الأخ جوزيف عبدو"ولما دخل أورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة: ‘من هذا؟’" (متى 10:21)
لقد كانت النبوة التي وردت على لسان زكريا النبي أكثر وضوحًا وأشدّ دلالة من أن يتجاهلها أحد من الناس قط! وهي تقول:

"ابتهجي جدًّا يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديعٌ، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان." (زكريا 9:9) وحين أتمّ يسوع النبوّة كانت الجماهير تهتف له وأصواتها تشقّ عنان السماء: "أوصنا لابن داود. مبارك الآتي باسم الرب. أوصنا في الأعالي." فالمشهد كان يوحي بحدث فريد من نوعه لم تشهده أورشليم من قبل! ولكن رؤساء الكهنة والكتبة رغم أنهم كانوا يقرأون النبوات ويعرفونها جيدًا فإنهم طلبوا منه أن يُسكت هتاف الهاتفين! "فأجاب وقال لهم: ‘أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!’" (لوقا 40:19)
لقد جاء يسوع متفرّدًا عن ملوك الأرض وعظمائها، فهم يعتزّون بغناهم الذي يرثونه، وبعظمة جيوشهم، وبقوة أسلحتهم، وهم يختارون رجالهم من زعماء الأرض ومشاهيرها. أما الرب يسوع فقد جاء معتزًّا بالقداسة متسلّحًا بالحب الذي يأسر القلوب، وقد اختار تلاميذه من أدنى طبقات المجتمع "صيادي السمك" الذين فتنوا المسكونة بهيبة جلاله الذي ألبسهم وبقوة سلطانه الذي منحهم!
لقد أضجع عند ولادته في مذود مستعار لم يوضع فيه مولود من الناس من قبل.
ودُفن عند موته في قبر مستعار لم يُدفن فيه أحد من الناس من قبل.
ودخل أورشليم راكبًا على جحشٍ مستعار لم يعلُ ظهره أحد من الناس من قبل. ويا للدلالة العظيمة لهذه الأمور! وقد بيّنت نبوّة زكريا بعض صفاته الفريدة أيضًا، حيث وصفته بأنه:

1- عادل: لم تنعم المسكونة بالعدل منذ سقوط آدم وحواء في خطية العصيان، حيث تغيّرت جميع القيم، وسادت دوافع الظلم والطغيان والجشع والكبرياء وحب التسلّط، التي تغلّبت على استقامة بني البشر وصلاحهم، فقد وصفتهم كلمة الله بالقول: "الرّئيس طالبٌ والْقاضي بالْهديّة، والْكبير متكلّمٌ بهوى نفْسه فيعكّشونها. أحْسنهمْ مثْل الْعوْسج، وأعْدلهمْ منْ سياج الشّوْك." (ميخا 3:7-4) ذلك حتى جاء يسوع مجسّدًا كل عدالة السماء، فلم يحابِ الوجوه ولم يظلم فقيرًا أو ضعيفًا، فقد أنصف المظلومين ورفع المحتقرين. وقد وصفه إشعياء النبي بروح النبوّة قائلاً: "ويخْرج قضيبٌ منْ جذْع يسّى، وينْبت غصْنٌ منْ أصوله، ويحلّ عليْه روح الرّبّ، روح الْحكْمة والْفهْم، روح الْمشورة والْقوّة، روح الْمعْرفة ومخافة الرّبّ. ولذّته تكون في مخافة الرّبّ، فلا يقْضي بحسب نظر عيْنيْه، ولا يحْكم بحسب سمْع أذنيْه، بلْ يقْضي بالْعدْل للْمساكين، ويحْكم بالإنْصاف لبائسي الأرْض، ويضْرب الأرْض بقضيب فمه، ويميت الْمنافق بنفْخة شفتيْه." (إشعياء 1:11-4) ويسّى هو والد داود الملك الذي جاء المسيح من نسله بالجسد.
في مجيئه الأول جاء عدله ممتزجًا برحمته حتى فاضت رحمته فوق عدله عندما أسلم للموت نفسه كي يغفر خطايا الذين يقبلون خلاصه. أما في مجيئه الثاني فسيرتبط عدله مع دينونته الصارمة حيث يكون زمان الافتقاد والرحمة قد انتهى كما يقول الرسول بولس: "ولكنّك منْ أجْل قساوتك وقلْبك غيْر التّائب، تذْخر لنفْسك غضبًا في يوْم الْغضب واسْتعْلان ديْنونة الله الْعادلة." (رومية 5:2)

2- ومنصور: قال نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير: "أنا وشارلمان والإسكندر فتحنا البلدان وأقمنا الإمبراطوريات وقد أحبنا الناس ما دمنا بينهم. ولكن يسوع الناصري هو الوحيد الذي أسس إمبراطوريته العظمى في قلوب الناس بالحب وبدون حرب ولا سلاح وسيبقى أتباعه يحبونه ويتعبّدون له حتى نهاية العالم." ولقد انتصر يسوع في كل مجال: على الطبيعة، فهدّأ الرياح وسكّن البحر؛ وعلى شتى الأمراض، فأقام الكسيح وشفى السقيم؛ وفتح أعين العمي، وطهّر البرص، وأقام الموتى من قبورهم؛ وعلى الأرواح الشريرة، فأخرج الشياطين وحرّر المسكونين بهم؛ وانتصر على قوة الموت إذ قام منتصرًا في اليوم الثالث. ولقد حوّل الرب هذه الانتصارات لصالح بني البشر المغلوبين الفاشلين لكي يتوبوا ويرجعوا إلى الله بالإيمان. ولكنه في مجيئه الثاني سيسجل نصرته النهائية على مملكة الشيطان وكل جنودها. وكذلك على جميع بني البشر المستكبرين الرافضين لصوت النعمة الإلهية، وبدون رأفة أو شفقة، كما قال: "يرْسل ابْن الإنْسان ملائكته فيجْمعون منْ ملكوته جميع الْمعاثر وفاعلي الإثْم، ويطْرحونهمْ في أتون النّار. هناك يكون الْبكاء وصرير الأسْنان." (متى 41:13-42)

3- وديعٌ: ما أكثر الشرسين والقساة في هذا العالم، ولننظر إلى الذين يقتلون ويسبون ويغتصبون ويدمّرون ويسلبون بدون أي وازع أو رادع، وحتى الذين لا يستعملون سلاحًا لكنهم يجرّحون باللسان ويطعنون بالكلام. وكذلك الذين يغذّون الصراعات الدموية، ويدعمون أصحاب الأفكار الهدّامة التي تسعى لتدمير إنسانية الإنسان، رغم أنها تؤذي أمنهم القومي وتسيء إلى السلم العائلي لقاء منافع وقتية وبدوافع غير أخلاقية! أما يسوع فقد كانت لمساته شفاء للأجساد وكلماته عزاء للنفوس ووجوده خلاصًا ونعمة وحياة! لقد جاء وديعًا لطيفًا حنونًا! بكى عند قبر لعازر قبل أن يقيمه من الموت. وبكى على منحدر جبل الزيتون حينما ظهرت أمامه مدينته أورشليم لأنها لم تعرف زمان افتقادها. وتضرّع إلى الله الآب وهو معلّق على الصليب طالبًا الغفران لصالبيه.
ولكنه سيأتي في مجيئه الثاني جبارًا على الأشرار والخطاة الذين رفضوا خلاصه العظيم كما يقول الرب على لسان المرنم: "قبّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق. لأنه عن قليل يتّقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه."

4- متواضع: دخل أورشليم راكبًا على حمار. في الوقت الذي كان فيه الأباطرة والملوك حتى الولاة، يركبون العربات الفخمة في عصرهم ويتباهون بغناهم وقوّتهم، ولكنه رغم وضاعة تلك الوسيلة فقد أظهر قدرة لاهوته. أرسل تلاميذه إلى حيث كان الجحش مربوطًا. ونحن نعلم أن مثل هذا الحيوان يحتاج إلى أيام من التدريب، وكما يسمّى في شرقنا "تكبيس أو تطبيع" حتّى يتقبّل أن يركبه أحد. وهذا يذكّرنا بما قاله الكتاب عما سيفعله يسوع في مجيئه الثاني، حيث سيغيّر طبائع الحيوانات كما هو مكتوب: "فيسْكن الذّئْب مع الْخروف، ويرْبض النّمر مع الْجدْي، والْعجْل والشّبْل والْمسمّن معًا، وصبيٌّ صغيرٌ يسوقها. والْبقرة والدّبّة ترْعيان. ترْبض أوْلادهما معًا، والأسد كالْبقر يأْكل تبْنًا. ويلْعب الرّضيع على سرب الصّلّ، ويمدّ الْفطيم يده على جحْر الأفْعوان." (إشعياء 6:11-8) وسيتعظّم الرب يسوع وحده حيث ستخضع له كل المسكونة وتتعبّد له كل أمم الأرض، حيث سيأتي ليملك على العالم بقوة وسلطان وجلال. "هوذا يأْتي مع السّحاب، وستنْظره كلّ عيْنٍ، والّذين طعنوه، وينوح عليْه جميع قبائل الأرْض."
عزيزي القارئ الكريم، لقد تمت جميع نبوات الكتاب المقدس عن الرب يسوع وأحداث أخرى في الماضي. وتتم تباعًا نبوات عن الأزمنة الحاضرة، وعلى نفس المنوال ستتم جميع النبوات التي تتكلم عن الأيام الأخيرة، ومجيء المسيح الثاني والدينونة العتيدة. فإن كنت ممن قبلوا خلاص المسيح فهنيئًا لك، وإن كنت ما زلت غير مقتنع، فالرب يدعوك اليوم لكي تفكّر بمصيرك الأبدي العظيم الأهمية جدًا. إنه قريب منك ومستعدّ لاستجابة صلاتك.

المجموعة: أذار (مارس) 2018