عندما سُبي حزقيال النبي إلى نهر خابور، كان في حاجة شديدة إلى رؤيا تسعده، ويدٍ تسنده، وكلماتٍ تعضده. وقد دبّر الرب أن يتعامل معه من خلال هذه جميعها. فقد أراه رؤيا أسعدته، ومدّ إليه يده لتسنده، وأسمعه كلمات لتعضده. في الرؤيا التي رآها، ظهرت له سحابة عظيمة ونار متواصلة حولها لمعان، وفي وسطها رأى حيوانات، أي كائنات حيّة، لكل واحد منها أربعة أوجه:

وجه أسد، ووجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر؛ ربط بعض المفسرين بين هذه الوجوه الأربعة والأناجيل الأربعة. وجه الأسد يرتبط بإنجيل متى الذي قدّم المسيح على أنه الأسد الخارج من سبط يهوذا. ووجه الثور يرتبط بإنجيل مرقس الذي قدّم المسيح كالخادم. ووجه الإنسان يرتبط بإنجيل لوقا الذي قدّم المسيح كابن الإنسان. ووجه النسر يرتبط بإنجيل يوحنا الذي قدّم المسيح أسمى من كل البشر. ولكني سأتحدّث عن هذه الوجوه من منعطف آخر ألا وهو أربعة صفات يجب أن يتحلّى بها كل مؤمن:

أولاً: الحكمة والذكاء

الوجه الأول وجه إنسان. ومن المعروف أن الإنسان يتميّز عن بقية المخلوقات بالحكمة، ولكن أي نوع من الحكمة؟ يحدثنا الرسول يعقوب عن نوعين من الحكمة:
الأولى قدّم لها ثلاثة أوصاف: أرضية ونفسانية وشيطانية. أرضية، أي متعلّقة بالأرضيات. نفسانية مرتبطة بالجسد والاهتمامات المادية. وشيطانية، مصدرها الشيطان، عدو كل برّ.
وأما الحكمة الثانية، فقد وصفها بسبعة أوصاف جميلة: طاهرة لأن مصدرها الله القدوس. مسالمة، لا تعرف المنازعات والمشاحنات. مترفّقة، تتعامل مع الآخرين برفق. مذعنة، لا تعاند ولا تكابر بل تخضع. مملوءة رحمة، ترحم المخطئين. مملوءة ثمارًا صالحة، أي تحمل أقدس الثمار. عديمة الريب، لا تشكّ في مواعيد الله ومحبته. وعديمة الرياء، أي إنها لا تبطن بخلاف ما تظهر. هذا النوع هو الذي يجب أن يتحلّى به كل مؤمن. الحكمة التي قال عنها سليمان: [تجارتها خير من تجارة الفضة، وربحها خير من الذهب الخالص. هي أثمن من اللآلئ وكل جواهرك لا تساويها.] ووردت في مكان آخر بمعنى: "كل الجواهر لا تساويها." فمن يريد أن يحصل على هذه الحكمة يجب أن يطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر.

ثانيا: سلطان الأقوياء

الوجه الثاني هو وجه أسد. يتميّز الأسد بالقوة، لذلك أُطلق عليه لقب [ملك الغابة]. القوة التي يحتاجها المؤمن ليست قوة بدنية، بل قوة روحية. هي التي تحدّث عنها الرب يسوع، له المجد، فقال لتلاميذه: [فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبسوا قوة من الأعالي.] [لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم.] وهذا حدث فعلاً في يوم الخمسين إذ امتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا.] وبعد أن تغيّر بطرس الذي خاف أن يجاهر بالمسيح أمام جارية - ثم أنكره - ها هو يتكلم بقوة وجرأة عظيمتين، ويجاهر متحدثًا عن الرب يسوع المجري المعجزات الذي أسلمه رؤساء الكهنة، وصُلب ومات وقام في اليوم الثالث. ونتيجة لكلمات بطرس نُخس السامعون في قلوبهم وقبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.
يقول النبي ميخا: [لكنني... ملآن قوة روح الرب." ويقول الرسول بولس: [تقوّوا في الرب وفي شدة قوته.]

ثالثًا: الخدمة والبذل والعطاء

الوجه الثالث هو وجه ثور. يذكّرنا الثور بالخدمة والمثابرة والتضحية. يجب أن يتحلّى المؤمن بصفة الخدمة والبذل والعطاء. هناك أناس لا يخدمون في الكنيسة. وإذا سألناهم لماذا؟ يقولون: [إحنا ملناش في المنبر.] هو ما فيش غير الخدمة المنبرية؟ هناك خدمة العمل الفردي، وتوزيع النبذ، والصلاة من أجل الآخرين، إلخ...
سمعت طفلة من مدارس الأحد عن وجوب التحدّث عن يسوع للخطاة والمجرمين. وبينما هي في طريق العودة من المدرسة رأت إنسانًا مقيّدًا في يديه. فسألت: [ليه عاملين كده في الراجل؟] قالوا لها: [دا إنسان وِحِش ومجرم.] فركضت نحوه وقالت له: [يسوع بيحبك!] وعندما وصل إلى سجنه تذكّر كلمات الطفلة، وقال في نفسه: [كل الناس بتكرهني، حتى أسرتي اتبرّت مني، لكن من هو يسوع يللي أخبرتني عنه البنت إنو بيحبّني؟] فسأل واحدًا من المسجونين معه عن يسوع. فقال له: [هناك زائر يتردد على السجن مرتين في الأسبوع، هو من أتباع يسوع، اسأله.] ولما جاء هذا الزائر بدأ المسجون يسأله عن يسوع، وكيف يحب أناسًا أشرارًا مثله. بعد أن كلّمه عن المسيح سلّم هذا المجرم حياته للمسيح. ثم أعطاه القسيس الكتاب المقدس الذي بدأ يقرأه بشوق، وأصبح عاملاً في السجن يكلم الآخرين عن يسوع. ولما خرج من السجن أصبح من أشْهَر خدام كلمة الله.

رابعا: التحليق في أعلى الأجواء

الوجه الرابع هو وجه نسر. ومن المعروف أن النسر يطير على مسافات مرتفعة جدًا عن الأرض. والمؤمن يجب أن يسمو ويرتفع عن كل ما هو أرضي. يقول الرسول بولس: [فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله.] والرسول يوحنا يقول: [لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد.]
إن كنت تريد أن تسمو حياتك فما عليك سوى أن تواظب على الصلاة وقراءة الكلمة المقدسة، والصوم، والمواظبة على حضور الاجتماعات الروحية.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2017