الدكتور أنيس بهنامهذه كلمات قالها الرب الإله لموسى النبي لما صنع بنو إسرائيل العجل الذهبي وعبدوه، فغضب الرب على الشعب وعزم على إهلاكهم، فتوسّل موسى إلى الرب من أجلهم، وطلب أن يغفر لهم الرب وأن يسير معهم "فقال الرب لموسى: هذا الأمر أيضًا الذي تكلمت عنه أفعله، لأنك وجدت نعمة في عينيّ، وعرفتك باسمك." (خروج 17:33)

يذكر لنا الكتاب المقدس سبعة أشخاص خاطبهم الرب بأسمائهم، مكررًا الاسم مرتين، لأهمية الموضوع. ولنا في كل مرة دروسًا عملية مهمة ونافعة. هؤلاء السبعة هم:

أولاً: إبراهيم أبو المؤمنين

تاريخ إبراهيم مدوّن لنا في 14 أصحاحًا (تكوين 12-25) وهو مليء بالدروس الثمينة. ولكن للأسف، كثيرون من المؤمنين يهملون دراسة العهد القديم، مع أنه لنا فيه دروسًا كثيرة نافعة، بل لازمة لنا جميعًا. كانت حياة إبراهيم حياة الثقة الكاملة في الرب. وحدث أن الله امتحنه، وقال الله: "خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحاق... وأصعده هناك (ذبيحة) محرقة... فلما أتيا إلى الموضع... بنى... المذبح ورتب الحطب وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب. ثم مدّ إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم! إبراهيم! لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني." (تكوين 1:22-14) لقد أثبت إبراهيم طاعته المطلقة لله.

ثانيًا: يعقوب (الذي أصبح اسمه إسرائيل)

كانت حياة يعقوب مليئة بالأحداث المتقلّبة. فهو الذي سلب أخاه عيسو البكورية، كما أنه خدع أباه إسحاق وادّعى أنه عيسو لينال البركة بالغش والخداع. ولذلك اضطر أن يهرب من وجه أخيه كما نصحته أمه رفقة التي كانت شريكة له في هذه المؤامرة. ولذلك اضطر أن يهرب من وجه أخيه كما نصحته أمه رفقة التي كانت شريكة له في هذا الخداع. وذهب إلى فدان أرام حيث كان خاله لابان الذي كان مثله في الخداع (اقرأ تكوين 15:29-29). وتم فعلاً المبدأ المعروف لدينا وهو أن "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا." ولكن مواعيد الله ثابتة وأكيدة. فبعد أن مرّ يعقوب في تجارب كثيرة، ولعلّ أقساها فقدان ابنه المحبوب يوسف (تكوين 37)، ثم بعد ذلك المجاعة الشديدة، اضطر أن يترك كل شيء وأن يذهب إلى مصر. ولكن الله الذي قال عن نفسه مرارًا أنه "إله يعقوب" يظهر نعمته نحو من لا يستحقها، واعترف يعقوب بعدم استحقاقه، وتمسك بوعد الرب له إذ قال للرب: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك... وأنت قد قلت: إني أحسن إليك وأجعل نسلك كرمل البحر." (تكوين 10:32-12) وفيما كان يعقوب عند بئر سبع في طريقه إلى مصر، كلّمه الله في رؤى الليل وقال: "يعقوب، يعقوب!... أنا الله، إله أبيك. لا تخف من النزول إلى مصر. لأني أجعلك أمة عظيمة هناك. أنا أنزل معك إلى مصر، وأنا أصعدك أيضًا. ويضع يوسف يده على عينيك." (تكوين 2:46-4)
حقًا هو "إله أمانة لا جور فيه." (تثنية 4:32) "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا." (مزمور 10:103)

ثالثًا: موسى النبي

إنه النبي الذي قال عنه الوحي: "ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهًا لوجه." (تثنية 10:34)
تاريخ موسى يشغل جزءًا كبيرًا من العهد القديم من سفر الخروج إلى سفر التثنية. وُلد موسى في مصر حين أمر فرعون أن كل ولد يولد يُطرح في النهر. ولكن الله الذي لا يستحيل عليه أمر رتّب أن يعيش موسى في قصر فرعون، واتخذته ابنة فرعون ابنًا لها، "وتهذّب بكل حكمة المصريين." ولكن قلبه كان مع شعب الرب الذي كان يقاسي من العبودية في مصر. وظن موسى أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة، ولكنهم لم يفهموا. فهرب موسى من مصر وذهب إلى مديان وتزوج ابنة كاهن مديان. "فكان يرعى غنم يثرون حميه... وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق... فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: "موسى، موسى!" فقال: "هأنذا." (خروج 1:3-4) لقد ناداه الرب مرتين ليجهّزه لمهمة خطيرة وهي أن يُخرج الشعب من أرض مصر ويقودهم 40 سنة إلى أرض الموعد، أرض كنعان.

رابعًا: الصبي صموئيل

(الذي أصبح فيما بعد النبي صموئيل)
إذ كان صموئيل بعد صبيًا كان يخدم الرب أمام عالي الكاهن (1صموئيل 1:3). ودعا الرب صموئيل فظن صموئيل أن عالي الكاهن هو الذي دعاه. ولكن عالي أخبره أن الرب هو الذي يدعوه. فقال له: "اذهب اضطجع، ويكون إذا دعاك تقول: تكلم يا رب لأن عبدك سامع." فجاء الرب ودعاه كالمرات الأول "صموئيل، صموئيل! فقال صموئيل: تكلم لأن عبدك سامع." لنلاحظ أن صموئيل لم يقل: تكلم يا رب. بل قال فقط "تكلم" خوفًا لئلا ينطق باسم الرب باطلاً. فأخبر الرب صموئيل بما سيعمله مع بيت عالي "من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا به اللعنة على أنفسهم، ولم يردعهم."

خامسًا: مرثا، أخت مريم ولعازر

دخل المسيح قرية بيت عنيا المجاورة لأورشليم "فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه أخت تُدعى مريم، التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه. وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة. فوقفت وقالت: يا رب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني! فأجاب يسوع وقال لها: "مرثا، مرثا، أنتِ تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها." (لوقا 37:10-42) كانت مرثا تخدم بنشاط وتريد أن تكرم الرب بأكبر درجة ممكنة. وأما مريم فكان اهتمامها بالرب ذاته وبالإصغاء إلى كلامه. وكأنها تقول مع إرميا النبي: "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي."

سادسًا: سمعان بطرس

لما قرب عيد الفطير، أي الفصح، أخبر الرب تلاميذه عن موته وأن واحدًا منهم سيسلمه للسلطات. وأن الشيطان يريد أن يغربلهم كالحنطة. فقال الرب لسمعان بطرس: "سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك." (لوقا 31:22-32) كان سمعان يحب الرب جدًا، وكانت عنده ثقة ولكنها كانت ثقة في الذات. ونحن نعرف ما حدث بعد ذلك، إذ أنكر سيده، ولكنه خرج وبكى بكاء مرًا.

سابعًا: شاول الطرسوسي الذي أصبح فيما بعد الرسول بولس

كان شاول في طريقه إلى دمشق ليقبض على المؤمنين بالمسيح ليرسلهم إلى أورشليم مقيدين لكي يحاكموا (أعمال 1:9-3) وكان أحيانًا يضطرهم إلى التجديف (أعمال 11:26). "وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتًا قائلاً له: "شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده." (أعمال 4:9-5)

تعليق

قال الرب يسوع إن الخراف تعرف صوت الراعي وأنه يدعوها بأسمائها (يوحنا 3:10). كما قال أيضًا: "من له أذن فليسمع." (رؤيا 7:2) فهو يدعونا بأسمائنا وعلينا أن نصغي له. فكل ما كُتب، كُتب لفائدتنا. ولنا فيما سبق دروس ثمينة سنذكرها باختصار:
من إبراهي م نتعلم أهمية القلب الحقيقي الذي يثق في الرب ويعلم أنه قادر على كل شيء، حتى على الإقامة من الأموات.
من قصة يعقوب نتعلم عن أمانة الرب بالرغم من عدم أمانتنا. فهو لا بد أن يتمم وعده لنا، وفي ذلك قد يسمح بأن نجتاز في ظروف صعبة لفائدتنا.
ومن تاريخ موسى نتعلم أن إلهنا يمكنه أن يحوّل خوفنا إلى ثقة وشجاعة حتى أمام أقوى السلطات المعادية.
في تعامل الله مع صموئيل نرى أن الله لا يحتاج إلى أبطال، بل يسرّ بمن يصغي إلى صوته حتى وإن كان صبيًا صغيرًا.
في قصة مرثا نرى أن الرب يحب أن تكون لنا شركة معه، وأن نستمع له أكثر من مجرد الخدمة والنشاط بدون شركة روحية معه.
ومما حدث لسمعان نرى أن يسوع هو شفيعنا ومصدر قوتنا فلا نتكل على شجاعتنا المعرّضة للفشل، بل عليه هو.
أما بخصوص الرسول بولس فإننا نرى حقًا أن "المسيح يسوع جاء ليخلص الخطاة" حتى الذين قبل إيمانهم ارتكبوا أفظع الجرائم، مثل اضطهاد المؤمنين بالمسيح. حقًا هو إله صالح وطيب وإلى الأبد رحمته.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018