الدكتور أنيس بهنام"فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر." (إشعياء 10:61)
من المعروف أن كل إنسان يحب أن يفرح، ولكن هناك فرح حقيقي، كما أنه هناك أفراح وهمية مبنية على خيال وأوهام خاطئة وباطلة.

مصدر الفرح الحقيقي هو الرب الإله وحده "لأنه يُؤْتِي الإنسان الصالح قدامه حكمة ومعرفة وفرحًا." (الجامعة 26:2) وأيضًا في مزمور 7:4 يقول: "جعلت سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم."
هذا الفرح الحقيقي هو من ثمر الروح القدس (غلاطية 22:5) وكلام الله هو مصدر أكيد للفرح الحقيقي. قال إرميا للرب: "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي." (إرميا 16:15) جاء في مذهبة لداود في مزمور 11:16 "تعرفني سبيل الحياة. أمامك شبع سرور، في يمينك نِعم إلى الأبد."
أما فرح الشرير فهو فرح مؤقت وزائل. "أما علمت هذا من القديم، منذ وُضع الإنسان على الأرض، أن هتاف الأشرار من قريب، وفرح الفاجر إلى لحظة!" (أيوب 4:20-5) وذلك لأنه مبني على أمور زائلة، أو على أساس لا يرضى به الرب. حدث في أيام داود أن العمالقة غزوا صقلغ التي كان يسكنها داود وعائلته، وأخذوا الجميع أسرى مع غنائم كثيرة، فكانوا يفرحون ويرقصون إلى أن فاجأهم هلاك بغتة (اقرأ 1صموئيل 30). وهذا يتكرر في أيامنا هذه. فكم من مرة سمعنا عن حفلات صاخبة، وإذا بإرهابي أو شخص مختلّ العقل يفاجئهم مدفوعًا بقوة الشيطان فيقتل بعضهم ويؤذي البعض الآخر.
والآن سنلقي نظرة على ما جاء في فيلبي 4:4-9
من المعروف أن رسالة فيلبي تتكلم كثيرًا عن الفرح الحقيقي، وتتكرر فيها كلمة "فرح" ومشتقاتها مرارًا عديدة. يفتتح هذا الجزء بالقول: "افرحوا في الرب." فالفرح الحقيقي الذي لا يتغيّر هو الفرح في الرب. ليتنا جميعًا نتعلم هذا ونطيع هذه النصيحة الثمينة. حسنًا أن نقضي أوقاتًا كثيرة في الخدمة وفي دراسة كلمة الله. ولكن أثمن شيء هو أن نعمل هذا ونحن فرحون في الرب.
هذه حقيقة مهمة يجب أن نتعلمها ونعمل بها. "تلذّذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك." (مزمور 4:37) يا لها من نعمة! أهم ما يريده الرب لك ولي هو أن نفرح فيه ونبتهج به كما جاء في الآية أعلاه (إشعياء 10:61). أتريد خلاص النفوس؟ اطلب هذا وأنت فرح في الرب. أتريد أن تحسن إلى الفقراء أو أن تساهم في تكاليف خدمة الرب؟ تذكّر أن "المعطي المسرور يحبّه الرب." لأن "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد." نعم، نحن نشكره على عطاياه وإحساناته، ولكن الفرح فيه سببه شخصه المجيد، وحبه الأكيد، وسلامه الوطيد. وكأن الروح القدس إذ عَرِف أن البعض يتساءلون: "هل يمكن أن نفرح في كل حين؟ أكّد هذه الحقيقة، إذ أوحى للرسول بولس أن يضيف "وأقول أيضًا افرحوا." فالظروف والأحوال تتغيّر ولكن الرب يسوع المسيح لا يتغيّر. لم يكن ممكنًا أن يقول "في كل حين" لو لم يقل "في الرب." فنحن نفرح بإخوتنا المؤمنين، ولكن قد نحزن إذ نراهم يسقطون في خطيئة، ونحزن لفراقهم. وأما الرب يسوع فهو لا يفارقنا أبدًا.
ثم يقول: "ليكن حلمكم معروفًا عند جميع الناس." هل هناك أشخاص تحتاج أنت إلى الصبر وطول الأناة في التعامل معهم؟ اطلب معونة الرب لتكون حليمًا معهم. تذكر كيف أن الرب كان وما زال حليمًا معك. أقول عن اختبار شخصي، وهو أن أناة الرب معي تذهلني. فهو صبور وحنان وطويل الروح وكثير الرحمة والإحسان ونحن يجب أن نتعلم هذا منه إن كنا حقًا من تلاميذه.
"الرب قريب." هذه العبارة القصيرة تتعلق بما سبقها وبما يليها. فنحن كلما أدركنا أن الرب قريب أمكننا أن نكون حليمين. هو قريب لأنه وعد قائلاً: "ها أنا معكم." وأيضًا "لا أهملك ولا أتركك." وهو قريب لأنه سيأخذنا لنكون معه إلى الأبد. وهو قريب لأنه قال: "ها أنا آتي سريعًا." إذ ندرك أنه قريب منا يمكننا ألا نهتم بشيء. والمقصود هنا ليس عدم الاهتمام، بل عدم الهمّ والغمّ. أي لا نقلق. فنحن يجب علينا أن نعطي أهمية لمسؤوليتنا الروحية والزمنية ولكن بدون أن نقلق. إذًا ماذا نعمل إزاء الأمور التي تسبب القلق؟ إنه يجيب عن ذلك بالقول: "بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله." علاج القلق هو الصلاة، الصلاة بإيمان وبلجاجة. والدعاء، أي الصلاة المصحوبة بالشعور الشديد للحاجة إلى الرب supplications. وليست الصلاة التي تتكون من ترديد كلمات بفتور روحي. نرى أمثلة للصلاة والدعاء في العهد القديم في صلوات دانيآل (دانيآل 3:9-19) التي تستحق التأمل، وكذلك في صلوات عزرا (عزرا 3:9-1:10) وكذلك ما جاء في نحميا 9 وفي العهد الجديد في الصلاة من أجل بطرس إذ كان في السجن. "وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة من أجله." (أعمال 5:12) ليتنا نتعلم هذا النوع من الصلاة، لأن النتيجة الأكيدة لهذا النوع من الصلاة أن "سلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع." (فيلبي 7:4) ولنلاحظ أن الروح القدس قصد أن يلفت أنظارنا لا إلى سلام الله فقط، بل إلى إله السلام. سلام الله هو العطية. وإله السلام هو المعطي. ولا شك أن هذا المعطي هو أعظم كل عطية، بل هو نفسه العطية التي لا يُعبّر عنها (2كورنثوس 15:9) ولكن، كيف يمكننا أن نتمتّع بوجود هذا المعطي معنا ليكون فرحنا كاملاً؟ إنه يجيب عن ذلك في فيلبي 8:4-9 فيخبرنا عن الصفات التي يجب أن تتصف بها أفكارنا. لأن أفكارنا تعبر عن حالتنا الروحية "كما يفتكر الإنسان في قلبه هكذا هو؟" لذلك يقول: "كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسرّ، كل ما صيته حسن، إن كان فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا... وإله السلام يكون معكم." كلام واضح لا يحتاج إلى تعليق بل إلى تأمّل عميق ودراسة في محضر الله. إنه يعدنا ليس فقط بالسلام، بل بإله السلام يسوع المسيح "الذي وإن لم تروه تحبونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد."

المجموعة: شباط (فبراير) 2018