لا شك أنك تصبو إلى الغلبة والانتصار في حياتك. وليس من إنسان في هذا الوجود لا يطيب له أن يحرز الظفر في كل ميادين الحياة التي يخوض عبابها. فإذا ما نال الغلبة تولاه شعور عميق بالزهو والافتخار.

ولشدّ ما تعصف بالمرء مرارة الخيبة حين يصاب بالإخفاق والفشل. وكثيرًا ما يستسلم لليأس المرير ويتعرّض للهزيمة النكراء.
وما يصدق على العالم المادي يصدق أيضًا على العالم الروحي. قد تكون على جانب كبير من التدين، وتقيم الصلوات في المعابد والمساجد، وتمارس على أتم وجه مختلف الطقوس والفرائض، فترتسم عنك في أذهان الناس صورة زاهية محببة. لكنك تدرك في أعماق قلبك بأن هذا كله غير مُجدٍ، وأنك، رغمًا عن تديّنك، ما زلت مغلوبًا ومنهزمًا روحيًا. إنك تدرك هذه الحقيقة تمامًا وتقرّ بها إن كنت بالحق مخلصًا نحو نفسك.
فتعرف مثلاً، بأن الكذب رذيلة يستنكرها كل إنسان، ولكنك كثيرًا ما تتعمّده وتلجأ إليه، إما لترفع من شأنك، أو لتبرّر موقفك، أو لتزيد من أرباحك. ففي الحالة الأولى تكون قد تكبّرت، وفي الثانية قد جبنت وفي الثالثة قد خدعت. وهكذا تكون قد غُلبت على أمرك. إنك مغلوب يا عزيزي، أجل مغلوب!
أو خذ مثلاً آخر. إنك تعمل كموظف في أحد المكاتب، ولكنك تتأخر عن موعد دوامك بداعي الإهمال لبضع دقائق على الأقل. ألست بذلك متقاضيًا أجرة غيابك بغير استحقاق؟
أو قد تكون صاحب متجر. ولكنك لا تتورّع عن خداع الزبائن والتلاعب بالأسعار والأوزان. إنك تجترح هذه الخطايا يوميًا بالرغم من معتقداتك الدينية وممارساتك. وإنك تشعر بعدم الراحة فتحاول أن تخدّر ضميرك بالقول "إنه لا يمكنني أن أعيش إن لم أفعل ذلك."
وربما كنت طالبًا في كلية أو جامعة، وتجد نفسك في قاعة الامتحان في موقف حرج، لا تستطيع معه أن تجيب عن أحد الأسئلة، فإذا بك تمد يدك وتخرج كتابًا من درجك أو ورقة من جيبك، أو تستعين بزميل توقعه في أشراك الخطية. وقد تفوز وتنجح، ولكنك لا تعدو أن تكون لصًا. لقد غُلبت أيضًا على أمرك.
ألم توطّد العزم يومًا على بذل الجهود لتحاشي خطيئة ما ثم باءت كل جهودك بالفشل؟ ألم تسقط في أحابيل هذه الخطيئة بالذات مرارًا وتكرارًا؟ ألم تقع فريسة شهواتك الجامحة وضحية نزواتك الشريرة؟ ألست عبدًا لعاداتك الأثيمة؟ ألا تسيطر عليك غرائزك الحيوانية؟ ما أنت سوى إنسان مغلوب على أمره؟
إنك تعلم يقينًا بأن هذه كلها آثام وخطايا شنيعة. ولكن قد تعلل نفسك بالقول بأن "الله غفور رحيم." إن هذا حقيقة لا ريب فيها، إنما لا يسمح الله للإنسان في التمادي بخطيئة يطلب الصفح عنها. وستختبر حقيقة هذا القول عندما تقف أمام الديّان العادل في يوم الحساب العظيم.
والآن، ما هو سبب انهزامك الروحي هذا؟ إن هزيمتك وليدة قوة خفية تستولي على قلبك مصدرها الشيطان، وتجرّك معها دومًا إلى حمأة الخطية، فتقع أسيرًا في قبضة إبليس الذي يوعز إليك بارتكاب أحط الموبقات والمعاصي، فتطيعه قسرًا عنك لأنك عبده الذليل. وما من شيء يستطيع أن يطلق سراحك ويحررك من قبضة إبليس إلا قوة إلهية محضة. ولكن أنّى لك من قوة إلهية في هذا العالم الفاشل؟ إنها توجد فقط في شخص ابن الله الأزلي، الرب يسوع المسيح، وتعمل لأجلك بواسطة دمه الثمين الذي سفكه على الصليب لخلاص نفسك الهالكة. وأنت حين تقبل المسيح في قلبك مخلّصًا شخصيًا لك تحصل بصورة أكيدة على أمرين أساسيين:

أولاً: تحصل على مغفرة الخطايا والخلاص من الدينونة الأبدية، حسب ما نص عليه الإنجيل: "لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا." (كولوسي 14:1) "فبالأولى كثيرًا ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب." (رومية 9:5)

ثانيًا: تتحرر من قوة إبليس. وذلك كما جاء أيضًا في الكتاب المقدس: "لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس." (1يوحنا 8:3) فمتى حلّ يسوع في قلبك واستلم زمام حياتك يحطم قوة الشيطان ويخلصك من سطوة الخطية. وحيثما يمكث يسوع يتقهقر إبليس. وهكذا أيها القارئ الكريم، متى قبلت المسيح مخلصًا لك تضمن كل غلبة وانتصار، وتصبح غالبًا لا مغلوبًا وحرًّا لا عبدًا. "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم، إيماننا... من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله؟" (1يوحنا 4:5-5)
ولكن لغفران الخطايا مطالب ثلاثة نصت عليها كلمة الله:
1- التوبة الحقيقية كما جاءت في الإنجيل: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل." (أعمال 30:17) ومعنى التوبة الحقيقية هو نبذ كل خطيئة تتعاطاها، وهجرها بالتمام دون الرجوع إليها ثانية. وعندئذ يمنحك الله القوة كي تثبت ضدّ التجربة. وإلا فإن اتكلت على قدرتك الذاتية فأنت مغلوب لا محالة.
2- ويلي التوبة الاعتراف الصادق إلى الله وحده. "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم." (1يوحنا 9:1)
3- وأخيرًا الإيمان العملي، أي الاعتماد الكلي على عمل يسوع المسيح الكفاري، لا الاتكال على الأعمال والجهود الشخصية. "لأنكم بالنعمة مخلّصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد." (أفسس 8:2-9)
والآن إن أردت أن يتبدل وضع حياتك وتنتقل إلى صف الغالبين، وإن أردت أن تختبر عظمة الانتصار على الخطيئة اختبارًا واقعيًا في حياتك، فصلّ بكل خشوع وإخلاص هذه الصلاة: "يا رب، إنني أعترف بهزيمتي أمام الخطيئة، وأقرّ بكل خطاياي وذنوبي، وأضع إيماني على ابن محبتك يسوع المسيح الذي مات من أجلي وقام. اغفر ذنوبي يا إلهي وطهرني بدم المسيح، وهبني الغلبة والانتصار إكرامًا لاسم فاديّ ومخلصي الرب يسوع المسيح، آمين."

المجموعة: شباط (فبراير) 2018