الدكتور القس ميلاد فيلبس[من ثمارهم تعرفونهم... وكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار... فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة.] مبدأ رسمه المسيح لكي يميّز تابعيه، فالفساد الديني ينشئ الفساد الأخلاقي والأدبي ويقود إلى الاستهزاء بالأمور المقدسة. كما طلب المسيح من تابعيه أيضًا أن ينكروا أنفسهم، أي قل: [لا] لنفسك حرفيًّا. قل: [لا لنفسك، ونعم للمسيح. لا للرغبة الطبيعية والاسترخاء ومحبة الذات والرغبات النفسية، ونعم لصوت المسيح وأمره.] [فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ.]

إن تعريف المؤمن صعب وسهل، فهو:

أولاً: عالم
إن شعار المؤمن دائمًا [لأنني عالم بمن آمنت، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم.] (2تيموثاوس 12:1) بناء على أن [كل الذين قبلوه (قبلوا المسيح) فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه.] (يوحنا 12:1) فمن هم [أولاد الله؟] إن أبناء الله ورد ذكرهم أولاً في سفر التكوين 6 وهم نسل شيث. وفي تكوين 4 و5 يتضح لنا الفارق الكبير بين نسل شيث ونسل قايين. هناك نقرأ عن نسل قايين المطرود حتى لامك وهو السابع و [بنات الناس]، ثم نقرأ عن نسل شيث المختار حتى نوح وهو العاشر و[أبناء الله]. إن كلمة شيث معناها [منتخب] ليأخذ مكان هابيل المذبوح، ومن نسله بينهم أخنوخ ونوح المختاران لتتميم قصد الله في مجيء المسيا الذي لم يتحدَّر من نسل قايين المرفوض [الذي خرج من لدن الرب.] أخيرًا، عندما نصل إلى النسل السابع لقايين وهو لامك، نجد تعدد الزوجات والقتل والافتخار الرديء، أما شيث فقد ولده آدم على شبهه كصورته، وابتدئ يُدعى باسم الرب.]

ثانيا: عارف
بعد أن أعلن المسيح أن غسل الأيدي لا ينفع شيئًا (مرقس 23:7)، شدد على أن نجاسة الإنسان ليست بسبب ما يدخل جوفه بل ما يخرج من فمه، ومن أعماله، ومن قلبه، ومن تفكيره. كما في الطمع وحب الامتلاك، أي "يريد أكثر" ما ليس له، وشهوة مال الغير أو تبذيره رغبة في المظاهر الكاذبة أو أذية الآخرين وإيقاعهم في فخ مكره. إن الشرير قد يتردد في عمل الشر أما العاهر فيخطئ علنًا ويحاول إسقاط الآخرين. لقد عالج المسيح خطية الكبرياء وإظهار عظمة الإنسان. ضد الإنسان والله. هذا يعلن جهل الإنسان أخلاقيا كما في اليونانية. “aphrosune”
سألت فتاة زميلتها المتفوقة في الدراسة: كيف تدرسين بمثل هذه الحرارة العظيمة: أجابتها: لأجل يسوع الذي يساعدني وجعلني أحب المدرسة وأصبحت الأشياء الصعبة مشوِّقة كلما فكرت أن أعملها لأتمم قصده في حياتي. أن الله يعطي الطعام للطير، لكن على الطير أن يطير إليه.

ثالثا: عامل
قال أحد الشعراء: في شبابي حين كنت عاجزًا عن الغناء امتنعت حتى عن كتابة الأغنية، ولم أزرع شجرة صغيرة على جانب الطريق لأنني عرفت أن نموها سيطول أيامه، ولكن السنون أعطتني الحكمة والعلم وعلمتني أن أزرع، وشخص آخر يسقي وأن أكتب أغنيتي وشخص آخر يغنيها.
في تعريف إنجيل مرقس عن قوة يسوع المعجزية استخدم كلمة "أكوسيا" في اللغة اليونانية Exousia ليعبر عن سلطان المسيح، والكلمة تجمع بين المعرفة والقوة المطلقة. يقول دكتور ثورنر أن أحد المرضى قال له: إني أعجب من مقدرتك على الإصغاء لكل ما يقوله المريض، فأجابه: إنها ليست مقدرة، ولكنها اهتمام بالناس.
في رسالة يهوذا 22 و23 "ارحموا البعض مميزين. وخلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد"، ولنا هنا ثلاث فئات وهم المعلمون الخادعون والناموسيون المقاومون والمستهزئون المستبيحون. المقصود هنا ارحموا البعض أي لا تتركوهم كأنه لا يرجى خلاصهم، "مميزين" باستخدام وسائل الحق الإلهي والحكمة "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ (متى 20:12). "خلصوا البعض بالخوف" حتى لا تقتنعوا بمواقفهم أو تشتركوا في خطاياهم "مختطفين من النار" أي من النار المشتعلة فيهم. "أليس هذا شعلة منتشلة من النار" (زكريا 2:3)، "مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" إشارة إلى الجو المحيط بالشخص (لاويين 46:13)، "ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب." (غلاطية 1:6)

رابعا: عاقل
هل تعلم ما هو الداء الذي ينهي الروابط الزوجية؟ إنه الشك وتناقضات الشخصية وامرأة شريرة أو رجل يعتبر نفسه أبر من المرأة الطيبة، وما هو رأيك في موضوع الطلاق؟ لقد أبان العهد القديم بأن الله "يكره الطلاق"، ومن يقبله ظالم وغادر (ملاخي 16:2). أما المسيح فقد بدأ رأيه بالقول بأنه "أُذن أن يكتب من أجل قساوة قلوبكم." (مرقس 4:10) إن المشكلة في مدارس اليهود تتعلق بنظرة الرجل للمرأة كمتاع يمتلكه وليس كشخص نظيره كما قصد الله، وأذنوا بالطلاق "إذا لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء" (تثنية 1:24). هنا تفننت المدارس في شرح هذا النص. لقد اقتبس يسوع ما وضعه موسى، لكنه جاء لكي "يكمل" ليكون "الاثنان جسدًا واحدًا."

خامسا: عادل
لقد ذهب يسوع إلى الأمم مع أنه جاء من اليهود ليعلن أنه لا يوجد شعب نجس أو طاهر طقسيًا (إعمال 10)، لكنه أعلن أنه ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب (مرقس 17:7). إن المسيح استخدم هذا القول الشائع إشارة إلى الكلاب المدللة التي يحبها الناس ويشفقون عليها "والصديق يراعي نفس بهيمته أما مراحم الأشرار فقاسية" (أمثال 10:12). إنها مخلوقات بائسة نطعمها بأيدينا، فإذا كانت الكلاب تأخذ أنصبة الأبناء، فكم يكون نصيب الأبناء أنفسهم؟ هل نلقي طعام الأولاد للكلاب؟ كلا! بل يشاركونهم "دع البنون يشبعون أولا". بذلك أعلن يسوع أن اليهود أخذوا بما لا يقاس من بركات الله والآن جاء الوقت لإعلان محبة الله للجميع "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 16:3) كما يقول الله "في هوشع أيضًا: سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة." (رومية 25:9). "فأقول: ألعلهم عثروا لكي يسقطوا؟ حاشا! بل بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم."

سادسا: عابر
قال النبي عوديد لبني إسرائيل بعد أن سبوا إخوتهم بني يهوذا: "والآن أنتم عازمون على إخضاع بني يهوذا وأورشليم عبيدًا وإماء لكم. أما عندكم أنتم آثامٌ للرب إلهكم؟ والآن اسمعوا لي وردّوا السبي الذي سبيتموه من إخوتكم لأن حموّ غضب الرب عليكم." (2أخبار 10:28-11) هذا هو مغزى المثل المذكور في إنجيل متى 18 عن العبد الذي كان عليه دينٌ لسيده وإذ عجز عن سداده رحمه سيده وترك له كل الدين، لكن هذا العبد لم يرحم عبدًا زميله مديونًا له بأقل كثيرًا من دينه لسيده. عندما سمع سيده بذلك عاقبه بشدة. إن رافض الرحمة يرثى لحاله (إشعياء 26: 1)، وعندما يطلبها الأشرار بعد فوات الأوان لا يجدونها (لوقا 24:6) ورافض الرحمة يعامل بدون رحمة (يعقوب 2: 13). إننا نرحم الغير بالعطف عليهم (أمثال 21:14) وترك سيئاتهم (متى 23:18). يرينا سفر هوشع أن الديانة العملية فردية لكل إنسان، وروحية وليست مجرد طقوس وعادات، وعملية لأنها تضع الحق وتعطي كل حق حقه.

سابعا: عابد
قال اللورد كلفن (1824-1907): إنني لا أجد أن قادة العلم أشخاص لا دينيين... وإذا فكرت تفكيرًا جديًا لأجبرتك العلوم الطبيعية على الإيمان بالله – إن العلوم تؤكد وجود الخالق، والدين الصحيح والعلم الصحيح يسيران معًا باتفاق كامل. قال أحمد شوقي أيضًا:
تلك الطبيعةُ، قِفْ بنا يا ساري
حتى أُريكَ بديعَ صُنعِ الباري
الأرضُ حولِك والسماءُ اهتزَّتا
لروائعِ الآياتِ والآثارِ
كتب أحدهم على مرآة بيته: لن أعبر هذا اليوم سوى مرة واحدة، فأي خدمة يسعني أن أسديها وأية رحمة أستطيع أن أدرك بها إنسانًا ينبغي أن أعجل بها... لن أتردد ولن أتوانى ولن أؤجّل لأنني لن أمر عبر هذا اليوم سوى مرة واحدة. أجاد شاعر آخر حين قال:
جَهَلَتْ عيونُ الناسِ ما في داخلي
فوجدتُ ربّي بالفؤادِ بصيرا
يا أيها الحزن المسافر في دمي
دعني، فقلبي لن يكون أسيرا
إن المؤمن هو من عرف المسيح ونال خلاصه وحمل صليبه وينتظر مجيئه، فهل تحبه؟

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2017