القس منير سليمانما زلنا نتأمل في الآية [الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت.] (تثنية 27:33) فرأينا في الجزء الأول [الإله القديم] أنه إله كل السنين، وإله المواعيد الأمينة، وإله الخيرات والبركات الوفيرة، وإله المعجزات والآيات العظيمة.
والآن نتأمل في الجزء الثاني من هذه الآية الرائعة [الإله القديم ملجأ] تحت عنوان: الملجأ الأمين.

لقد اختبر رجال الله في كل العصور هذه الحقيقة المعزّية، [الله لنا ملجأ وقوة، عونًا في الضيقات وُجد شديدًا.] (مزمور 1:46) [أقول للرب: ملجإي وحصني. إلهي فأتّكل عليه.] (مزمور 2:91) [يا رب، ملجأً كنت لنا في دور فدور.] (مزمور 1:90) وكل هذا يذكرنا بمدن الملجأ الستة التي أمر الرب بني إسرائيل بإقامتها، ليهرب إليها كل قاتل سهوًا بغير علم فتكون ملجأ له من وليّ الدم (يشوع ص 20). ولقد أُقيمت هذه المدن على الجبال ليراها كل شخص، ومنتشرة في أماكن محددة ليسهل على أي قاتل سهوًا في أي مكان أن يهرب إليها (يشوع 7:20-9).
وفي اعتقادي، هذه المدن تشير إلى الرب يسوع من عدة أوجه. إنه ملجأنا الأمين الذي نركض إليه في كل ظروف حياتنا ونتمنّع (أمثال 10:18)، لذلك دعونا نتأمل في عدة نقاط عن يسوع الملجأ الأمين:

هو ملجأ بابه مفتوح دائما
في هذه الأيام يواجه اللاجئون مشاكل كثيرة، منها إغلاق الحدود في وجوههم. أما مدن الملجأ فكانت مفتوحة ليلاً ونهارًا أمام القاتل سهوًا ليتمكن من أن يهرب إليها في أي وقت. هكذا الرب يسوع ملجأنا الأمين، بابه مفتوح دائمًا لكل من يلجأ إليه في أي وقت ولأي ظرف، وأيضًا مُرحّب به. يقول في رؤيا 8:3 [هنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا لا يستطيع أحد أن يغلقه.] ويقول في يوحنا 9:10 [أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى.]
يأتي إليه الخاطئ في أي وقت فينال منه كل ترحاب وقبول.
يأتي إليه المتعب المتضايق، المتألم، المريض، المحتاج، الضعيف، المحبط... فينال منه كل استجابة. فمن يُقبل إليه لا يخرجه خارجًا.
ذكر القس بيلي جراهام في أحد كتبه هذا الاختبار. قال: تقابلت مع صديقة في سويسرا، وضعها النازيون في السجن لمدة أربعة شهور. وكانت الزنزانة التي وُضعت فيها مظلمة وتغمرها المياه القذرة. وعندما كانت تَسمع صرخات المسجونين الآخرين كانت تدرك بأنها هي أيضًا تحت تهديد التعذيب. قالت: [وقفت مرة وأعطيت ظهري للحائط وكأنني أحاول أن أدفع الجدران التي تضمني. لقد كنت مرتاعة، فصرخت بأعلى صوتي: ‘ربي، لم تعد لديّ قوة على الاحتمال، وكذلك لم يعد عندي إيمان.’ يقول بعض الذين يعانون من مثل هذه الآلام: ’أتمنى لو كان عندي الإيمان الذي لكِ.‘ لكني أعترف بأن إيماني ضعيف. لكن الله تكلم إليّ بطريقة غير عادية من خلال نملة تمشي على الأرض. ففي اللحظة التي أحسّت فيها النملة بوجود ماء، أسرعت إلى جحرها الصغير في الحائط. وكأن الرب كان يتحدّث إليّ آنذاك: ‘ما رأيكِ في هذه النملة؟ إنها لم تتوقّف لتنظر إلى الأرض المبللة، ولا إلى أرجلها الضعيفة، لقد ذهبت مباشرة إلى مخبئها. لا تنظري - يا كوري - إلى إيمانك بأنه ضعيف، أنا مخبِّئُك، ويمكنك أن تسرعي إليّ تمامًا مثل هذه النملة التي اختفت في هذا الجحر في الحائط.’]
أيها المتألم، الضعيف، المظلوم، الخائف، المضطرب. الجأْ إلى المخبأ الأمين يسوع الحبيب فتجد فيه كل معونة لكل ظروف حياتك.

هو ملجأ للحياة
ملجأ للإنقاذ من الموت. يقول الوحي المقدس في يشوع 9:20 [هذه هي مدن الْملْجإ لكلّ بني إسْرائيل وللْغريب النّازل في وسطهمْ لكيْ يهْرب إليْها كلّ ضارب نفْسٍ سهْوًا، فلا يموت بيد وليّ الدّم حتّى يقف أمام الْجماعة.] لاحظ العبارة: فلا يموت. أي تكون له حياة طالما هو داخل الملجأ.
وكل من يؤمن بيسوع المسيح فله حياة أبدية. قال يسوع: [الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.] يؤكد الرب هذه الحقيقة عن [الحياة الأبدية] في العهد الجديد 37 مرة، ولم تذكر في العهد القديم إلا مرة واحدة في دانيآل 2:12.
لا توجد حياة حقيقية وحياة أبدية بمعزل عن يسوع. فهو الذي أنقذنا من الموت الأبدي والدينونة، لأن فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، وهو الطريق والحق والحياة. وهو يدعو كل خاطئ بعيد عن الله إليه ليهبه الحياة الأبدية.
قال شاب محكوم عليه بالإعدام: [قولوا للشباب، أينما كانوا، أنني لا أموت الآن بسبب الجريمة التي اقترفتها، ولا أموت لأنني قاتل، فقد عفا عني الحاكم. إني أموت لأنني رفضت عفو الحاكم ولم أقبله لذلك حُرمت منه.] وكان الحاكم بناء على توسلات أهل مدينته والمدن المجاورة قد استجاب لهم، وحمل مكتوب العفو في جيبه وذهب إلى زنزانة السجن الموجود فيها هذا الشاب، وكان الحاكم قد لبس زي رجل دين، وحاول أن يتكلم مع هذا الشاب، لكنه صرخ في وجهه: [أبعد عني، لا أريد أن أرى أمثالكم يا رجال الدين.] وبعد عدة محاولات من الحاكم، رفض أن يسمع له. فذهب الحاكم من حيث جاء، ولما علم الشاب بأنه الحاكم، وكان يحمل له العفو، كتب الكلمات التي بدأت بها هذه القصة.
والرب يسوع يحمل لك العفو الذي صنعه بدم صليبه، ويقدمه لك لتنال حياة أبدية. فاحذر من أن ترفض هذا العفو.

هو ملجأ للرعاية الشاملة
يقول عن مدن الملجأ في يشوع 4:20 [فيهرب إلى واحدة من هذه المدن، ويقف في مدخل باب المدينة ويتكلّم بدعواه في آذان شيوخ تلك المدينة، فيضمونه إليهم إلى المدينة ويعطونه مكانًا فيسكن معهم.] لاحظ العبارة [يعطونه مكانًا فيسكن معهم!] أي تكون له إقامة كاملة، يأكل ويشرب وينام... ويهتمون به من جميع النواحي مجانًا، أي طوال مدة إقامته في المدينة.
وماذا عن ربنا يسوع المسيح، ملجأنا الأمين، الذي لنا فيه الرعاية الكاملة والشاملة؟ يقول الرسول بولس: [الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء؟] (رومية 32:8) ويقول صاحب المزمور المختبر: [كنت فتى وقد شخت، ولم أرَ صدّيقًا تُخُلِّيَ عنه، ولا ذرّيّةً له تلتمس خُبزًا.] (مزمور 25:37)
هل تصدّق وتثق أن الله يستطيع أن يسدد جميع احتياجاتك مهما كانت؟ ثق في الرب لترى عجائبه وتختبرها.

وهو ملجأ للحماية الكاملة
وجاء أيضًا في يشوع 5:20 [وإذا تبعه وليّ الدم فلا يسلّموا القاتل بيده.] ومعنى هذا، لا يمكن لوليّ الدم أن يقتل القاتل سهوًا طالما هو في إحدى مدن الملجأ. فشيوخ المدينة يحامون عنه. والذي في المسيح يسوع هو في حماية دمه الكريم من إبليس المهلك والقتّال. فإنه يرى الدم ويعبر، مثلما حدث مع شعب الله في ليلة قتل أبكار المصريين، كان الشعب في حماية الدم المرشوش على الأبواب.
والذين في المسيح يسوع هم في حماية دمه المبارك من الدينونة. [إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع] (رومية 1:8)، كما كان نوح وأولاده في حماية الفلك من دينونة الله بالطوفان الذي أتى على العالم.
والذين في المسيح هم في حمايته من الموت الأبدي لأنهم قد انتقلوا من الموت إلى الحياة.
ختامًا، اسأَلْ نفسك: هل أنت داخل الملجأ أم خارجه؟ لو كنت خارجه فأنت في خطر، فاهرب لحياتك من الموت إلى الملجأ الأمين الرب يسوع لتحيا.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2017