الأخ إيليا كيرلسحكت لي طبيبة مؤمنة، تعمل في سجن بكاليفورنيا، عن سجين شاب هناك، حاول الانتحار عدة مرات. وبعد أن تم إنقاذه من الانتحار قال للطبيبة: [من فضلكم دعوني أموت، أنا لا أستحق أن أعيش! فالشيطان يعيّرني كل يوم، لأني قتلت أبي في لحظة غضب وتهوّر،

مدتها دقائق قليلة. ولن أستطيع أن أعيش معذَّبًا بهذا الذنب أيامًا وسنينًا طوال.]
نعم ما أبشع الغضب وعواقبه!
أحبائي، مع أننا نعيش في مجتمع تسوده العصبية وحدّة الطباع، بسبب أو بدون سبب، لكن أولاد الله، لهم سِمَة جميلة وفضيلة رائعة تميِّزهم وسط هذا المجتمع الغضوب، إنها فضيلة [الحِلم] أي أن يكون المؤمن حليمًا (عكس غضوبًا).
أصلي من كل قلبي أن يظهر هذا الحِلم والهدوء في حياتي وحياتك عزيزي القارئ.

من هو الحليم؟
الحليم هو الشخص الذي لا تثيره إساءة الآخرين له، ولا يرغب في الانتقام منهم. وهذا ما وصف الرب به موسى أنه «حليمًا أكثر من جميع الناس.» (عدد 3:12) والحِلم هي صفة تشتمل على الوداعة وطول الأناة يريدها الرب في كل المؤمنين «ليكن حلمكم معروفًا عند جميع الناس.» (فيلبي 5:4) ولنا في المسيح منبع ومصدر كل وداعة وحلم. «بوداعة المسيح وحلمه.» (2كورنثوس 1:10)

تعريف الغضب
يُنظر إلى الغضب على أنه شكل من أشكال رد الفعل والاستجابة، التي تمكِّن الإنسان من التعامل مع التهديدات. ويتّخذ الغضب عدة أشكال كالغضب السريع والمفاجئ، أو المتعمَّد، أو الغضب الشديد الانفعال، وهذا النوع مرتبط بسمات الشخصية، ويظهر في حالات من التهيّج والعبوسة والفظاظة.
وقد يصاحب الغضب مظاهر عدة مثل: تأثُّر عضلات الوجه والهيكل العضلي بشدة، فيصبح الوجه محتقنًا، مع زيادة في معدل ضربات القلب التي تُعِدّ الشخص للتحرّك. وأيضًا زيادة في تدفق الدم إلى اليدين، مع ازدياد نسبة العرق ولا سيما عندما يكون الغضب شديدًا.

الغضب المقدس والغضب الشرير
هل كل غضب هو مرفوض ويعتبر خطية؟
1. من كلمة الله نتعلم أن الرب يسوع نفسه غضب، فعندما رأى الذين يبيعون ويشترون في الهيكل غضب، وحينما كان في المجمع غضب أيضًا «نظر حوْله إليْهمْ بغضبٍ، حزينًا على غلاظة قلوبهمْ.» (مرقس 5:3) هذا هو الغضب المقدس غير المصحوب بالكراهية للآخر أو الانتقام منه.
والغضب المقدس، ليس بسبب إهانة الآخرين لي، بل هو بسبب إهانة الآخرين للمبادئ الإلهية. فعندما تعرَّض رجل الله موسى لإهانة أخيه هارون وأخته مريم، لم يغضب بل نقرأ عنه: «وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس.» (عدد 3:12) ولكن حينما عبد الشعب العجل، يقول الوحي الإلهي: «أبْصر الْعجْل والرّقْص، فحمي غضب موسى، وطرح اللّوْحيْن منْ يديْه وكسّرهما في أسْفل الْجبل.» (خروج 19:32) إن عدم الغضب في هذه الحالة هو عدم تقدير لمجد وكرامة سيدنا المعبود المبارك. وهذا الغضب لا يتعارض مع محبتنا للناس حولنا.
2. أما الغضب الشرير، هو هذا الانفعال الذي دافعه الجسد والكبرياء والذي يظهر في الصوت العالي والصياح، وغالبًا ما يسيء إلى الآخرين بحق أو بدون حق. وهذا واضح مع شاول الملك، الذي في غضبه هاج وشتم وحاول قتل ابنه يوناثان، لا لشيء إلا لأنه دافع عن داود البريء. «فحمي غضب شاول على يوناثان وقال له: يا ابْن الْمتعوّجة الْمتمرّدة، أما علمْت أنّك قد اخْترْت ابْن يسّى لخزْيك.» (1صموئيل 30:20) يا للهول!

مخاطر الغضب
1- جسمانيًا ونفسيًا: ما أكثر الأمراض الجسدية والنفسية التي تصيب الكثيرين، بسبب انفعالاتهم غير المنضبطة وغضبهم الشديد: كالانهيار العصبي، والشلل، والضغط المرتفع، وبعض حالات مرضى السكري؛ بسبب ترك العنان للغضب. ما أروع ما قاله المسيح: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم.» (متى 29:11) نعم، تجد راحة لأعصابك عندما تسلِّم للرب قضيتك، فتجد راحة لنفسك.
2- روحيًا: يقول الرسول يعقوب: «غضب الإنسان لا يصنع بِرَّ الله.» (يعقوب 20:1) الغضوب لا يستطيع أن يتمِّم أفكار الله. فعندما غضب موسى على الشعب، لم يستطع أن يصنع بر الله، وبدلاً من أن يكلم الصخرة ضربها مرتين، فحُرم من الدخول إلى أرض كنعان (عدد 11:20). ليس هذا فقط بل إن الغضب يجلب القضاء الإلهي. «وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.» (متى 22:5)
3- سلوكيًا: مما لا شك فيه أن الغضب يقود إلى قرارات خاطئة. يقول سليمان الحكيم: «اَلسَّرِيعُ الْغَضَبِ يَعْمَلُ بِالْحَمَقِ.» (أمثال 17:14) ويحكي لنا يعقوب أبو الأسباط عن سلوك ابنيه فيقول: «شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما... في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عرقبا ثورًا. ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما فإنه قاس.» (تكوين 5:49-7) مشيرًا بهذا إلى حادثة انتقامهما لشرف أختهما من شكيم الذي أذلّها، فقتلوا ليس شكيم فقط بل كل رجال المدينة في يوم واحد (تكوين 25:34). نعم، ملعون غضبهما.
أخي، أختي. هل تعاني من الاستفزاز والمستفزّين الذين حولنا؟ فما أحوجنا إلى نعمة ومعونة من الرب ليكون حِلمنا (هدوءنا وطول أناتنا) معروف عند جميع الناس، فيكون كل منا «مبطئًا في الغضب.» (يعقوب 19:1)

واجبنا تجاه الغضب
1- نحتاج إلى حياة المسيح فينا؛ ليس فقط أن نتعلم أسلوب حياته «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته،» (متى 19:12) بل أيضًا أن يحيا هو فينا «بوداعة المسيح وحلمه.» (2كورنثوس 1:10)
2- هناك مواقف تحتاج منا إلى الحزم، وقد تستلزم الغضب أيضًا، لكننا نحتاج أن نضع أمامنا هذه النصيحة الحلوة «اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم.» (أفسس 26:4) لأنه إذا بقي هياجٌ أو غضبٌ كامنًا في نفوسنا، فلا يكون هذا الغضب من الله، وحينئذٍ نعطي لإبليس مكانًا في حياتنا يحركنا إلى ما هو أبعد من الغضب.
3- ما أحوجنا أن نتعلم كيف نضبط أنفسنا ولا سيما في وقت الغضب. «اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً.» (أمثال 32:16) وهذا لن يتم إلا بقوة وعمل الروح القدس.
4- «لا تتغاضبوا في الطريق.» نحتاج أن نستمع إلى نصيحة يوسف لإخوته ولنا أيضًا.
أحبائي أرجو أن نتذكر أن إلهنا يحب أن يرى فينا «الروح الوديع الهادئ الذي هو قدّام الله كثير الثمن.» (1بطرس 4:3)

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2017