الأخت أدما حبيبينظرت المعلمة إلى الطلاب الجالسين على مقاعدهم حول الطاولة في الصف وسألتْهم: هل أنتم فرحون لهذا الخبر الذي شاركتكم به للتوّ؟ هزّ الطلاب برؤوسهم موافقين مع أنه لم تبد عليهم علامات الفرح أو الابتهاج ولا حتى الاستمتاع.

فكرّرت عليهم السؤال مرةً أخرى قائلة: حين قمت بتحضير الدرس لكم اليوم، فاض قلبي بالفرح وعمّ بداخلي السرور وفاه لساني بالشكر العميم لخالقي الكريم الذي رتّب لآدم ولنسله، الذي هو نحن، عبر السنين خطة الخلاص العظيمة هذه منذ بداية الأزمان.
قلت بنفسي: أجل يا جيهان يا شريكتي في تعليم هذا الصف صف الطلاب (في سني ما قبل المراهقة في برنامج الأوانا Awana للأولاد في الكنيسة) كم أنتِ على حق! ترى ما هو ردّ فعلنا جميعًا تجاه هذه الخطة الرائعة التي منّ بها خالق الأكوان ومالك الأقدار علينا نحن خليقته وصنْع يديه! هذه الخطة التي لاحت في الأفق منذ سالف العصر وغابر الأزمان، أي من حين سقط أبوانا الأولان في العصيان، وطردا من جنة عدن، وراحا يعانيان من بعدها من الحرمان من جرّاء الانفصال عن حضن الله الحنّان ومصدر الأمان، الخالق المنّان ومبدع الإنسان الذي ليس عنده تغيير ولا حتى ظلّ دوران! وحين يختبر الإنسان، أيّ إنسان، بنفسه هذه النعمة المجانية العظيمة نعمة الفداء، وعطية الخلاص، والتبرير من الخطية، وبهجة الحياة الجديدة، هل يعقل ألّا يفرح أو يبتهج أو حتى يغدو سعيدًا؟ أو هل يعتصم بالصمت؟!
كتبت (آن سيتاس) مرة فقالت: "عندما أصبحت مؤمنة وصرت أحضر الكنيسة باستمرار وأنا في عمرٍ يناهز التاسعة عشرة، وقعت للفور بحب العديد من ترانيم الإيمان التي تعبّر عن محبة الله لنا في المسيح يسوع. وسرعان ما دخلتْ إلى قلبي كلمات ترنيمةٍ أضحت المفضّلة لدي، والتي كتبها Richard Storrs Willis ريتشارد ستورز ويليز، في نهاية القرن السابع عشر "باهر السناء سيد الوجود" والتي اتّصفت ببساطة لحنها وروعة كلماتها إذ تصفه وحده هو المترفّع والمعظّم بما يلي:

باهر السّناء سيد الوجود
هو ابن الله والإنسان
فيه رجائي له ثنائي
شاديًا أعذب الألحان

أبدع المروج أجمل الغابات
ترتدي حلّة الربيع
يسوع أبهى منها وأسنى
بجمال البرّ الوديع

من ضياء الشمس وجمال البدر
والسماوات والنجوم
يسوع أعلى مجدًا وأسمى
لأنّه الفادي الرحوم

نعم، فالذي نرنّم له في هذه الترنيمة هو شخص يسوع المسيح، الأرفع والأسمى والأرقى من كلّ بني البشر، هو الأسنى والأبهى والأعظم، هذا الابن الذي كان في حضن الآب، هو وحده الوحيد الذي خبّر وأعلن عن محبة الله منذ الأزل لبني البشر. هو ذاته الذي أخلى نفسه وتنازل إلينا وصار بشرًا مثلنا وجاء إلى أرضنا. وهنا عاش حياة الكمال المطلق. فجال يصنع خيرًا، ويشفي المرضى، ويجبر كسر المجروحين والمتألمين، ويقيم الموتى. ومن ثمّ وضع حياته من أجل البشر قاطبة، وقدّم نفسه على عود الصليب من أجل الجميع (لوقا 33:23). وبعد أن وُضع في القبر في جوف الأرض، قام في اليوم الثالث منتصرًا على الموت وعلى الشيطان عدوّ الإنسان (لوقا 6:24). وبعد أن ارتفع إلى السماء إذ أتمّ عملية فداء الإنسان، جلس عن يمين الآب في الأعالي (عبرانيين 3:1). وفي يومٍ من الأيام، سنشترك مع الملايين من المفديين في تقديم الشكر والعبادة والسجود له الذي هو أبرع جمالًا من كل بني البشر، وسنهتف لنقول معًا: "مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة... البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين." (رؤيا 5: 12-13) ومن يعلم، ربما سننشد أيضًا قائلين:

باهر السناء سيد الوجود
هو ابن الله والإنسان
فيه رجائي له ثنائي
شاديًا أعذب الألحان

ويعود الأمل ليبزغ من جديد، ويسترجع الإنسان رجاءه بعد أن فقده يوم خروجه من جنة عدن. ويعود الله عن طريق خطّته لخلاص البشر لتكون له علاقة دائمة مع الإنسان بفضل النفيس والغالي ابنه الوحيد الذبيحة الكاملة المرضية من أجل الصفح عن ذنوب البشر، وليس بذبائح حيوانية مؤقتة كما في الماضي. ويعود الله ليتكلم إلى الإنسان ويحكي معه وتعود العشرة الطيبة بين الخالق والمخلوق. يعود ليسير معه في المروج الخضراء الجميلة الشبيهة بجنة عدن القديمة، ويحادثه كما يحادث الخلّ خليله. لقد مهّد الدرب لنا حمل الله الخروف المذبوح، وبذلك أضحى الطريق مفتوحًا، والدرب مضاءً، والسير عليه مؤمّنًا. صار متوافرًا لنا جميعًا نحن البشر بغض النظر عن لوننا أو عرقنا أو ديانتنا، وأصبح في إمكاننا أن نخاطب خالقنا ونبثه شؤوننا وشجوننا من خلال روحه القدوس الذي يسكن في قلب كل من يؤمن بفداء الله المقدّم مجانًا ويحصل على خلاصه (أفسس 13:1). أجل، عادت الشركة المقطوعة إلى سابق عهدها كما كانت مع آدم الأول عن طريق آدم الثاني. وتحوّل الانفصال والاعتزال عن جنة عدن الماضي إلى اتصالٍ واقتبال، والابتعاد والفراق عن حضن الآب إلى اقترابٍ وتوافق. فما أحرانا أن نغنّي وننشد ونفرح ونبتهج بهذا الفادي، مخلّص البشرية من عقوبة الخطية، والواهب الحياة الأبدية.
وإزاء ما عمله الله من أجل استعادة شركته مع الإنسان الخاطئ يا صديقي، حريٌّ بك إذا اختبرت محبته الأبدية، وغفرانه الكامل فعلًا، أن تخبر الآخرين عن هذا الدرب المعبد إلى السماء، والطريق المفتوح، والنعمة العظيمة، والخلاص المجاني، لكل من تراه، أو تعرفه، أو تحتكّ به فتكون بالتالي نورًا يشعّ في الظلام، وضياءً ينير قلب كل محتاج. لديك رسالة هامة تحملها إلى كل الناس تماما كما رددت المرنمة وقالت:
إلى أقصى الدنيا ومعي رسالة،

يسوع فاديّ مخلص العالم
وفي كل قارة وفي كل دولة،
وفي كل مدينة وفي كل قرية
أعلن إنجيلي بسلطان إلهي
إلى أقصى الدنيا ومعي رسالة،
يسوع فاديّ مخلص العالم
ويا كل أمة ويا كل قبيلة
ويا كل شعب ويا كل لسان
أعلن رسالتي بسلطان إلهيٍّ
إلى أقصى الدنيا ومعي رسالة،
يسوع فاديّ مخلص العالم
وفي كل شارع وفي كل حارة،
وفي كل عمارة وفي كل بيت
أقولها ثاني بسلطان إلهيٍ

هذا هو الإنجيل بالتمام، أنّ يسوع المسيح الابن الوحيد مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنّه دفن، وأنّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. فهل تراك تفرح بالخبر؟ وهل تراك تؤمن بخلاص الله المجاني؟ وإذا آمنت فهل تراك تخبر الناس عنه وإلى أقصى الدنيا تحمل رسالته؟!

المجموعة: أذار (مارس) 2018