الدكتور جون حدادإذا تأملنا في تركيب الخلايا الفيزيولوجية، نرى أنها مركّبة بشكلٍ فائق التنظيم يعكس انعكاسًا دقيقًا وظائف مختلف الأعضاء الجسميّة. في هذا الإطار. سأُركّز على أحد البروتينات الخلويّة الهامّة في تنظيم عمل الخليّة البشرية.

إن كلمات العهد الجديد في رسالة كولوسي للرسول بولس تعكس تعبيرًا مهمًّا عن عمل المسيح الضابط الكل بكلمة قدرته (كولوسي 12:1-20)، حيث يربط البعض هذه الكلمات بأحد أهمّ الاكتشافات العلمية في العصر الحديث – ألا وهي إحدى الكيميائيات الخلويّة المعروفة باسم لامينين Laminin، والتي تظهر على شكل صليبْ عُرف بالإنكليزية Cruciferous. فهل هذا الاكتشاف صدفة أم أنّ يد الله القدير سمحت بهذا الشكل النادر داخل الخلايا؟ وكما أنّ المادّة ولا سيما الجزيئات الخلويّة تربط العالم الماديّ والبيولوجيّ كصمغٍ متّحدٍ للتوازن والتناسق الفيزيولوجيّ البديع، هكذا هو شخص الربّ يسوع المسيح الذي يربط ويحمل كلّ الأشياء بكلمة قدرته.
رأينا مؤخّرًا ظهور إحدى الكيميائيات الخلويّة كإحدى البروتينات الحيوية ويُدعى "لامينين"، كما ذكرنا. ما هي طبيعة هذا البروتين ودوره الخلويّ؟ إن الأمر ذاته يقودنا لدراسة البعد الكتابيّ في الخَلق والتكوين الإلهيّ إن أمكن. هذه المادّة هي بروتين خلويّ وتُعتبر جزءًا هامًّا من تركيبة الخليّة البشرية والحيوانية إذ أنها تلعب دورًا أساسيًا في تنظيم النسيج الخلويّ. ولكي نُلقي الضوء على هذا الفكر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا البروتين يُشكّل عنصرًا كيميائيًا أساسيًا في تركيبة ما يُعرف Extracellular Matrix الذي يحيط بالخلايا ويؤمّن لها الدعم والتنظيم والاتّصال فيما بينها. وبذلك نرى أنّ هذا البروتين هو حيويٌ جدًا ويضبط وظائف الخلايا البيولوجية بشكلٍ متناسقٍ ومنظّم. وكما أنّ هذه المادّة تربط الأنسجة بعضها بالآخر وتُنظّم عملها بإتقان، هكذا يد الله القوية الممسكة بكلّ شيء بشكلٍ رائعٍ ومنظّم (مزمور 33). يقول الكتاب المقدّس: "ٱلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ." (كولوسي 17:1)، وفي هذا خير دليلٍ على عظمة المسيح في ضبطه للحياة والمادّة لا بل تنظيمه أيضًا لعمل كلّ الأشياء. وإذا نظر الباحث إلى شكل مادّة لامينين الخلويّة، يرى نوعًا من التشابه مع صورة رباعية الأضلاع تمامًا كشكل الصليب، كما صوّرها مجهرٌ إلكترونيّ دقيق سُمّي Electron Scanning Microscopy - ESM وهو آلة متخصّصة في تصوير الأشياء على مستوى الذرّة أو النواة، وقد طُوّر هذا العمل سنة 1981 وما زال يُستخدم في حقول العِلم والطبّ كافةً لدراسة الأشياء التي لا تُرى بالعين المجرّدة. وإن كنتُ كباحثٍ أُدرك إدراكًا جيدًا أهمية الشكل الخلويّ للكيميائيات ووظائفها المعقّدة وأنها في سلطان الله وعلمه، إلا أنني لا أستطيع أن أربط شكلها الخلويّ بصورةٍ روحية ما لأؤكّد وأُظهر قصد الله وعظمته. يقول الكتاب في هذا الصدد: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ." (مزمور 1:19) إذًا كلّ الأشياء في الخليقة سواء كانت كبيرة أم صغيرة أو حتى خلوية لا تُرى بالعين المجرّدة تُعلِن مجد وبهاء هذا الخالق العظيم. أما أن نربط شكل إحدى الكيميائيات كبروتين لامينين بشكلٍ أو فكرٍ ما لإظهار عظمة الله، فهذا أمرٌ مستبعد وغير جدّيّ، وبالتالي لا نستطيع بالمحدود هذا أن نُظهِر صفات اللاّمحدود.
يلاحظ الباحث العلميّ أن شكل لامينين الخلويّ بدأ بأخذ الشهرة منذ سنة 2008، لكنني أعتقد جازمًا أنّ كلمات الرسول بولس في كولوسي والتي تُظهِر قدرة الله الفائقة كان لها الأثر والوقع ذاته قبل اكتشاف هذا البروتين الخلويّ. إن إيماننا بصدق الكلمة الإلهية المعلِنة للسلطان الإلهيّ في ضبط الأشياء نابعٌ من إعلانات الله وليس من الاكتشافات العلميّة على أهميتها. إنني أومن بما تُعلّمه رسالة كولوسي في هذا الخصوص وبالتالي لا أحتاج إلى الاكتشاف العلميّ لتبيانه. إلا أنني أستخدم البعد العلميّ لتأكيد كلمات الكتاب وتعليمه في الخَلق والتكوين. لا شك أن شهرة الاكتشاف العلمي لهذا البروتين الخلويّ تركت بصماتٍ كبيرةً ومؤثّرةً، ولا سيما في الجيل الناشئ الباحث عن المعرفة والعِلم. إلا أننا نَحذر ونتصرّف بحكمة حيال الاكتشاف العلميّ ودقّته كما يُعلّم الرسول بولس بقوله: "يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ." (1تيموثاوس20:6) ولا أشكُّ لحظةً بإمكانية الله في استخدام الاكتشاف العلميّ في إظهار عظمته، إلا أنّ آثاره ظاهرة منذ بدء الخليقة ومُعلَنة في الكلمة الإلهية بكلّ جلاء. "إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ." (رومية 19:1-20) من هذا المنطلق، لا أستطيع أن آخذ أية علامةٍ مهما عظُمت لكي أعرف وأوقن بعظمة الله – فهذه القدرة الإلهية ظاهرة للعيان ولكلّ مَن يؤمن. إلاّ أن الإنسان بطبيعته يحبّ العلامات لأنها تؤكّد للعين المجرّدة أمرًا ما وتُثبّته، فهكذا كان الناس أيام المسيح يطلبون دائمًا آية ليؤمنوا به – "وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ! جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى." (متى 1:16-4) هذا في المجتمعات القديمة، أما في مجتمعاتنا الحديثة، فالأمر لا يختلف كثيرًا إذ أن الإنسان ما زال يفتّش عن علامةٍ ما ليقتنع بالفكر الكتابي في الخَلق والتكوين، بينما حقيقة الأمر تكمن في ثنايا الكلمة الإلهية والتي تُظهِر بجلاء قدرة الله وعظمته حتى على مستوى الخليّة البشرية الصغيرة. "مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ." (أمثال 7:1) فإذا كان الإنسان جادًّا في بحثه عن الحقّ، هذه المعرفة لا تبدأ بالظواهر العلمية بل بمعرفة فكر الربّ وقبوله. "لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ، الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ." (كولوسي 2:2-3)
يُدرك المرء الباحث عن الحقّ العلميّ أن الله الخالق هندس كلّ الأشياء وحدّد وظائفها بدقة متناهية وذلك بما فيها بروتين "لامينين" وشكله الجزيئي الرائع. أومن كما بولس الرسول أن الحقّ الكتابيّ هو مصدر كلّ معرفةٍ حقيقية لأنها تُظهر عمل الله وإتقانه في الخَلق كما وتؤكّد على سلطان المسيح الكامل "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي." (عبرانيين 3:1)

المجموعة: أيار (مايو) 2019