Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور عصام عزترأينا في المرات السابقة أن الله ميَّز الإنسان بالذهن والتفكير، ولكن الخطية التي أفسدت قلب الإنسان، أفسدت أيضًا ذهنه. فأصبحت أفكار الإنسان تخدم وتخطِّط لكي ترضي ميول قلبه الفاسدة. ورأينا أن الشيطان يرغب ويُسَرّ بأن لا يفكـِّر الإنسان، أو أن يجعله يفكـِّر بطريقة خاطئة.

ومع هذا رأينا أيضًا أن ذهن الإنسان ليس مُستعبَدًا لكنه مسؤول عن أعمال الفكر أيضًا، ويمكنه أن يستنتج الأمور الصحيحة، حتى وإن كان عاجزًا عن تنفيذها. فهو مسؤول عن التفكير والقرار، وليس عن القدرة والتنفيذ. فإذا أدرك أن التوبة والإيمان ضرورة لا بديل عنهما للنجاة من الجحيم، وصرخ إلى الله، فسيمنحه الله الإيمان الذي يطلبه (أفسس 8:2).
في هذه السطور سنرى أن الرب كان يطالب التلاميذ، وكل المؤمنين، بأن يفكـِّروا ويفهموا ويستنتجوا؛ فالمؤمن لا يتحرك بأحاسيس داخلية مُبهَمة غير مفسَّرة، أو بمجرد انفعالات عاطفية وانسجام، لكنه يؤدّي أموره بالروح، يصلّي ويرنم بالروح كما أنه يؤديها بالذهن أيضًا (1كورنثوس 15:14).
منذ بدء خدمته كان الرب يريد من التلاميذ أن يفهموا ويستنتجوا ويعرفوا من هو، من خلال معاملاته معهم وكلامه، وأيضًا من خلال ما يفعل معهم وأمامهم. وعندما صنع أمامهم معجزة إشباع الخمسة آلاف بالخمسة أرغفة وسمكتين وفضل منهم اثنتَي عشرة قفة حملها التلاميذ، إلَّا أنه إذ أدرك أنهم بهذا لم يفهموا أيضًا "لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة." (مرقس 52:6)، اضطر أن يُمِرُّهم في أصعب الظروف وأقساها؛ فأمرهم أن يدخلوا السفينة، لتهيج الرياح والأمواج عليهم، ثم يأتيهم ماشيًا على الماء، فكانوا معذَّبين وصرخوا وخافوا جدًا، كل ذلك لأنه يريدهم أن يفهموا.
كان الرب يتكلم بأمثال، وكان يريد من تلاميذه أن يفهموا المثل والتشبيه ومعناه وتفسيره. وكان هذا عسيرًا عليهم في بادئ الأمر لكنه درَّجهم خطوة خطوة لكي يتعلموا كيف يفكرون حتى يفهموا من تلقاء أنفسهم. في إنجيل متى 13 تكلم المسيح بأمثال ملكوت السماوات مبتدئًا بمثل الزارع. وعندما سأله تلاميذه "لماذا تكلّمهم بأمثال" (متى 10:13)، ذكر لهم أن ملكوت السماوات له أسرار يقولها في أمثال، وينبغي أن يجتهد الإنسان ويفكـِّر ليفهم من الأمثال هذه الأسرار. لكنه قال لهم أيضًا إن الجموع وغير المؤمنين لا يريدون أن يفعلوا ذلك فهم "سامعين لا يسمعون ولا يفهمون... لأن قلب هذا الشعب قد غلظ." (عدد 13، 15) فغلاظة قلوبهم هي التي تجعلهم لا يفهمون ما يسمعونه. أما بالنسبة للتلاميذ، فيؤكـِّد أنه ينبغي أن يعرفوا هذه الأسرار ويفهموها "أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات." (عدد 11) ثم يمتدح الرب المعرفة والفهم قائلاً لهم إن الذي يقدِّر ويبذل مجهودًا في أن يفهم ما أُعطى له من أسرار، فسوف يُعطيه الرب المزيد، وأما من لا يقدِّر ولا يريد أن يفهم، فحتى ما فهمه سوف يفقد قيمته في حياته "فإن من له سيُعطى ويزداد وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه." (ع 12) وبعد أن أفهمهم الطريق، وأنه ينبغي أن يفكـِّروا لكشف الأسرار؛ فسَّر لهم المثل دون أن يطلبوا منه ذلك.
وفي إنجيل متى 15 تكلَّم بمثل آخر قائلاً لهم: "اسمعوا وافهموا: ليس ما يدخل الفم ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان." (ع 10-11) في هذه المرة أيضًا لم يفهموا، فسأله بطرس أن يفسِّر لهم المثل، لكن الرب لم يُصادق على هذه الحالة، وعلى عدم محاولتهم الفهم من أنفسهم وتشغيل أذهانهم؛ فقال لهم معاتبًا: "هل أنتم أيضًا حتى الآن غير فاهمين؟" (ع 16) وهنا يطالبهم أن يفكـِّروا ويفهموا من أنفسهم. ثم بعد ذلك فسَّر لهم المثل، بعد أن أكَّد على المبدأ.
ثم في إنجيل متى 16 تقدَّم معهم خطوة أخرى في الدرس، فقال لهم أن يتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين، إلا أنهم أيضًا لم يفهموا، وفكَّروا في أنفسهم أنهم لم يأخذوا خبزًا. لكن الرب، الذي لا يُسَرّ ببلادة الذهن وعدم التفكير، وبـَّخهم بشدة قائلاً: "لماذا تفكـِّرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان أنكم لم تأخذوا خبزًا؟ أحتى الآن لا تفهمون؟... كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قُلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين؟" (متى 8:16-11) أي إنهم فكَّروا لكنهم فهموا خطأ، وهو هنا يصحِّح أفكارهم. وهنا لم يفسِّر لهم لكنهم "حينئذ فهموا (من أنفسهم) أنه لم يقُل أن يتحرزوا من خمير الخبز، بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين." (ع 12)
في إنجيل يوحنا 6 تكلـَّم الرب كثيرًا عن نفسه كخبز الله النازل من السماء، الذي يَهَب حياة أبدية لكل من يأكله، وأنه ينبغي للإنسان أن يأكل جسده ويشرب دمه لتكون له حياة أبدية. وكثيرون عندما سمعوا قالوا: "هذا الكلام صعب! من يقدر أن يسمعه؟"، وكثيرون تركوه ورجعوا إلى الوراء. ولكن قال لتلاميذه أن هذا الكلام ليس حرفيًا، لكنه روح وحياة، وسألهم: "ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟" أما تفهمون؟
لكن بطرس أجابه: "يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك؟" (عدد 68)، فأدركوا أن كلامه يحتاج إلى تفكير لفهمه، وأن كلامه هو كلام الحياة الأبدية.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

93 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10558264