الدكتور صموئيل عبد الشهيدكانت قيامة المسيح هي راية الانتصار والغلبة على الموت والخطيئة وإبليس، وضمان الحياة الأبدية لكل من يؤمن به فاديًا ومخلصًا. وما من مؤمن إلا وهو ينتظر تلك اللحظة المجيدة التي يأتي فيها المسيح بموكب من ملائكته الأبرار وأتقيائه الذين سبقونا إلى الوطن السماوي، لأن المسيح في مجيئه الثاني يعلن استهلال حقبة جديدة أبدية يكون هو فيها ذلك الملك الذي تجثو له كل ركبة مما في السماء والأرض وتحت الأرض. بل أكثر من ذلك، وكما يقول الرائي يوحنا في سفر الرؤيا: "وسمعْت صوْتًا عظيمًا من السّماء قائلاً: «هوذا مسْكن الله مع النّاس، وهو سيسْكن معهمْ، وهمْ يكونون له شعْبًا، والله نفْسه يكون معهمْ إلهًا لهمْ...]" (رؤيا 3:21)

ولكن من حيث أن المسيح هو الكرمة الحقيقية كما قال عن نفسه، فإن جميع المؤمنين به هم الأغصان، فإننا نحن أيضًا في حياتنا الحاضرة وفي يوم مجيئه نغلب أيضًا لأن جميع انتصاراته تمسي انتصاراتنا بفضل الرابطة العضوية التي لنا فيه. وفي الواقع، من المتعذّر علينا أن نحرز أيّ انتصار روحي بمعزل عنه لأنه، كما أشار الكتاب المقدس: "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود." (زكريا 6:4) ومن حيث أن الكنيسة العامة هي الأغصان الممتدة من أصل الكرمة، بل هي جسد المسيح وهو رأسها، فإننا كأبناء الملكوت نغلب العالم بغلبته.
ورد في سفر الرؤيا 14:17 أن المسيح في حربه مع قوات الشر المتحدة:
"... يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوّون ومختارون ومؤمنون."
ومع أن المسيح يدعى في مطلع الآية الآنفة بالخروف لأنه حمل خطايا العالم، فإنه في نفس السفر 5:5 قد لقّب بالأسد: "هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا، أصل داود..."
وقد سبق للمسيح في مناجاته الطويلة الحميمة مع تلاميذه في إنجيل يوحنا بدءًا من أصحاح 13-16 أن قال لهم في الآية الأخيرة:
"قدْ كلّمْتكمْ بهذا ليكون لكمْ فيّ سلامٌ. في الْعالم سيكون لكمْ ضيقٌ، ولكنْ ثقوا: أنا قدْ غلبْت الْعالم." (33:16)
أمّا الْغلبة الْكبْرى الّتي كان لها، كوْنيًّا، أكْبر دويٍّ، فهي غلبة الصّليب. هناك على الْجلْجثة انْتصر الْمسيح على ألدّ أعْداء الْإنْسانيّة الثّلاثة: الْموْت الرّوحي (وفي الْقيامة على الْموْت الْجسدي "لأنه ابْتلع الْموْت إلى غلبةٍ")، وعلى الْخطيئة، وعلى إبْليس (راجع كورنْثوس 51:15-57). على أنّ هذه الْغلبة الْمجيدة هي فقطْ منْ نصيب الْمؤْمنين الْمفْديّين بدم الْمسيح إذْ تقول الْآية 57:
"ولكنْ شكْرًا لله الّذي يعْطينا الْغلبة بربّنا يسوع الْمسيح".
وينوّه الرّسول يوحنّا بوحْيٍ إلهيٍّ في رسالته الْأولى 5: 4-5 قائلًا،
"لأنّ كلّ منْ ولد من الله يغْلب الْعالم. وهذه هي الْغلبة الّتي تغْلب الْعالم: إيْماننا. منْ هو الّذي يغْلب الْعالم، إلّا الّذي يؤْمن أنّ يسوع هو ابْن الله؟"
إذًا، إنّ غلبة الْمؤْمنين مرْهونةٌ بغلبة الْمسيح ولا يمْكننا قطّ أنْ ننْتفع منْ غلبة الْمسيح إلّا إذا كان الْمسيح هو الْمتولّي شؤون حياتنا؛ عنْدئذٍ نسْتطيع أنْ نعيش حياةً غالبةً. يصرّح الرّسول يوحنّا قائلًا:
"أنْتمْ من الله... وقدْ غلبْتموهمْ لأنّ الّذي فيكمْ أعْظم من الّذي في الْعالم." (1يوحنّا 4:4)
أيْ، إنّ الْمسيح السّاكن فينا بروحه الْقدّوس يمدّنا بالْقوّة والْغلبة ضدّ قوى الْعالم الشّرّير الْمتنكّر للْمسيح لأنّ في جميع ضيقاتنا وصراعاتنا الرّوحيّة يعْظم انْتصارنا بالْمسيح الّذي أحبّنا (رومية 37:8). ومن الْجليّ أيْضًا أنّ الْإيْمان الْفعْليّ بأنّ يسوع هو ابْن الله والْعمل بوصاياه هو سرّ الْغلبة؛ إذْ منْ غيْر الْمعْقول لمنْ يسْتنْكر ويتنكّر لبنوّة الْمسيح الرّوحيّة لله أنْ يحْظى بقوّته وغلبته. فالْغلبة كما نرى، لا تتوقّف على الْمحاولات الْبشريّة لعجْزها عنْ مجابهة خطط إبْليس وأسْلحته الْماحقة، وهو الْمطّلع على كلّ ثغرات دفاع طبيعة الْإنْسان السّاقطة الْواهية. ولكنْ كما يقول بولس في 2كورنْثوس 14:2،
"شكْرًا لله الّذي يقودنا في موْكب نصْرته في الْمسيح كلّ حينٍ..."
وهو الْموْكب الظّافر الّذي فيه خلاص الْبشريّة.
ولكنْ ما هي مكافآت الْغالب؟
ففضْلًا عنْ أنّ الْغالب سيتمتّع بالْحياة الْأبديّة مع الْمسيح في السّماء، (وهذه أهمّ مكافأة يحْظى بها الْمؤْمن) وينال إكْليل الْحياة والْبرّ، فهناك مكافآتٌ أخْرى وعد بها الْمسيح أبْناء الْملكوت، يوْرد الْكتاب الْمقدّس بعْضًا منْها:
"منْ يغْلب فسأعْطيه أنْ يأْكل منْ شجرة الْحياة الّتي في وسط فرْدوْس الله." (رؤْيا 7:2)
"منْ يغْلب فلا يؤْذيه الْموْت الثّاني."
(رؤْيا 11:2)
"منْ يغْلب ويحْفظ أعْمالي إلى النّهاية فأعْطيه سلْطانًا على الْأمم." (رؤْيا 26:2) يرى ليون مورس في تعْليقه على هذه الْآية أنّ الْمؤْمن الْغالب سيكون له مكانةٌ مرْموقةٌ في انْتصار الْمسيح النّهائي السّاحق ضدّ قوّات أعْداء الله.
"منْ يغْلب فذلك سيلْبس ثيابًا بيضًا، ولنْ أمْحو اسْمه منْ سفْر الْحياة، وسأعْترف باسْمه أمام أبي وأمام ملائكته." (رؤْيا 5:3)
"منْ يغْلب فسأجْعله عمودًا في هيْكل إلهي... وأكْتب عليْه اسْم إلهي، واسْم مدينة إلهي، أوْرشليم الْجديدة النّازلة من السّماء منْ عنْد إلهي، واسْمي الْجديد." (رؤْيا 12:3) الْعمود كنايةٌ عنْ أنّ الْمؤْمن الْغالب سيكون دائم الْوجود في محْضر الله.
"منْ يغْلبْ يرثْ كلّ شيْءٍ، وأكون له إلهًا وهو يكون لي ابْنًا." (رؤْيا 7:21)
وفي يوْمٍ ما ستأْتي تلْك الْلحْظة الْمجيدة الّتي يتمّ فيها الْقضاء على إبْليس وأعْوانه، وكلّ من اسْتهان بفداء الْمسيح ورفضه، ويصْبح الْعالم كلّه فرْدوْسًا جديدًا مقدّسًا بلْ سماءً جديدةً وأرْضًا جديدةً، وهناك يكون، كما سمع الرّسول يوحنّا في رؤْياه:
"وسمعْت صوْتًا عظيمًا من السّماء قائلًا: هوذا مسْكن الله مع النّاس، وهو سيسْكن معهمْ، وهمْ يكونون له شعْبًا، والله نفْسه يكون معهمْ إلهًا لهمْ." (رؤْيا 3:21)
وعنْدئذٍ يعيش الْمفْديّون بالْمسيح في غبْطةٍ وسلامٍ لأنّ إبْليس وجميع قوّاده وأجْناده، والْموْت، والْهاوية، وكلّ منْ لمْ توْجدْ أسْماؤهمْ مكْتوبةً في سفْر الْحياة، تطْرح في بحيْرة النّار الْمتّقدة.
(رؤْيا 20: 10، 14، 15)
وأخيرًا، معْ أنّ الْمسيح ابْن الله الْمخلّص الْغالب قدْ تجسّد لينْقذ الْبشريّة من الْهلاك الْأبدي، فإنّه لمْ يجنّدْ فيالق عسْكريّةٍ وكتائب مدجّجةٍ بالْأسْلحة الْفتّاكة بلْ جاء وحيدًا متسلّحًا بالْمحبّة والتّضْحية بالذّات. لمْ يسنّ قوانين ولا شرائع ولا فرض طقوسًا بلْ أعْطى نفْسه لتكون حياةً لكلّ منْ يؤْمن به ربًّا ومخلّصًا وفاديًا، لأنّ تلْك الشّرائع والْفرائض والطّقوس لا حياة فيها ولا خلاص. وحيدًا مضى إلى الصّليب، ووحيدًا قام منْ بيْن الْأمْوات مٌنْتصرًا، ولكنْ غلبته الْمجيدة زلْزلتْ أرْكان الْعالم، وقضتْ على وثنيّة الْإمْبراطوريّات. لمْ يشرّعْ طقوسًا دينيّةً أوْ سننًا للْخلاص بلْ وضع نفْسه في دائرة النّور وقال: "أنا هو الطّريق والْحقّ والْحياة"؛ فتح ذراعيْه وعانق الْعالم بأسْره هاتفًا: "منْ يقْبلْ إليّ لا أخْرجْه خارجًا." وترجّع صوْته الْمفْعم بالْمحبّة: "منْ يؤْمن بي فله حياةٌ أبديّةٌ." فهلْ هناك دينٌ آخر بذل فيه ربّه نفْسه منْ أجْل أحبّائه وأعْدائه؟ غيْر أنّ هذا الْفادي الْمحبّ سيكون يوْمًا ما هو نفْسه ديّان الْعالمين؛ فهلْ منْ معْتبرٍ؟

المجموعة: حزيران (يونيو) 2017