القس إسبر عجاج"فقال لهم يسوع: [أنا هو خبز الحياة.]" (يوحنا 35:6)
يجدر بنا أن نذكر من البداية أن الرب يسوع المسيح هو مركز نبوات ورموز العهد القديم. ومن أهم رموز العهد القديم التي تشير إلى يسوع، المن الذي نزل

من السماء ليشبع جوع أولئك الذين خرجوا من أرض مصر، واجتازوا في البرية. ونقرأ عن هذا المن الكلمات: "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ. فَيَخْرُجُ الشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُونَ حَاجَةَ الْيَوْمِ بِيَوْمِهَا. لِكَيْ أَمْتَحِنَهُمْ، أَيَسْلُكُونَ فِي نَامُوسِي أَمْ لاَ." (خروج 4:16)
المنّ إذًا يرمز إلى الرب يسوع المسيح من الوجوه الآتية: في اسمه، وضرورته، ومصدره، وصفاته، وفي طريقة نزوله، وكماله وكفايته.
والكلمات "من هو؟" هي ذات الكلمات التي قالها التلاميذ حين انتهر الرب يسوع الريح، "وقال للبحر: اسكتْ! ابكْم! فسكنت الريح وصار هدوء عظيم... فخافوا خوفًا عظيمًا، وقالوا بعضهم لبعض: [من هو هذا؟ فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه.]" (مرقس 41:4) إن الناس لم يعرفوا حقيقة المسيح يسوع حين جاء إلى العالم. "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله." (يوحنا 11:1) لكن عرفناه بذاته عندما قال: "كلُّ شيءٍ قد دُفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلّا الآب، ولا أحد يعرف الآبَ إلا الابن ومن أراد الابن أن يُعلِن له." (متى 27:11) "أنا هو خبز الحياة. من يُقبِل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا." (يوحنا 35:6)

كان المن رمزًا إلى المسيح في ضرورته
كان الشعب الإسرائيلي على وشك الموت جوعًا في الصحراء، "فَتَذَمَّّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَقَالَ لَهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: «لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ. فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هذَا الْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ." (خروج 2:16-3) وعندئذ قال الرب لموسى: "هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزًا مِنَ السَّمَاءِ." (ع 4)
هذا الخبز السماوي، المن النازل من السماء كان غذاء بني إسرائيل طيلة مدة وجودهم في البرية. كان مصدر قوتهم وحياتهم الوحيد، الذي بدونه كانوا يواجهون الموت المحقق.
لقد كان من الضروري أن ينزل الرب يسوع المسيح من السماء ليهب حياة للعالم، وقد قال بفمه المبارك: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ." (يوحنا 47:6-51)
إن الرب يسوع المسيح هو المصدر الوحيد للحياة للعالم الهالك و"فيه كانت الحياة." "أنا هو الطريق والحقّ والحياة." (يوحنا 6:14) "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي." (يوحنا 27:10-28)
كان المن رمزًا إلى المسيح في مصدره
كان المن ينزل من السماء، والمسيح نزل من السماء. لقد قال عن نفسه وهو الأمين الصادق: "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء." (يوحنا 51:6) وقال أيضًا: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء." (يوحنا 13:3) لقد كان موجودًا مع الآب منذ الأزل. ولما جاء ملء الزمان نزل إلينا في صورة إنسان.

كان المن رمزًا للمسيح في صفاته

وأول صفة من صفاته أنه صغير
نقرأ عن المن: "وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمَهُ «مَنًّا». وَهُوَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، أَبْيَضُ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ." (خروج 31:16) فالمن كان صغيرًا في حجمه كبزر الكزبرة. وقد تنبأ إشعياء عن المسيح قائلاً: "محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن، وكمستَّرٍ عنه وجوهنا، محتقر فلم نعتدّ به." (إشعياء 3:53)
لم يأتِ الرب يسوع في شكل رغيف خبز كبير، لكنه جاء محتقرًا ومخذولاً من الناس. ونقرأ عنه الكلمات: "فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به." (لوقا 11:23)

الصفة الثانية من صفاته هي البياض
والبياض رمز الطهارة والنقاوة وكان المن أبيضَ. والرب يسوع كان طاهرًا في ولادته، فقد وُلد بلا خطية، وكان طاهرًا في أفكاره فلم يعرف خطية. وقد قال عن نفسه: "لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء." (يوحنا 31:14)

الصفة الثالثة من صفاته أنه حلو
"وطعمه كرقاقٍ بعسل." (خروج 31:16) وقد قال داود في المزمور: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب!" (مزمور 8:34) وقالت عروس النشيد في وصفه: "حلقه حلاوة وكلّه مشتهيات." (نشيد 16:5) والإنسان الذي اختبر الرب يسوع يعرف مدى حلاوته، ويشهد بالتلذّذ بعشرته وبشخصه.

كان المنّ رمزًا للمسيح في طريقة نزوله
"ولما ارتفع سقيط الندى إذا على وجه البرية دقيق مثل قشور. دقيق كالجليد على الأرض." (خروج 14:16) وقد نزل المسيح إلى أرضنا الجدباء، اليابسة التي بلا ماء، كما تنبأ عنه إشعياء: "نبتَ قدّامه كفرخٍ وكعرقٍ من أرض يابسة." (إشعياء 2:53) نزل إلى أناس قلوبهم جامدة كالحجارة، وعواطفهم باردة كالجليد، نزل إلى برية هذا العالم.

كان المنّ رمزًا للمسيح في كماله وكفايته
كان المنّ هو الغذاء اليومي الكامل لبني إسرائيل، كان يحوي جميع ما يحتاجون إليه. وقد حفظ الإسرائيليين أصحاء "رجلك لم تتورّم هذه الأربعين سنة." (تثنية 4:8)
والرب يسوع فيه كل الكمال وكل الكفاية وكل الشبع للنفس التي تعرفه. فهو للبنّاء حجر الزاوية... وللعطشان ماء الحياة... وللجائع خبز الحياة... وللتائه الطريق والحق والحياة، وللمتعب مُعطي الراحة... وللتلميذ المعلِّم الصالح. ولمحرّر الأخبار هو الأخبار السارة... وللكاتب هو الألف والياء... ولتاجر الجواهر الثمينة هو اللؤلؤة الكثيرة الثمن... وللذين في الظلمة هو نور العالم!
ولكن أعظم الكل هو للخاطئ حمل الله الذي يرفع خطاياه إذا تاب وآمن به.

كان المنّ رمزًا إلى المسيح في اسمه
"فَلَمَّّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ (المنّّ) قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مََنْْ هُوَ؟» لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ لِتَأْكُلُوا.]" (خروج 15:16)


كيف تستمتع بيسوع المنّ السماوي؟


لا بدّ أن تنحني وتتواضع لتلتقطه... كان بنو إسرائيل يلتقطون المنّ، كان الواحد منهم ينحني ليلتقطه... وإذا أردت الاستمتاع بالرب يسوع فلا بدّ أن تنحني في محضره، وتتواضع عند قدميه. "لذلك يقول: يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة." (يعقوب 6:4)

لا بد أن تلتقطه باكرًا... "وَكَانُوا يَلْتَقِطُونَهُ صَبَاحًا فَصَبَاحًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ. وَإِذَا حَمِيَتِ الشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ." (خروج 21:16) وكم هو ملذٌّ أن تُقابل الرب في الصباح الباكر! قال أحدهم: "قبل أن تواجه شمس الصباح يلزمك أن تواجه الرب يسوع شمس البر." إن هذا يعني أن يكون الرب يسوع هو الأول في حياتك، لكي يكون هو متقدِّمًا في كل شيء. "أنا أحبّ الذين يحبّونني والذين يبكِّرون إليّ يجدونني." (أمثال 17:8) وجدته مريم المجدلية إذ بحثت عنه باكرًا جدًا. فهل تعطي للمسيح باكورة يومك؟

لا بد أن تلتقطه حالاً... "إذا حميت الشمس كان يذوب." فأسرع إليه الآن.
"اطلبوا الرب ما دام يوجد. ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا لأنه يُكثر الغفران." (إشعياء 6:55)
إبليس يقول لك: أجّل، ولكن الروح يقول لك: عجّل! إذ لا يوجد كلمة "غدًا" في قاموس الخلاص. "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص." (2كورنثوس 2:6)
"اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم." (عبرانيين 7:4)
إن الخلاص قريب منك، إنه قرب باب خيمتك وما عليك إلا أن تمدّ يدك وتأخذه... تفتح قلبك وتقبله. "الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز بها: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت." (رومية 8:10-9) "الرب قريب لكل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق." فهل قبلت المسيح خبز الحياة؟ هل نلت الحياة الأبدية بقبوله؟
وأنت أيها المؤمن، هل تتغذّى يوميًا بالمسيح، وتأكل منه كلَّ صباح، وتتلذّذ به كلَّ وقت؟ وهل هو موضوع حياتك، وأحاديثك؟
ليت قلبك يتذوّق حلاوته كل يوم، وليتك تشارك الجائعين في اختبارك، ليتلذّذوا هم أيضًا بالمسيح الواهب الحياة للعالم.

المجموعة: أيار (مايو) 2019