الدكتور القس لبيب ميخائيلإن الوعاء الإنساني الذي أفسدته الخطية لا يمكن إصلاحه؛ لا بد أن يعيد صنعه الفخاري الإلهي كما يحسن في عينيه.
استخدم الرب في تعليم شعبه القديم ما نسميه بلغة العلم "التعليم بالمرئيات". فطلب من إرميا أن ينزل إلى بيت الفخاري ليتحدث إليه بكلام خاص. ويقول إرميا: ""فنزلت إلى بيت الفخاري، وإذا هو يصنع عملاً على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري، فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري أن يصنعه.

فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ... هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هكَذَا بِيَدِي." (إرميا 3:18-4)
والصورة تنطبق على الإنسان الخاطئ الذي خلقه الله لمجده، ولكن ذلك الإنسان فسد، وهو بحاجة إلى أن يُصنع من جديد كما يحسن في عيني الفخاري الإلهي.
وأريد أن أتحدث عن نقطتين:

أولاً: أسباب فساد الوعاء
1. أول سبب لفساد الوعاء هو دخول جسم غريب في الطين... قطعة من الحجر الصغير، حصاة صغيرة، قطعة من الخشب أو من القش، أو أي جسم غريب.
والخطية جسم غريب دخل إلى حياة الإنسان، فالله يوم خلق الإنسان، يقول الكتاب المقدس: "جَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تكوين 7:2) هذا من الناحية الجسدية، أما من الناحية الأدبية والروحية فيقول الكتاب المقدس: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تكوين 27:1) ولكن الإنسان الذي خُلق على صورة الله سمح للشيطان أن يُدخل إلى حياته ذلك الجسم الغريب "الخطية"، وفسد الوعاء الإنساني وهكذا "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رومية 12:5)
آه، كم من أناس سمحوا لهذا الجسم الغريب "الخطية" أن ينمو فيهم، فشوّه حياتهم وأفسد جمالهم.
لعلّكم سمعتم عن ذلك الرسام العظيم الذي أراد أن يرسم صورة للمسيح ليلة العشاء الرباني، فجال يبحث عن شاب بهيّ الطلعة، طاهر العينين، ينقل صورة وجهه ليمثّل شخص المسيح الكريم، وبعد طول بحث وتفتيش وجد شابًا نقيًّا بسيطًا قَبِل أن يجلس أمامه ليرسم وجهه ليمثّل شخص المسيح. وبعد أن انتهى الرسام من رسم صورة المسيح رسم صور بطرس، ويوحنا، وفيلبس، وأندراوس وبقية التلاميذ... وأخذت منه هذه الصور سنوات... حتى وصل في النهاية إلى "يهوذا". فجال يفتش عن شخص تبدو على وجهه معالم الغدر والخيانة... وأخيرًا وجد رجلاً تعسًا قَبِل أن يكون وجهه صورة لوجه يهوذا، وبينما كان ذلك الرجل الشقي جالسًا أمام الرسام قال للرسام: ألا تذكرني؟ قال: كلا! قال: أنا الشاب الطاهر النظرات، البهي الطلعة الذي رسمتَ من قسمات وجهي صورة لوجه المسيح منذ سنوات.
قال الرسام بدهشة: يا إلهي! وما الذي أفسدك هكذا إلى التمام؟
قال الرجل التعس: أسلمت نفسي للخمر، والقمار، والزنا، فتدهورت صحتي، وضاعت قوتي، وطهارتي... حتى أصبحت كيهوذا الإسخريوطي. الخطية أفسدتني وشوّهتني أدبيًا وجسديًّا وروحيًّا.
فسد الوعاء بالانغماس في الخطية.

2. وجود التواء واعوجاج في الوعاء
يريد الفخاري أن يكون الوعاء جميلاً، إنه يريده أن يعلن قدرته ومجده. ولكن الوعاء خرج وبه التواء واعوجاج تنطبق عليه كلمات سفر إشعياء "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه." (إشعياء 6:53)
أجل، سرنا في طريق الاعوجاج. امتلأت حياتنا بالحسد، والنجاسة، والحقد، والخبث. التوينا تمامًا في الطريق... فسد الوعاء!

3. وجود مسام متفتّحة في الوعاء
أنتم تذكرون أننا عندما كنا نشتري "القلل" قبل انتشار البرادات، كنا نملأ القلة بالهواء أو بالماء. فإذا تسرب الهواء أو الماء بسرعة أعدناها إلى الفخاري من جديد.
وكم من أناس فسدت حياتهم لوجود مسام متفتحة فيها تتسرب منها البركات. لسانهم كثير الكلام و"كثرة الكلام لا تخلو من معصية." نظراتهم غير بسيطة "وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا." أيديهم غير طاهرة. حياتهم ملآنة بالمسام المتفتّحة.
في مثل الزارع يقول الرب يسوع: "سقط بعض على الطريق فجاءت طيور السماء وأكلته." سقط على أرض مكشوفة. ولكي يبقى البذر وينتج ثمرًا لا بد أن يغطيه الفلاح في قلب الأرض.
احذر المسام المفتوحة في حياتك، إنها سبب فساد الوعاء.

ثانيا: شروط إعادة صناعة الوعاء
"فعاد وعمله وعاء آخر."
يا للفخاري الطيب القلب! كان في قدرته أن يلقي بالوعاء الذي فسد بعيدًا، لكنه عاد فعمله وعاء آخر. إنه إله طيب يريد أن يخلقك من جديد.
ما هي شروط إعادة صنع الوعاء؟

الشرط الأول: الإيقان بأن إصلاح الوعاء غير ممكن.
إن الذين يعتقدون بإمكانية إصلاح الطبيعة البشرية الفاسدة، يضلّون كثيرًا. إن العلم انتشر ولكنه لم يُصلح طبيعة الناس بل أعطاهم أسلحة من الخبث والذكاء لإخفاء معالم جرائمهم وآثامهم.
لا فائدة في الإصلاح – لا بد من أن تولد ثانية – تُخلق من جديد، كما يقول بولس الرسول: "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2كورنثوس 17:5)
لقد خرج الروح النجس من الإنسان، ولكن لأن المسيح لم يملأ قلبه عاد الروح النجس ومعه سبعة أرواح أُخر أشرّ منه، وصارت أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله.
الخلاص ليس بإصلاح الحياة تدريجيًّا؛ تيقن أنه لا فائدة من طبيعتك العتيقة.

الشرط الثاني: سلّم نفسك بين يدَي الفخاري الإلهي
لو تمرّد الوعاء... لو رفض أن يصنعه الفخاري من جديد، فالفخاري لا يمكن أن يصنعه، لكن لو سلمت ذاتك في يد الفخاري سيعمل منك وعاء آخر كما يحسن في عينيه.
كان الفنان الكبير مايكل أنجلو يسير مع صديق له في شارع من شوارع روما، وفجأة انحنى على كومة "قمامة" والتقط من بينها حجرًا واحتضنه إلى صدره. قال له صديقه: "أتنحني يا مايكل أنجلو على كومة قمامة وتأخذ منها حجرًا قذرًا كهذا؟ قال النحات الكبير: زرني في الأستوديو بعد عشرة أيام وسأريك ماذا يصير هذا الحجر.
وبعد عشرة أيام صنع مايكل أنجلو من الحجر القذر أجمل تمثال عرفه التاريخ لموسى النبي.
إن الله ينظر إليك باعتبار ما ستكون، ويقول لك: سلّم لي حياتك وأنا أغيّرك. "يا ابني أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي." (أمثال 26:23)

الشرط الثالث: إن مشيئة الله في حياتك هي أفضل شيء لك
كثيرًا ما ينظر الناس إلى مشيئة الله على أنها تحمل لهم المستقبل المشؤوم، مع أن الرسول بولس يقول: "لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة." (رومية 2:12)
ذات يوم زار أحد خدام الرب سيدة في بيتها، وبعد أن قرأ كلمة الرب وشرحها وقف يصلي، وطلب منها أن تردد معه الصلاة الربانية، ولكن المرأة رفضت، فلما سألها الراعي: لماذا لا تصلين الصلاة الربانية؟ قالت: لأنني أكره مشيئة الله، والصلاة الربانية فيها طلبة تقول: "لتكن مشيئتك." وأنا أخشى أن تكون مشيئة الله أن يأخذ ولدي الوحيد.
قال الراعي: لو سلّم ابنكِ مشيئته لكِ، فهل كنت تؤلمينه؟
قالت: كلا!
قال: كم بالحري الله المحب الحنون؟ إن إرادته صالحة ومرضية وكاملة.
ليتك –عزيزي القارئ– تأتي إليه وتسلّم نفسك بين أصابع الفخاري الإلهي وتردد قائلاً:
أنجز يا ربي قصدك بي خزف إني بين يديك
كيِّف حياتي كما تشاءأودعت كل قلبي لديك

المجموعة: حزيران (يونيو) 2017