القس رسمي إسحاق(متى 25:6-33)
كلما قرأت عظة المسيح على الجبل أحسست وكأني أقرأها لأول مرة. إنها أروع ما قُدّم في الماضي ويقدَّم في الحاضر وسيقدّم في المستقبل. قال عنها الزعيم غاندي إنها دستور الفرد والأسرة والمجتمع.

وقال لتابعيه: ستخسرون كثيرًا في حياتكم إذا لم تقرأوها وتطبقوها على حياتكم. ربما يقول لي شخص ما: لماذا لم يعتنق غاندي المسيحية إن كان معجبًا بها؟ الجواب عن هذا السؤال قاله غاندي نفسه: "لولا حياة المسيحيين لصرت مسيحيًا."
ربما يقول البعض إن من يسير بموجبها سيصير ضعيفًا لأنه سيحوّل خدّه الآخر لمن لطمه على أحد خدّيه ويترك الرداء لمن أراد أن يأخذ ثوبه، ويمشي ميلين لمن سخّره أن يمشي ميلاً واحدًا. ولكن الحقيقة هي غير ذلك... إنه لن يصبح ضعيفًا بل قويًّا لأنه سيفعل هذا من منطق القوة وليس من منظور الضعف، فهو يقدر أن يردّ الصاع صاعين ولكنه يعيش بمبدأ العفو عند المقدرة. واليوم سأتحدّث فيما جاء من عظة المسيح بحسب ما جاء في متى 25:6-33. فلو دقّقنا التأمّل في هذا الجزء سنرى أمرين مهمين:

أولاً: أخطاء شائعة

الاهتمامات الجسدية
"لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون." ربما يقول أحد الأشخاص: وهل ممكن أن يستغني الإنسان عن الطعام والشراب واللباس؟ هذه أمور مهمة، ولكن لا يجب أن تشغلنا عما هو الأهم لئلا نصبح كالجهلاء – هذه كلها تطلبها الأمم! والأمم المقصود بهم عامة الناس من الأشرار الذين وردت خطاياهم في قوائم كثيرة من كلمة الله. هؤلاء الأشرار جهلاء لأنهم يظنون أن الإنسان عبارة عن جسد فقط – واهتمامنا بالجسد يفقدنا الإيمان بإله السماء.
وردت عبارة "يا قليلي الإيمان..." لكن استمرار قلة الإيمان يفقدهم الإيمان بالكامل. بدون الإيمان لن نصدق بأن الرب راعينا الذي لا يعوزنا شيئًا. ثم الاهتمام بالجسد يفقدنا الانتماء. معروف أننا ننتمي للرب يسوع. نحن أولاده، وإخوته، وعروسه، وأهل بيته، وأعضاء من جسمه ومن لحمه وعظامه. اهتمامنا بأجسادنا يشعرنا بأننا لسنا أبناء، ولا إخوة، ولا أهل بيت الله. لن نشعر بأننا عروسه وأعضاء جسمه ولحمه وعظامه. لن ينطبق علينا القول: يا إنسان الله – الاهتمام بأجسادنا لن يجعلنا سعداء مهما توافر لنا احتياج الجسد لأننا سنظلّ ننظر لمن هم أحسن منا حالاً حاسدين. واهتمامنا بأجسادنا يجعلنا عبيدًا أذلاّء. رأيت بنفسي شخصًا يجلس عن كنبة اليوم كله وينام عليها. وكان عندما يذهب إلى مكان آخر في نفس البيت يقفل الحجرة بقفل كبير خشية على ما كان يخبّئه في طياتها من أموال. وبذلك كان يحرم نفسه وأولاده من التمتّع بالخيرات الإلهية، وعندما مات ترك خلفه ثروة طائلة جدًا تقاتل عليها أبناؤه. لقد استعبده المال، فمضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة.

جهل الأمور المنطقية
أول هذه الأمور هي الفروق الجوهرية: أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس. ما فائدة الطعام إذا انتهت الحياة؟ وما فائدة اللباس بعد الموت؟ قال الرب لمن لم يعرف هذه الفروق الجوهرية: "هذه الليلة تطلب نفسك منك فالذي أعددته لمن يكون؟" كان الملك هيرودس يأكل أفخر المأكولات ويلبس أغلى الملابس، ولكن ما فائدة هذه كلها عندما أخذ الدود يأكل من جسده؟
يجهلون أمرًا منطقيًا آخر هو: الرعاية الإلهية. ضرب الرب يسوع أمثلة رائعة عن طيور السماء وزنابق الحقل فقال: "انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها... تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها."

ثانيًا: النصيحة الرائعة
ماذا نطلب ومتى؟ "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره..." البعض يفهم هذه الكلمات بطريقة خاطئة. يقول بأن نطلب أولاً ملكوت الله وبره وبعدئذ نطلب الأمور الزمنية... المقصود بأولاً "باكورة حياتنا." "اذكر خالقك في أيام شبابك (وليس بعد أن تتعدّل أمورك)."
"يا الله، إلهي أنت. إليك أبكّر." وتعني أيضًا كلمة أولاً، من باكورة اليوم... من الصباح الباكر.
كان لنا جارة، كنا نلقى عليها تحية الصباح فترد علينا، ومرات كنا نفعل ذلك ولا نسمع منها ردًّا. فسألناها: لماذا تردّين علينا التحية أحيانًا، وأحيانًا أخرى تصمتين؟ قالت: أنا أخذت عهدًا على نفسي أن أول من أتحدث إليه ومعه هو الرب يسوع. فإذا كنت قد فعلت هذا أردّ على تحيّتكم وإذا كنت لم أفعل ذلك بعد، فلا أردّ على تحيتكم. هذه النصيحة مرتبطة بوعد يقيني – وهذه كلها تعطى وتزاد لكم. انظروا ما حدث مع إيليا عند نهر كريث إذ كان يشرب من النهر والغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحًا وخبز ولحم مساء... يفتح يده فيشبع الجميع...
"هوذا الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبو الرب فلم يعوزهم شيء من الخير." "ترتّب قدامي مائدة تجاه مضايقيّ. مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريّا."
ليتنا نتجنب الأخطاء الشائعة ونتمم النصيحة الرائعة.

المجموعة: أذار (مارس) 2018