الأخ منير فرجاللهأبهرتني ردود أهالي ضحايا الجرائم الإرهابية الأخيرة بمصر على وسائل الإعلام وأسئلتهم عن مشاعرهم تجاه ما حدث لذويهم، وإذا بهؤلاء المسيحيين البسطاء يقولون بيقين وتلقائية دون تردّد:

هم في مكان أفضل في أحضان الرب يسوع المسيح في السماء. ورغم اختلاف حِرفية الإعلاميين وتنوّعهم، أصابتهم دهشة ورهبة، وتوالت أسئلتهم عما يشعرون به نحو القتلة المتوحّشين. لم يسمعوا لعنات أو شتائم أو عبارات غاضبة كما يحدث في مثل تلك الظروف! لم يسمعوا شكوى أو مطالبة بالحقوق والانتقام! ما سمعوه كان:
- الرب يسامحهم ويغفر لهم ويهديهم إلى طريق الصواب!
في ذهول وتعجب صرخ بعضهم مستنكرين: كيف؟ كيف؟!
لأن سيدنا أوصانا لأجل الذين يسيئون إلينا ويطردوننا!
أحد رجال الإعلام البارزين سأل الزوج الأب الذي فقد زوجته وابنته: لماذا؟ لماذا تفعلون هذا؟! وجاءه الجواب صادمًا صريحًا مباشرًا:
لأن إلهنا الذي نعبده ونتبعه إله محبة. هو الله المحبة!
شهادة حية رائعة أذهلت العالم وهزّت القلوب في كل مكان!

*******
المحبة سر عجيب لا يستطيع العالم أن يستوعبه بسهولة. منذ أن أخرج الله آدم من جنة عدن عاش حياته بقوة ساعده وأكل خبزه بعرق جبينه. وجد نفسه وسط قوى كثيرة تعاديه وتتصارع معه وتعتدي عليه: الطبيعة، والحيوان، والإنسان الآخر كانوا له بالمرصاد.
أول أخوان على الأرض قتل أحدهما الآخر. أجيال وراء أجيال توالت والمحبة غائبة عن الإنسان، حتى بادر الله بإعلان محبته للإنسان، وجاء في صورة إنسان مولودًا من عذراء ليتمّ الفداء. وصرّح يسوع أنه:
"هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 16:3)
وكما أن نيقوديموس رغم علمه الواسع وخلفيته الناموسية الغنية، لم يفهم ذلك، أيضًا لم يستطع العالم أن يدرك ويستوعب محبة الله.
وجال يسوع – الله المتجسّد – في الأرض يعلن ويوضح وينشر محبة الله. كان هو المحبة يعيش ويسير وسط الناس، واقتربت المحبة من الإنسان، رآها واختبرها وتمتّع بها ثم مارسها. رأى المحبة على حقيقتها في علاقة يسوع وتعاطفه معهم وأعمال رحمته لهم. رآها في علاقته بتلاميذه وتابعيه وفي اتصاله الدائم بالآب. أظهر يسوع المحبة وهي تشعّ بهجة وسعادة وتوحّدًا مع الآخرين. المحبة تخلق ألفة ومودّة وحميمية مع الغير. والمحبة رغم ندرتها فهي رائعة كما كتب بولس الرسول:
"أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة. هذه الثلاثة ولكن أعظمهنّ المحبة."
كانت ليسوع علاقات متباينة مع الناس. دائرة واسعة تشمل التلاميذ جميعًا، لكنه كان يقضي جلّ وقته مع الاثني عشر الذين انتقاهم ليكونوا حوله ويرسلهم ليكرزوا. في مقدمتهم كان بطرس ويعقوب ويوحنا الذي كان يسوع يحبه.

*******
أما علاقة يسوع بالآب فكانت من نوع خاص متميّز، كانت قويّة عميقة حميمية أعلنها يسوع قائلاً:
"لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمل." (يوحنا 20:5) وأيضًا:
"كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب." (يوحنا 15:10)
محبة خاصة متميّزة... ومعرفة خاصة متميّزة... وعلاقة خاصة متميّزة... في صلاته الأخيرة من أجل تلاميذه ومن أجلنا قال:
"كلّ ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي." (يوحنا 10:17)
يسوع يخاطب الآب السماوي – الله – ويقول إنه لا يملك شيئًا، كل شيء له وكل شيء منه. كانا واحدًا في الهدف، وفي الإدراك، وفي المشاعر. وسأل يسوع من الآب لأجل تلاميذه ولكل الذين يؤمنون به أن يكون الجميع واحدًا:
"كما أنّك أنْت أيّها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا همْ أيْضًا واحدًا فينا، ليؤْمن الْعالم أنّك أرْسلْتني. وأنا قدْ أعْطيْتهم الْمجْد الّذي أعْطيْتني، ليكونوا واحدًا كما أنّنا نحْن واحدٌ." (يوحنا 21:17-22)
الآب نفسه أعلن محبته للابن بصوت مسموع وقت معموديته من يوحنا... بصوت مسموع نازل من السماء:
"أنت ابني الحبيب، بك سررت."
(لوقا 22:3)
مرة أخرى وهو على الجبل ومعه بطرس ويعقوب ويوحنا عند التجلّي قال:
"هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا." (متى 5:17)
العلاقة المجيدة الفريدة هذه طلبها يسوع لنا من الآب قائلاً:
"أيّها الآب الْقدّوس، احْفظْهمْ في اسْمك الّذين أعْطيْتني، ليكونوا واحدًا كما نحْن." (يوحنا 11:17) ثم يضيف في نهاية صلاته:
"أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرّفتهم اسمك وسأُعرّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم."
وفي يقيني أن الآب قد استجاب لطلب الابن وجعل هؤلاء المؤمنين البسطاء متوحّدين معًا ومع الآب كما كان الابن. وأن الحب الذي أحب الآب به الابن هو فيهم، وأن الرب يسوع المسيح نفسه – المحبة – يحيا فيهم.
عسير على العالم وهؤلاء الإعلاميين المذهولين من الكلمات التي سمعوها تخرج من أفواه هؤلاء الأهالي، ودم ذويهم القتلى ما زال ساخنًا سائلاً على الجدران المهدّمة. عسير عليهم أن يفهموا، أو يدركوا، أو يستوعبوا كيف يستطيع إنسان أن يشعر أو ينطق بمثل هذه الكلمات! السر في محبة الله بالمسيح يسوع التي انسكبت في قلوبهم بالروح القدس.
ليت ما سمعناه وشاهدناه يكون رسالة واضحة للعالم ليدرك محبة الله المتجسدة في يسوع المسيح خلال العام الجديد. والرب معكم.

المجموعة: شباط (فبراير) 2017