الدكتور أنيس بهنام"فإن الخطية لن تسودكم، لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة." (رومية 14:6)
ما معنى "لستم تحت الناموس؟"
إنها بكل تأكيد لا تعني أننا نستهين بالناموس كأنه قد أصبح بلا قيمة عندنا. ولذلك سنوضح معنى هذه العبارة لكيلا يُساء فهمها.

لنفترض أن رجلاً ثريًّا يملك مصنعًا يعمل فيه عدد من الموظفين والموظفات. وفي مدخل هذا المصنع قد وضع صاحبه قائمة شروط للموظفين. فمثلاً، لا يصح لأي شخص أن يأخذ آلات خارج المصنع، ويجب أن يحافظوا على نظافة المكان. وعدم دخول المصنع يومي السبت والأحد. بهذا يصبح الموظفون تحت هذه القوانين. ومن يخالفها قد يفقد وظيفته. ولكن لنفترض أن صاحب المصنع أُعجب بإحدى الفتيات، وبما أنه لم يكن متزوجًا أراد أن يتزوّجها. هل من المعقول أن يضع لها لائحة فيها هذه الشروط في بيتهما؟ وأن يكون الزواج مشروطًا بالطاعة الكاملة لهذه القوانين؟ طبعًا لا. لأنها الآن في علاقة جديدة مع صاحب المصنع، علاقة المحبة والرابطة الزوجية إذ يصبح الاثنان جسدًا واحدًا. فهي الآن تريد أن تعمل ما يملأ قلبه بالفرح لأنها تفرح بما يُفرّح زوجها وهي شريكته في كل ممتلكاته. فكونها ليست تحت هذه القوانين لا يجعلها تريد أن تكسر هذه القوانين. وهذا هو ما قاله الرسول بولس في رومية 15:6 "فماذا إذًا؟ أنخطئ لأننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة؟ حاشا!"
يعلمنا الروح القدس كيف تحرّر المؤمن من الناموس في غلاطية 19:2 "لأني متّ بالناموس للناموس لأحيا لله." معنى هذا أن الناموس حكم عليه بالموت وتحقق هذا الموت في موت المؤمن مع المسيح، وكما أُقيم المسيح من الموت كذلك أُقيم المؤمن. وهذا هو معنى المعمودية. هذه حقيقة أساسية تؤكد للمؤمن أن الناموس ليس له عليه سلطة إذ هو ليس تحت الناموس بل تحت النعمة.

مقارنة مهمة

يظن البعض أن المسيحي الذي يضع نفسه تحت الناموس سيصبح أكثر تدقيقًا في سلوكه. ولكن، هل مستوى الحياة تحت الناموس أعلى من مستواها تحت النعمة؟ لندع كلمة الله تجيب عن هذا السؤال. الناموس يقول: "لا تسرق؟" أما النعمة فتقول: "لا يسرق السارق فيما بعد، بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي من له احتياج." (أفسس 28:4) الناموس يقول: "لا تقتل." أما النعمة فتقول: "بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك (أي المسيح) وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة." (1يوحنا 16:3) وقال قبلهما مباشرة: "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس." ولا يسعنا المجال أن نقتبس كل ما جاء بخصوص ما تعلّمنا إياه النعمة. فهي تُلخَّص في تيطس 11:2-13 "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلّصة، لجميع الناس، معلِّمة إيّانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقّل والبر والتقوى في العالم الحاضر."

اقتباسات بخصوص الناموس
1- لما أراد بعض الفريسيين الذين آمنوا أن يضعوا المؤمنين الأمميين تحت الناموس قال الرسول بطرس: "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله؟ لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضًا."
2- قال الرسول بولس في مجمع اليهود في أنطاكية بيسيدية: "فليكن معلومًا عندكم أيها الرجال الإخوة، أنه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا، وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرّروا منه بناموس موسى." (أعمال 38:13-39)
3- "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرّر أمامه. لأنه بالناموس معرفة الخطية." (رومية 20:3)
4- "إذًا نحسب أن الإنسان يتبرّر بالإيمان بدون أعمال الناموس." (رومية 28:3)
5- "وأما الآن فقد تحررنا من الناموس، إذ مات الذي كنا ممسَكين فيه (والترجمة الأصحّ هي أننا نحن متنا بالنسبة له – كما جاء في الترجمة التفسيرية، وفي الترجمات الإنجليزية NIV, NAS, JNA وآخرين)، حتى نعبده بجدة الروح لا بعتق الحرف." (رومية 6:7)
6- "لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس برٌّ، فالمسيح إذًا مات بلا سبب."
7- "إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرّر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضًا بيسوع المسيح، لنتبرّر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرّر جسد ما." (غلاطية 16:2)
8- "لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به." (غلاطية 10:3) هذه الآية قد تبدو غريبة عند كثيرين. ولكنها تحتوي على كلمتين خطيرتين: أولاً، "يثبت" أي لا يخطئ ولا مرة واحدة في طاعته للناموس. ثانيًا، "جميع" أي كل ما يأمر به الناموس. فلا يكفي أن يطيع إنسان 90% أو 99% من المرات، أو أن يخطئ في واحدة فقط ولو مرة واحدة. كما جاء في يعقوب 10:2 "لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل." اقرأ أيضًا غلاطية 11:3-13.
9- "قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبرّرون بالناموس. سقطتم من النعمة." (غلاطية 4:5)

لماذا أعطى الله الناموس؟

كان بنو إسرائيل عبيدًا في مصر مئات السنين. ولكن الله أخرجهم من مصر ليجعلهم شعبًا خاصًا له. وهم في مصر تأثّروا بعادات، بل بديانات المصريين. لذلك كان لا بد أن يضع لهم الله قوانين هي بمثابة دستور (Constitution) ليخلصهم من تأثير مصر كما من الشعوب الوثنية التي ورثوها والشعوب التي حولهم. وأهم هذه القوانين هو أولها: "لا تكن لك آلهة أخرى أمامي." كان الناموس بمثابة سور (Wall) يحميهم ويميّزهم عن باقي الشعوب. قال الرسول بولس في غلاطية 23:3-26 "ولكن قبلما جاء الإيمان (أي الإيمان المسيحي) كنا محروسين تحت الناموس، مغلقًا علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلن. إذ قد كان الناموس مؤدبنا (Tutor) إلى المسيح، لكي نتبرّر بالإيمان. ولكن بعد أن جاء الإيمان، لسنا بعد تحت مؤدب. لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع."

كلمات ختامية
"فإنّكمْ إنّما دعيتمْ للْحرّيّة أيّها الإخْوة. غيْر أنّه لا تصيّروا الْحرّيّة فرْصةً للْجسد، بلْ بالْمحبّة اخْدموا بعْضكمْ بعْضًا..." (غلاطية 13:5-14) "لأن الناموس بموسى أُعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا."

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2017