الدكتور أنيس بهنام"وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ:

تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ.»" (لوقا 8:2-14)
لا شك أن مجيء المسيح إلى هذه الأرض، وما عمله وعلّم به هو أعظم حدث في تاريخ البشرية. ما أكثر الفوائد والبركات التي نتجت عن تجسّد ربنا وفادينا يسوع المسيح. لذلك سنذكر بعضها باختصار وسنتكلم عن إحدى هذه البركات بشيء من التفصيل:
أولاً: جاء المسيح لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لوقا 10:19؛ 1تيموثاوس 15:1).
ثانيًا: جاء لكي يمجد الله. تتكرر عبارة كانوا يمجدون الله بعد كثير من معجزاته (مرقس 12:2؛ لوقا 16:7؛ 15:17؛ وغيرها الكثير).
ثالثًا: جاء لكي نعرف الله معرفة أعمق (وهذا هو موضوعنا الأساسي كما سنرى).
رابعًا: جاء لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس (عبرانيين 14:2؛ كولوسي 14:2-15)
خامسًا: جاء ليجوز في صعوبات الحياة لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا (عبرانيين 17:2-18).
سادسًا: لكي يترك لنا مثالاً لنقتفيَ خطواته (يوحنا 15:13؛ 1بطرس 21:3-23).
سابعًا: لكي يتمم مواعيده (رومية 8:15).
والآن سنتكلم عن النقطة الثالثة: المسيح جاء لكي نعرف الله معرفة أقوى وأعظم. لأنه هو صورة الله غير المنظور.
كان المؤمنون في العهد القديم يتوقون إلى معرفة أكثر عن خالقهم ويتمنون أن يروا لمحة من مجده. كان موسى النبي الذي قال عنه الروح القدس: "ولم يقم بعد في إسرائيل نبيّ مثل موسى الذي عرفه الرب وجهًا لوجه." (تثنية 10:34) كان يتمنى أن يرى مجد الرب فقال: "أرني مجدك." فأجابه الرب: "لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش." (خروج 18:33-23) وقال إشعياء النبي: "حقًا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص." (إشعياء 15:45) وقال أيضًا: "ليتك تشق السماوات وتنزل." (إشعياء 10:64) في إشعياء 6 نقرأ عن رؤيا رآها إشعياء فقال: "رأيت السيد جالسًا على كرسيٍّ عالٍ ومرتفع... السرافيم واقفون فوقه... وهذا نادى ذاك وقال: قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود. مجده ملء كل الأرض... فقلت: ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين... لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود." (إشعياء 1:6-5؛ أرجو أن تقرأ الأصحاح كله) ولنلاحظ أن البشير يوحنا، تلميذ الرب، يقتبس من هذا الأصحاح ويقول: "قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه." أي عن يسوع المسيح. فيسوع هو رب المجد الذي تكلم عنه إشعياء (قارن يوحنا 39:12-41 مع ما جاء في إشعياء 6). خاف إشعياء إذ رأى لمحة من مجد الرب، أما يوحنا فيقول في موضع آخر: "ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًا... ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا، ونعمة فوق نعمة." (يوحنا 14:1-16) خاف إشعياء إذ رأى مجده، أما بولس فيقول: "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغيّر إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح." (2كورنثوس 18:3) هذا الذي "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" قال لتلاميذه أنه "لم يأتِ لكي يُخدَم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين!" (متى 28:20) وقد غسل أرجل تلاميذه (يوحنا 13)! فهذا الذي تجثو له كل الملائكة، اتكأ يوحنا على صدره! وهو الذي سُرّ أن يحلّ فيه كل ملء اللاهوت جسديًا، قال عنه الرسول بطرس قرب نهاية أيامه: "لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: [هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُررت به.]" (2بطرس 16:1-17) حقًا هو سر عجيب "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد." (1تيموثاوس 16:3)
يحتفل العالم في هذا الوقت من السنة بعيد الميلاد، إلا أن الأغلبية أساءت إلى قيمة هذا الميلاد، ولكن ليتنا نحن الذين افتقدتنا نعمة الله نحتفل بسجود وورع بتجسد ربنا يسوع المسيح، الذي وهو غنيّ، لأجلنا قد افتقر لكي نستغني نحن بفقره، ولنكون شهودًا أمناء لنعمة الله. إن مجيئه الثاني على الأبواب فليتنا نستثمر الوقت القليل الباقي لمجد اسمه ولبركة الكثيرين.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2019