس بدون معرفة الحق. ولذلك يضطهدون كل من لا يتبعهم. والحق الذي تتناوله هذه الرسالة هو أن التبرير عند الله هو الذي ينتج من الإيمان بالرب يسوع المسيح الذي أُسلم لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا. لأن الكتاب يقول إن كل من يؤمن به لا يخزى – وفي هذا لا فرق بين اليهودي والأممي. ولذلك يقتبس الروح القدس بواسطة الرسول بولس آيات من العهد القديم تؤكد هذه الحقيقة.
كما يشير أيضًا إلى الآيات الافتتاحية في إشعياء 53 التي أعلنت مقدمًا أن الكثيرين من بني إسرائيل لن يصدقوا كلام الله بخصوص موت المسيح الكفاري.
وأخيرًا، لا يترك مجالاً لاحتجاج اليهودي ضد قبول الأمم بعد رفض إسرائيل البشارة، أوّلاً موسى يقول: «أنا أغيركم بما ليس أمّةً. بأمّةٍ غبيّةٍ [أي الأمميين] أغيظكم.» (عدد 19) وهذا اقتباس من تثنية 21:32. ثانيًا، ثمّ إشعياء يتجاسر ويقول: «وجدت من الّذين لم يطلبوني، وصرت ظاهرًا للّذين لم يسألوا عنّي [أي الأمم]». أمّا من جهة إسرائيل فيقول: «طول النّهار بسطت يديّ إلى شعبٍ معاندٍ ومقاومٍ.» الخلاصة هي أن الله بار في قبوله للأمم، وبار في معاملاته لإسرائيل نتيجة لعنادهم.

أصحاح 11
أصحاح 9 يتعلق بماضي إسرائيل إذ اصطدموا بحجر الصدمة الذي [كل من يؤمن به [أي بالمسيح] لا يخزى.] (31:9-32) أصحاح 11 يتعلق أكثر بالمستقبل.
مقدمة: لكي نفهم هذا الأصحاح، بل لفهم النبوات خصوصًا، ولفهم كلام الله عمومًا يجب أولاً أن يكون ولاؤنا للوحي المقدس وليس لطائفة معينة أو لمعلم عظيم، أو لأفراد الأسرة والمجتمع. ثانيًا، يجب أن ندرك أن الله أعطى وعودًا شرطية مثل ما جاء في لاويين 26 وتثنية 28. على الإنسان أن ينفذ الشروط لكي يتمم الله الوعود. وأعطى الرب أيضًا وعودًا بدون شروط، مثل وعده لأبرام (تكوين 1:12-3 وأيضًا تكوين 18:15). وقال الرب بخصوص ما وعده لنسل إبراهيم، أنه بإسحاق يُدعى له نسل (تكوين 12:21). وإذ بارك إسحاق ابنه يعقوب قال له: [والله القدير يباركك... ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك ليرث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم.] (تكوين 3:28-4) من هذا نرى أن الوعد ليعقوب الذي هو إسرائيل، بأن الرب يعطيه الأرض هو وعد بدون شروط. حين يعطي الرب وعدًا بدون شروط فهو قد يؤجل تنفيذه، أو يوقفه لفترة معينة بحسب حكمته. ولكنه لا يمكن أن يلغي هذا الوعد. ولذلك نجد مرارًا في تاريخ بني إسرائيل، المليء بأخطائهم وعصيانهم، أن الرب يكرر القول إنه "لا يفنيهم" (انظر على سبيل المثال إرميا 27:4؛ 10:5؛ 28:46؛ وعاموس 8:9. وليت القارئ يراجع ما جاء في إرميا 31:31-37).
أصحاح 1:11-10 يفتتح هذا الأصحاح بسؤال: [فأقول: ألعلّ الله رفض شعبه؟ حاشا! ... لم يرفض الله شعبه الّذي سبق فعرفه.] ومن الواضح أن "شعبه هنا" تشير إلى إسرائيل. ويؤيد الرسول هذا بكونه هو إسرائيلي، وقد جعله الرب إناءً مختارًا. ثم يذكرهم بما حدث في أيام إيليا إذ كانت هناك بقية تقيّة. فكذلك في الزمان الحاضر أيضًا قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة.] (عدد 5) وما دام بالنعمة فليس بالأعمال.
أصحاح 11:11-24 يرجع الرسول إلى ما قاله في نهاية الأصحاح العاشر، فيقول: [بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم.] فإن كان رفضهم هو مصالحة للعالم فكم سيكون رجوعهم بركة عظيمة بل [حياة من الأموات]. من الواضح أن ارتداد إسرائيل هو جزئي ومؤقت. والكلام عن الزيتونة هو عن الشهادة لا عن الخلاص. فإسرائيل كانت هي الزيتونة، أي الشاهدة للرب الإله، والآن الكنيسة الحقيقية والاسمية هي الشهادة في العصر الحالي. وما أحوج المسيحية إلى الإنذار الخطير في هذه الأيام: [لا تستكبر بل خف.] (عدد 20) وأيضًا [هوذا لطف الله وصرامته.] (عدد 22)
أصحاح 25:11-31 رأينا أن قساوة إسرائيل هي جزئية ومؤقتة. والآن نتعلم أنه حين تتم الكنيسة [أي بعد أن [يدخل ملء الأمم] (عدد 25)]، كل الإسرائيليين الذين سيبقون بعد الضيقة العظيمة سيكونون مؤمنين. وذلك حين يتم ما جاء في زكريا 10:12 حين ينظرون إلى الذي طعنوه. وهنا نذكّر القارئ مرة أخرى بما جاء في إرميا 31:31-37 [لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة.] (عدد 29) ويختم الرسول هذا القسم (أصحاحات 9-11) بهذه التسبيحة المجيدة: [يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! "لأن من عرف فكر الرّبّ؟ أو من صار له مشيرًا؟ أو من سبق فأعطاه فيكافأ؟" لأنّ منه وبه وله كلّ الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين.] (رومية 33:11-36)

المجموعة: آب (أغسطس) 2017